مضى عامٌ ثقيلٌ على أهل قطاع غزة المحاصر برًا وبحرًا وجوًا، والذي فُرض على سكانه الحياة في معتقل كبير داخل القطاع تحت وطأة الاحتلال الإسرائيلي، بينما هناك منهم أيضًا من عاش أيامه في أسوأ أنواع المعتقلات، التي فاق التعذيب فيه معتقل جوانتنامو الشهير بالمعنى الحرفي دون مبالغة في الأمر. معتقلات لا يُعلم عنها إلا الهامش القليل ومعسكرات سرية أُقيمت خصيصًا للتعذيب والتنكيل بالمعتقلين الفلسطينيين في غزة، ضمن حربة شرسة يشنها الاحتلال الإسرائيلي في شتى أنحاء قطاع غزة ويطال كل من يحيا في أرض غزة. وقد عاش المعتقلون في غزة تحديدًا أوضاعًا تفوق حدود العقل البشري تحت براثن سجان إسرائيلي لم يستعمل سوى لغة القسودة وأداة التعذيب في يده. جريمة الاختفاء القسري وقالت مؤسسات الأسرى، في تقريرٍ صادرٍ عنها، بمناسبة مرور عام من حرب غزة، "منذ بداية العدوان الشامل والإبادة الجماعية في غزة فرضت سلطات الاحتلال الإسرائيلي جريمة الإخفاء القسري، والتي تشكل جريمة ضد الإنسانية بموجب اتفاقية حماية ضحايا جريمة الاختفاء القسري، والتي تعرف الاختفاء القسري بأنه الاعتقال أو الاحتجاز، أو الاختطاف، أو أي شكل من أشكال الحرمان من الحرية يتم على أيدي موظفي الدولة، أو أشخاص أو مجموعات من الأفراد يتصرفون بإذن، أو دعم من الدولة أو بموافقتها، ويعقبه رفض الاعتراف بحرمان شخص من حريته، أو إخفاء مصير الشخص المخفي، أو مكان وجوده، ما يحرمه من حماية القانون". وأضافت مؤسسات الأسرى: "فقد استخدمت دولة الاحتلال جملة من الأدوات لترسيخها، وذلك من خلال تطويع القانون بفرض تعديلات على ما يسمى بقانون المقاتل غير الشرعي، وكذلك منع اللجنة الدولية للصليب الأحمر من زيارتهم، وعدم الإفصاح عن أعدادهم وأماكن احتجازهم، وظروف اعتقالهم، أو أي شيء يتعلق بمصيرهم، وتعمد الاحتلال بالتعامل معهم كأرقام، على غرار ما استخدمته النازية في سجونها". وبحسب مؤسسات الأسرى، فقد سعت مجموعة من المؤسسات الحقوقية إلى تقديم عدة التماسات لمحكمة العليا للاحتلال، لكسر جريمة الإخفاء القسري، وفي كل مرة كانت تثبت المحكمة العليا ما أثبتته على مدار عقود طويلة أنها ذراع أساسي. واستعرض التقرير المشترك الذي صدر عن هيئة شؤون الأسرى والمحررين ونادي الأسير الفلسطيني ومؤسسة الضمير أبرز الحقائق عن قضية معتقلي غزة. وقال التقرير: "منذ بدء حرب الإبادة المستمرة بحق شعبنا في غزة وتصاعد حملات الاعتقال غير المسبوقة، اعتقل الاحتلال الآلاف من المدنيين من مختلف أنحاء غزة خلال الاجتياح البري، منهم عشرات النساء، والأطفال، والطواقم الطبية التي استهدفت بشكل بارز مع استهداف المستشفيات الفلسطينية، والتي شكلت هدفًا من أهداف الإبادة في غزة". وأشار التقرير إلى تعمد الاحتلال حرمان أسرى غزة الذين انتهت محكومياتهم من الإفراج عنهم، حتى أن تم الإفراج عن عدد