تمثال كاعبر، المعروف ب"شيخ البلد"، يُعتبر واحدًا من أشهر التماثيل غير الملكية التي صنعت في عصر الدولة القديمة. يُجسد هذا التمثال البراعة الفنية والتفوق الحضاري للمصريين القدماء. تم اكتشافه في منطقة سقارة بالقرب من هرم أوسر كاف، وعُثر عليه داخل المصطبة رقم ج 8. يعد تمثال كاعبر واحدًا من أروع الأعمال الفنية التي تعود إلى الأسرة الخامسة. اكتُشف التمثال عام 1860 على يد عالم الآثار الفرنسي أوجست مارييت، ويتميز بأنه مصنوع من خشب الجميز، وهو ما كان شائعًا في تلك الفترة، يُمثل كاعبر، الذي كان يشغل منصب رئيس الكهنة المرتلين، حيث يظهر في التمثال بحجم قريب من الطبيعي. تتفق صورة كاعبر في التمثال مع العقيدة المصرية القديمة في البعث والخلود، حيث كان المصريون يسعون للحفاظ على مظهر حقيقي لشخصياتهم كي يعودوا إلى الحياة في العالم الآخر. اقرأ أيضا | ب«تمثال طبق الأصل».. أهالي قرية بالمنيا يحيون الذكرى ال40 لوفاة شيخ البلد * حادثة اكتشاف التمثال ولقب "شيخ البلد" تعود تسمية التمثال ب"شيخ البلد" إلى حادثة طريفة وقعت أثناء اكتشافه. فعندما ظهر التمثال لأول مرة أمام العمال، فرّوا من المقبرة وهم يرددون "شيخ البلد! شيخ البلد!". وبعد تحقيقات، اكتشف مارييت أن التمثال يشبه بشكل كبير شيخ البلدة الذي توفي مؤخرًا، وكان معروفًا بظلمه. اعتقد العمال أن التمثال يمثل عقابًا إلهيًا تمثل في مسخ شيخ البلد إلى تمثال خشبي، ومن هنا جاءت التسمية الشعبية التي أصبحت متداولة إلى جانب الاسم الأصلي للتمثال "كاعبر". * التفاصيل الفنية للتمثال يبلغ ارتفاع التمثال 112 سم، ويُظهر الفنان المصري القديم براعة استثنائية في تصوير التفاصيل. كان كاعبر يرتدي نقبة طويلة ويظهر بجسده الطبيعي الممتلئ، مما يدل على مكانته الاجتماعية الرفيعة وحكمته نتيجة تقدمه في السن. يختلف هذا التمثال عن التماثيل المثالية التي كانت تظهر الشخصيات بشكل مثالي، إذ يعكس هنا الواقع بصدق ويصور السمنة والكرش، وهي علامات على الثراء والسلطة. تم صنع التمثال من قطع خشبية تم تجميعها وتثبيتها باستخدام مسامير خشبية. اليد اليمنى للتمثال صنعت كقطعة واحدة بينما كانت اليد اليسرى مكونة من قطعتين. يمسك التمثال بعصا رمزية للقيادة كانت قد فُقدت، وتم استبدالها بعصا حديثة. قدم كاعبر اليسرى متقدمة، وهو ما قد يعكس نوعًا من الرمز العسكري أو الجدية في الشخصية التي يمثلها. المواد والتقنيات المستخدمة تم استخدام خشب الجميز المحلي لصنع هذا التمثال، رغم أن المصريين القدماء كانوا يستوردون الأخشاب الفاخرة مثل الأرز والصنوبر من لبنان. فضل المصريون استخدام الخشب في بعض الحالات نظرًا لسهولة تشكيله مقارنة بالحجر. لكن، ورغم جودته الضعيفة مقارنة بالحجر، نجحوا في حفظ التمثال لآلاف السنين دون تلف كبير. تم استخدام أحجار كريمة لتطعيم العينين، مما أضاف إحساسًا بالحياة إلى التمثال، وهو يعكس العقيدة المصرية في الحياة بعد الموت والبعث. * القيمة الأثرية والتاريخية تمثال كاعبر من مقتنيات المتحف المصري بالتحرير، ويُعد أحد أشهر المعروضات التي تجذب الأنظار. يعكس التمثال قدرة الفنان المصري على العمل بتقنيات مختلفة ومواد متنوعة، وإتقان التفاصيل الفنية التي تجعل التمثال يبدو حيًا، كما أن اكتشافه كان بمثابة نافذة إلى الحياة اليومية والمعتقدات الدينية في مصر القديمة. * تأثير الحضارة المصرية القديمة تمثال كاعبر، بفضل تفاصيله وقيمته الفنية، يمثل جزءًا مهمًا من تاريخ مصر القديمة، حيث يكشف عن الدور المهم الذي لعبته الشخصيات غير الملكية في الحياة الدينية والاجتماعية، يعود الفضل في بقاء التمثال في حالته الجيدة إلى الحرفية العالية للمصريين القدماء، الذين استخدموا مواد بسيطة ولكنهم نجحوا في تحدي الزمن والحفاظ على إرثهم للأجيال القادمة. يبقى تمثال كاعبر شاهدًا على عبقرية المصريين القدماء وفهمهم العميق للحياة والموت. إن تماثيلهم، حتى تلك المصنوعة من الخشب، تحمل في طياتها قصصًا عن قوة الإيمان والحكمة والفن، تظل مصر القديمة مصدر إلهام للعلماء والزوار من جميع أنحاء العالم، حيث تكشف كنوزها، مثل تمثال كاعبر، عن جوانب جديدة من تاريخها العريق.