منذ أيام بدأ العرض التجارى لفيلم «The Apprentice» «المتدرب» للمخرج الإيرانى الدنماركى على عباسى، والذى يدور حول قصة صعود الرئيس الأمريكى السابق دونالد ترامب (يلعب دوره سيباستيان ستان) وعلاقته بالمحامى الفاسد روى كوهين «جيريمى سترونج»، التى بدأت فى السبعينيات، حين توسل ترامب لكوهين أن يتولى تمثيل والده فى دعوى قضائية فيدرالية بسبب ممارساته العنصرية مع ساكنى عقاراته، فيوافق كوهين وينقذ والد ترامب والعائلة بعدما يهدد المدعى الفيدرالى بصور تدينه بعلاقة غرامية مثلية، لينتهى الأمر لتسوية لا تلزمهم بالاعتراف بالذنب، ومن هنا تتطور العلاقة ليصبح كوهين معلم ترامب الأول ومدربه حتى يصبح قطب العقارات ورجل الأعمال الشره للمال والنفوذ. استفاد ترامب من أستاذه سنوات ثم تفوق عليه فى الفساد والوحشية، وبعدما يصل لما يريد يدير التلميذ ظهره لأستاذه، ويسير فى طريقه، كمصاص دماء، يتغذى على كل من حوله ثم يلقيه جثة هامدة، حتى زوجته إيفانا التى ظل يطاردها حتى وافقت على الزواج منه، ينكل بها، وينتهك جسدها وهو يطرحها أرضا ليغتصبها بوحشية، وتلعب دورها ماريا باكالوفا. لم يكمل الفيلم رحلة ترامب للوصول إلى البيت الأبيض، مكتفيا بكشف البدايات، تاريخه وعلاقاته التى شكلت شخصيته بكل ما فيها من جشع ونرجسية وقسوة مخيفة.. يكتفى الفيلم فقط ببداية طموحه السياسى حين يحثه روجر ستون على دعم رونالد ريجان (الرئيس الأمريكى الأسبق) الذى «يدافع عن كل الأشياء التى تهمه»، وقد احتفظ ترامب بالنصيحة وحفظها جيدا ورفع نفس شعار ريجان «دعونا نجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى» فى حملته الانتخابية السابقة. فى الحقيقة لم يقدم الفيلم جديدا يغرى الناس بمشاهدته، حقيقة الرئيس السابق الكل يعرفها فى أمريكا وخارجها، الاتهامات التى لحقته وتلاحقه، القضايا الجنائية المتهم فيها، والأحكام المؤجلة لما بعد الانتخابات الرئاسية فى 34 تهمة أقلها الرشوة والتزوير بحجة «تعزيز مصالح العدالة»! يخوض الآن دونالد ترامب سباق الرئاسة كأول رئيس أمريكى سابق مدان بجرائم، ويواجه عقوبة تصل إلى السجن أربع سنوات لكنَّ له مريدين سيختارونه وربما يصبح رئيسا لأمريكا للمرة الثانية ! «المتدرب» هو اسم برنامج تليفزيونى كان يقدمه دونالد ترامب على شبكة تليفزيون NBC الأمريكية استمر ثلاثة عشر عاما من 2004 إلى 2017، ثم توقف بعدما أصبح ترامب رئيسا لأمريكا، يحمل الفيلم نفس الاسم «المتدرب» قصدا وإسقاطا، وقد واجه حربا شعواء من ترامب وداعميه، وتهديدا ووعيدا بمقاضاة صناعه، ولم يكن أحد يتخيل أن الفيلم سيفوز فى المعركة ويجد موزعا يتصدى لعرضه فى الولاياتالمتحدةالأمريكية، وهو ما حدث. وبدأ عرضه تسبقه دعاية كبيرة منذ عرضه الأول فى مهرجان كان السينمائى السابع والسبعين الذى انعقد فى مايو 2024 . فى عرض خاص بنيويورك بمسرح جمعية المخرجين الأمريكيين، قال مؤلف الفيلم جابريل شيرمان وهو كاتب صحفى أمريكي: «آمل أن يجعل الفيلم الناس يجلسون فى قاعة مظلمة هادئة، ينظرون بأعينهم إلى سلوك الرجل الذى قد ننتخبه ليصبح الرئيس الأمريكى القادم».. ورد ترامب بطريقته الهجومية أن الفيلم تزييف للحقيقة من كاتب بلا مصداقية ومخرج عديم الموهبة، والفيلم مجرد «كومة قمامة». توقع الجميع أن يكون «المتدرب» عاملا مؤثرا فى الانتخابات، لصالح كامالا هاريس مرشحة الحزب الديمقراطي، ونجح الموزع فى اقتناص 11 أكتوبر موعدا للعرض ليسبق الانتخابات بأكثر من ثلاثة أسابيع (تجرى الانتخابات فى 5 نوفمبر)، لكن فشله فى تحقيق إيرادات جيدة على مدار الأسبوعين الماضيين سيعرضه للرفع من قاعات العرض قريبا (حقق 3.556.265 دولارا داخل أمريكا وثلاثة ملايين تقريبا خارجها ليصبح مجموع إيراداته عالميا 6.700.00 دولار أمريكى فقط)، وهو أقل بكثير من نصف ميزانية إنتاجه التى تقدر ب 16 مليون دولار، بما يعنى خسارة فادحة للشركة المنتجة. بعد كل هذه الضجة والجدل والمعارك المتبادلة، كان المدهش حقا هو تجاهل الأمريكيين للفيلم، أداروا ظهورهم له فلم يحقق إقبالا يذكر، ولم يحظ باهتمام متوقع على مواقع التواصل الاجتماعى، وحتى فى الولايات الزرقاء - ذات الانتماء الديمقراطى- كانت نسبة المشاهدة ضعيفة جدا.. تُرى ما سر هذا التجاهل والإعراض؟ هل رفض الأمريكيون مواجهة الواقع المخيف وبالتالى مشاهدة الفيلم؟! أم أنهم تضامنوا مع رئيسهم السابق وقاطعوا الفيلم الذى يقدمه بصورة مثيرة للاشمئزاز؟ أم أن التوترات السياسية والأوضاع الاقتصادية المضطربة التى يعانى منها الشعب الأمريكى أفقدته الاهتمام بالسياسة والانتخابات الرئاسية أصلا؟!