منذ اندلاع العدوان على غزة في 7 أكتوبر 2023، شهد المجتمع الإسرائيلي تحولات عميقة وانقسامات حادة، كشفت عن هشاشة النسيج الاجتماعي وتصدعات في الهوية الوطنية، فبعد مرور عام على الحرب، بات السؤال الملح هو كيف غيرت هذه الأحداث ملامح المجتمع الإسرائيلي؟ انقسامات عميقة تهدد التماسك الاجتماعي لم تعد الصورة النمطية عن وحدة الصف الإسرائيلي في أوقات الأزمات تعكس الواقع، إذ كشفت مجلة "الإيكونوميست" عن وجود انقسامات عميقة وغير مسبوقة في المجتمع الإسرائيلي، رغم المظهر الخارجي للوحدة. هذه الانقسامات تشمل الصقور والحمائم، اليمين واليسار، المتدينين والعلمانيين، وتتمحور حول الدروس المستفادة من أحداث أكتوبر الماضي. وفي مؤشر خطير على عمق الأزمة، حذر الكاتب ديفيد أوهانا في مقال نشرته صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية من تخوف العديد من الإسرائيليين من أن الاحتجاجات ضد الحكومة قد تؤدي في النهاية إلى تمرد مدني وربما حتى حرب أهلية. وأشار أوهانا إلى وجود مجموعتين متصارعتين، وإحداهما تسعى لتغيير النظام الديمقراطي من جذوره، والأخرى تعارض ذلك بشدة. تباين حاد حول نتائج الحرب ومستقبل الدولة كشف استطلاع للرأي نشرته هيئة البث الإسرائيلية عن انقسام حاد في الرأي العام الإسرائيلي حول نتائج العدوان على غزة، فبعد مرور عام على الحرب، يعتقد 27% فقط من الإسرائيليين أن "بلادهم انتصرت في الحرب ضد حماس"، فيما يرى 35% "أنها خسرت"، أما البقية فلا يعرفون. وفي مؤشر آخر على حالة عدم اليقين السائدة، أظهر استطلاع نشره باحثون في الجامعة العبرية بالقدس أن الإسرائيليين غير راضين عن حالة القتال بغزة، ويرون أن عودة الأسرى الإسرائيليين هو الهدف الأكثر أهمية في العداون على غزة، والأكثر إثارة للقلق هو أن أكثر من 20% من المستطلعين أبدوا رغبتهم في مغادرة البلاد. أزمة ثقة في المؤسسة الأمنية والقيادة السياسية لم تقتصر تداعيات العدوان على غزة على الانقسامات الداخلية فحسب، بل امتدت لتطال ثقة الإسرائيليين في مؤسساتهم الأمنية والسياسية. وفقًا لتحليل نشرته مجلة "فورين أفيرز" الأمريكية، فإن هجوم 7 أكتوبر حطم ثقة الإسرائيليين بأنفسهم، وقلب المعتقدات الراسخة منذ فترة طويلة حول أمن إسرائيل وسياساتها ومعاييرها المجتمعية. وفي تطور اكبر فقدت قيادة الجيش الإسرائيلي هيبتها بين عشية وضحاها تقريبًا مع ظهور التفاصيل حول كيفية فشلها في منع الهجوم ثم وصولها متأخرة للغاية لإنقاذ المستوطنين في المستوطنات المحاذية لقطاع غزة. هجرة الأدمغة من بين التداعيات الأكثر إثارة للقلق على المدى الطويل في الدولة العبرية هو تسارع وتيرة هجرة النخب الليبرالية والكفاءات العلمية من إسرائيل، إذ حذر البروفيسور الإسرائيلي آرون تشيخانوفر، في تصريحات نقلتها صحيفة "الجارديان" البريطانية، من أن "هجرة الأدمغة" المتسارعة للأطباء وغيرهم من المهنيين في المجتمع الإسرائيلي تعتبر علامة مقلقة على أن بعض النخبة في إسرائيل يشعرون بأنهم لم يعد لديهم مستقبل في إسرائيل. وفي وقت سابق من هذا العام، أطلق يوجين كاندل، رئيس المجلس الاقتصادي الوطني السابق لنتنياهو، والخبير رون تسور، تحذيرًا مدويًا مفاده أن إسرائيل تواجه تهديدًا وجوديًا، موضحين أن "هناك احتمال كبير بأنها لن تكون قادرة على الوجود كدولة يهودية ذات سيادة في العقود المقبلة". قضية تجنيد الحريديم أثار العدوان على غزة والخسائر التي تكبدها الجيش الإسرائيلي، مجددًا مسألة تجنيد الحريديم (اليهود المتشددين) الذين يرفضون الخدمة العسكرية، الأمر الذي ساهم في زيادة الفجوة داخل المجتمع الإسرائيلي، إذ كشف العداون على غزة عن التفاوت الحاد بين الإسرائيليين المتدينين المتطرفين الذين لا يتعين عليهم الخدمة العسكرية، وبقية الشبان الإسرائيليين الذين أصبحوا مدعوين "للموت من أجل وطنهم".