منهم من سجن (نفحة)، منهم من استشهد عددًا من أفراد عائلته خلال الحرب. وأضاف التقرير أن روايات وشهادات معتقلي غزة شكلت تحولًا بارزًا في مستوى توحش منظومة الاحتلال، والتي عكست مستوى غير مسبوق لجرائم التعذيب، وعمليات التنكيل، وجريمة التجويع، بالإضافة إلى الجرائم الطبية الممنهجة، والتي أدت مجملها إلى استشهاد العشرات من المعتقلين، هذا عدا عن عمليات الإعدام الميداني التي نفذت بحق آخرين. ولفت التقرير إلى أن المؤسسات المختصة أعلنت فقط عن 24 شهيدًا من معتقلي غزة، وهم من بين 40 معتقلًا وأسيرًا استشهدوا منذ بدء حرب الإبادة، فيما يواصل الاحتلال إخفاء بقية أسماء معتقلين استشهدوا في المعسكرات والسجون، منوهًا إلى أن إعلام الاحتلال كشف عن استشهاد طبيب آخر وهو إياد الرنتيسي، ولم تبلغ أي جهة فلسطينية عن استشهاده بشكل رسمي. وأكد التقرير أنه لا تزال آلاف العائلات لا تعلم أي شيء عن مصير أبنائها المعتقلين، خاصة أن الاحتلال عمل منذ بدء الحرب على تطويع قوانين لترسيخ هذه الجريمة. التعذيب في معسكر سديه تيمان ولفت الانتباه إلى أن عددًا من التقارير والتحقيقات الصحفية كشفت جانبًا من عمليات التعذيب التي يتعرض لها المعتقلون في معسكر "سديه تيمان"، مع العلم أن هذا المعسكر ليس المكان الوحيد الذي يحتجز فيه معتقلو غزة، فالاحتلال مع بدء عمليات الإفراج عن معتقلين من غزة من السجون والمعسكرات الإسرائيلية. وقالت التقرير أيضًا إن الشهادات التي خرجت من هناك تكشف مستوى غير مسبوق من جرائم التعذيب التي نفذت بحقهم، والتي تصاعدت تدريجيًا مع استمرار عمليات الإفراج عن معتقلين من كافة الفئات والأعمار. وأضاف التقرير أن المؤسسات استمرت في متابعة هذه الشهادات من خلال المفرج عنهم فقط، حتى أتاحت بعض التعديلات القانونية التي أجراها الاحتلال لاحقا مع الضغط الذي أحدثته بعض المؤسسات الكشف عن أماكن احتجاز بعض المعتقلين، وتنفيذ زيارات محدودة للبعض منهم، وفعليا نقلت الطواقم القانونية شهادات صادمة عن جرائم التعذيب عبر العديد من الأدوات والأساليب التي استخدمها جنود الاحتلال، وفي مختلف أماكن الاحتجاز بما فيها السجون المركزية إلى جانب المعسكرات. وتحدث التقرير عن أن جرائم التعذيب تلك أدت إلى استشهاد العشرات من معتقلي غزة الذي يواصل الاحتلال إخفاء هوياتهم، هذا إلى جانب عمليات الإعدام الميداني الممنهجة التي طالت العشرات. وأشار التقرير إلى أنه وحتى اليوم لا توجد معلومات واضحة ودقيقة عن كافة أعداد معتقلي غزة بما فيهم النساء والأطفال، والشهداء الذين ارتقوا نتيجة لجرائم التعذيب أو الإعدام، موضحًا أن ما هو متوفر بحسب ما أعلنت عنه إدارة سجون الاحتلال في بداية شهر أغسطس هو احتجاز 1618 معتقلًا ممن صنفهم الاحتلال ب"المقاتلين غير الشرعيين"، وأن هذا المعطى لا يشمل المعتقلين في المعسكرات التابعة للجيش.