كنت ممن عاصروا الكذبة الكبرى عندما حدثت نكسة 1967.. كنا نقف فى الشوارع طوابير نستمع للبيانات العسكرية.. كم أسقطنا من طائرات العدو، واقتحمنا مواقعه على طول الجبهة، وإذ بالصدمة الكبرى. كان إحساس الحزن والألم يغلب علينا خاصة أننا علمنا أن الإنسحاب لا يسير وفق خطة. فوقع الكثير من جنودنا فى الأسر أو الموت أو عذاب طريق العودة.. لو حكم علينا أى عاقل بعد هذه الصدمات لقال إننا شعب سيخلد لليأس والبعد والذل وإذ فجأة - كما أصابتنا الهزيمة بالانكسار- الشعب يخرج بصوت عال للعالم.. هنحارب، وأن إرادتنا مازالت حية غير مهزومة وستأخذ بالثأر حتى ونحن فى أحلك الظروف. كان صدى كلمة هنحارب يملأ القلوب ويزيح عنها الكسرة والهزيمة وينبىء بالعزيمة والخروج بصدورنا لملاقاة العدو الذى احتل أرضنا.. وكانت حروب الاستنزاف حروبا بطولية لأفراد أو جماعة مقاتلة صغيرة تهز الأرض من تحت العدو التى لم يترك خسته فضرب عمق مصر مدنيين وأطفالا ونساء، ولم يسكت إلا عندما أصبح لدينا حائط صواريخ يصد هجماته الخسيسة على المدنيين. الدماء التى سالت فى حروب الاستنزاف كانت درسا قاسيا للعدو حتى إن إيلات تعرضت لأكثر من هجمة وكان أولها تدمير المدمرة إيلات بعد النكسة بقليل من الأشهر أعقبها الرصيف وبعض المدمرات. لم تمت العزيمة والأخذ بالثأر ولو إسرائيل فكرت لحظة فى حروب الاستنزاف لأدركت أننا قادمون بإذن الله لدحرهم، ولكن الله أغشى أبصارهم وسلط عليهم الغرور والعنجهية، لقد وقف الشعب وقفة رجل واحد بجوار جيشه يدفعه للأمام كى تعود الأرض الطاهرة التى دنسها العدو.. كانت بسم الله.. الله أكبر.. ترج وتزلزل الأرض من تحت أقدام العدو حتى ظهروا على حقيقتهم وانكشفت عورتهم وقال قادتهم إننا قابلنا الجندى المصرى فى 73 وعرفنا مدى عزيمته وكما قيل إن جيش مصر ليس وحده وإنما تحالف شعب مناضل معه فكان النصر فى أكتوبر المجيد.