لم يتصور العدو الإسرائيلى حين بدأ الهجوم أن الجحيم كانت هى المأوى ففقد فى اليوم الأول كل دباباته السبعين التى أرسلت للقيام بالمهمة اليوم هو ثانى الأيام «15- 16 أكتوبر» دارت فيها إحدى المعارك الملحمية التى تزخر بها ذكريات حرب أكتوبر المجيدة. حكايتنا اليوم عن معركة «المزرعة الصينية»، التى كان المشير الراحل (المقدم آنذاك قائد الكتيبة 16) محمد حسين طنطاوى فيها أحد أبطال المواجهة مع قوات العدو بقيادة أريئيل شارون. هى واحدة من حكايات الدم والدموع يرويها الناجون من نار الجيش المصرى وقسمات الأسى تحتل وجوههم ذات العيون المغلقة وكأنهم يخشون من تجسد أطياف الذكرى أمامهم. وظل الصندوق الأسود الذى يحوى أحداث هذه المعركة مغلقًا طيلة خمسة وعشرين عامًا حتى تمكن الناجون منها تجاوز الألم وفتح أفواههم للحكى. منهم ناتان شونارى قائد كتيبة استطلاع الذى قبل على مضض بالمشاركة فى فيلم وثائقى عن ليلة معركة المزرعة الصينية فقط بعد ربع قرن، وهو لا يدرى ما هو الهدف الحقيقى من هذا الفيلم الذى كان يفترض تصويره فى صحراء سيناء وجمع شهادات ضباط مصريين وإسرائيليين فيه. لن يبدو أن الرياح لم تأت بما تشتهيه سفن المخرج الإسرائيلى. ناتان يتساءل: «من ذا الذى يرغب فى استعادة ذكريات ما حدث؟». المزرعة عبارة عن محطة زراعية تجريبية على الضفة الشرقية لقناة السويس تغطى ما يقرب من 15 ميلًا مربعًا، أسستها الحكومة المصرية خلال الخمسينات لدراسة إمكانية الرى وزراعة المحاصيل فى التربة الصحراوية القاحلة فى شبه جزيرة سيناء. حفروا خنادق عميقة واسعة النطاق للرى عبر المحطة، كانت معدات الرى الآلية مستوردة من اليابان. تم التخلى تمامًا عن المشروع لبعض الوقت قبل عام 1967. استولت القوات الإسرائيلية على محطة فى أثناء حرب 1967، لاحظ الإسرائيليون الأحرف على المضخات والآلات الأخرى وظنوا أنها لأحرف صينية، لذا وصفت «بالمزرعة الصينية» على الخرائط العسكرية. حين تمكن الجيش المصرى من الاستيلاء على الضفة الشرقية لقناة السويس خلال الأيام الأولى من حرب أكتوبر، خططت القيادة الإسرائيلية لاختراق القوات المصرية عبر المنطقة الواقعة بين الجيش الثانى والجيش الثالث الميدانيين على الضفة الشرقية لقناة السويس لفتح مساحة تكفى لتجميع جسور عائمة لعبور القناة، وبعد ذلك تتحرك الفرقة 143 المدرعة الإسرائيلية بقيادة الجنرال أريئيل شارون لقطع خطوط الإمدادات للجيش الثالث المصرى. بدأ الهجوم بحركة بطيئة من اللواء 14، لم يتصور العدو الإسرائيلى حين بدأ الهجوم أن الجحيم كانت هى المأوى ففقد فى اليوم الأول كل دباباته السبعين التى أرسلت للقيام بالمهمة، ومقتل 66 فردًا من الكتيبة 73 استطلاع التابعة للواء 80. يقول أحد الناجين المشاركين فى هجوم المزرعة الصينية: «نحن لم نتربح من هذه المعركة ولم ندخل مضمار السياسة وكل ما نتمناه هو القدرة على نسيان ما حدث». هو من فريق يعتبر نفسه من ضحايا هذه المعركة مثل زملائهم القتلى تمامًا رغم نجاتهم، وذلك لأن عددًا لا بأس به من القادة العسكريين لتلك المعركة اقتحموا مجال السياسة بعد الحرب وكانت لديهم تطلعات فى مناصب حاكمة حصلوا عليها مثل أريئيل شارون وإيهود باراك وأمنون ليبكين شاحاك. «إنها ليلة حالكة السواد على كل من عاشها، إنها ليلة عصيبة تثير مخاوف البعض ولا يرغبون فى الحديث عنها ويفضلون ألا يزاح الستار عنها للأبد» هكذا أكد أحد الناجين. مقاتل شاب ارتمى فى حضن أمه باكيًا واعترف لها أنه لم يكن يستطيع النوم على مدى عامين بعد هذه المعركة من الأهوال التى رآها.