أتذكر جيداً ما قاله الرئيس عبد الفتاح السيسي يوم 25 أكتوبر 2023، أثناء تفتيش حرب الفرقة الرابعة مدرعات: «لا تقلقوا على مصر»، وكانت الاحتمالات تتزايد حول الحرب إذا غامرت إسرائيل بتوسيع نطاق الصراع. لم يكن القلق خوفاً من إسرائيل فى ظل الجاهزية الكاملة للقوات المسلحة وقدرتها على المواجهة والرد، وإنما خشية العودة بالمنطقة من جديد إلى حالة الحرب، واستنزاف قدرات الدول والشعوب، وفى صدارتها إسرائيل، وهو ما حدث بالفعل. وجاءت عبارات الرئيس فى ذلك اليوم مطمئنة وقوية وكاشفة لمستقبل الأحداث: «أشاركم القلق على بلدكم، ولكن مصر دولة قوية، ولا تُمس، وسياسة مصر ليس فيها غدر ولا خسة ولا تآمر ولا خيانة ولا مصالح»، «مصلحتها الوحيدة أن تستقر الأوضاع فى المنطقة». موقف مصر لم يتغير ولم يتبدل، وظل راسخاً منذ اللحظات الأولى للحرب فى غزة. الرفض التام للتهجير، وإدانة حرب الإبادة ضد المدنيين، فتح معبر رفح لإدخال المساعدات الإنسانية، وقف إطلاق النار، السلام لن يتحقق بدون حل الدولتين. مصر دولة ذات سيادة، ولا تقبل المساس بسيادتها، والدولة المصرية قادرة أن تحمى بلدها، وحريصة فى نفس الوقت على التهدئة والدعوة لحل دائم وعادل ينزع عن المنطقة فتيل الانفجار من وقت لآخر، وحرص الرئيس على تكريس مفهوم القوة العاقلة، التى تحمى ولا تهدد، تصون ولا تبدد، ولا تتدخل إلا إذا تعرض أمنها القومى للخطر. وعندما يؤكد الرئيس عبد الفتاح السيسي أكثر من مرة أن قرارات الدولة يجب أن تتسلح بالقوة والحكمة والصبر، فهو يلخص مخزون الخبرات المصرية المكتسبة، فى الحروب للدفاع عن الأمن القومى المصرى متى استدعت الضرورة ذلك، أما حروب الزعامة والشعبية والتوريط، فقد مضى عصرها. بالقوة والحكمة والصبر، يتعامل الرئيس السيسى مع ضغوط هائلة قد لا تتحملها الجبال، وإذا كانت الدماء تغلى فى عروقنا - ونحن نتابع ونشاهد - ومن بعض المعلومات التى نعرفها، فما بالنا بالرئيس الذى يعرف الكثير والكثير، لكنه يتسلح بالحكمة والصبر والصمت أحياناً. من الغرب وعيونهم على سيناء، وكان رد الرئيس حاسماً، سيناء مصرية وستظل كذلك إلى أن يرث الله الأرض وما عليها، ولن يكون حل القضية على حساب شبر واحد فيها. ورئيس مصر باله طويل جداً، وهو يستمع لمقترحات ومطالب وإغراءات، وإقناع الغرب وأمريكا بأن السلام له بوابة واحدة هى حل الدولتين، لإعطاء الأمل للشعب الفلسطينى فى الحياة والمستقبل، ووقف رصيد الكراهية والرغبة فى الثأر والانتقام من إسرائيل بسبب جرائمها التى تعادى الإنسانية. الحرب سوف تنتهى مهما طال أمدها، ونهاية المحاربين دائماً هى الجلوس فى غرف التفاوض، والمفاوض يحتاج إلى ظهر يحميه ويسانده، وهو ما تفعله مصر فى الملف الشائك، بدعمها المستمر لحل الدولتين، ومواجهة العالم كله بالمطالب المشروعة للشعب الفلسطيني. المنطقة قبل 7 أكتوبر ليست كما هى بعد 7 أكتوبر، والمهم أن يصل العرب إلى الحد الأدنى - وليس الأقصى - من الاتفاق، قبل أن يمضى القطار دون اللحاق به.