كلما أنظر إلى أحوال المنطقة أتذكر الرئيس السادات، فقد سبق عصره واعتبر السلام حربًا لها جيوش وحشود وخطط واستراتيجيات، وعندما أراد السلام كان دائمًا مستعدًا للحرب. السلام ليس منحة ولا عربون صداقة، وبحجم الانتصار فى ميادين القتال تكون المكاسب فى غرف التفاوض، وتنعكس القوة فى مواقف المنتصرين، فلا أحد يقدم بقشيشا والمنتصرون يتفاوضون وهم مرفوعو الرأس والهامة، ويطالبون بحقوقهم المشروعة وهم فى منتهى الصلابة والإصرار. استثمر المفاوض المصرى كل أوراق القوة التى تحققت فى ميدان القتال، ليحصل على أرضه كاملة دون أن يفرط فى شبر واحد، وكان البعض يراهن على أنه باستطاعة إسرائيل أن تفعل بسيناء مثلما تفعل فى الأراضى المحتلة، مماطلات لا تنتهى ومحاولات مستمرة لالتهام ما يمكن من أراضٍ. ولم تهنأ إسرائيل بالراحة لحظة واحدة، وتحولت الأرض تحتها إلى سجادة من نار، وسيناء هى فوهة البركان الذى يقذفها بالغضب، وكان مستحيلًا أن يستمر الاحتلال أكثر من ست سنوات، حتى تحقق الانتصار العظيم. مصر هى رمانة ميزان السلام، والدرع الواقية التى تصون الأمن والاستقرار فى المنطقة، والدولة الوحيدة القادرة على مساعدة الفلسطينيين فى التفاوض، بما تمتلكه من علاقات طيبة بمختلف الأطراف، ولا تدخر جهدًا لتساعدهم والعمل لصالحهم، دون أغراض أو أهداف شخصية، والثقة هى مفتاح السلام والاستقرار وعامل الأمان والطمأنينة. مصر الواثقة التى تعرف ويلات الحروب، وتسعى إلى إقرار سلام دائم وعادل مدعومة بالانتصار الذى حققه جيشها عندما دخل فى سباق حياة أو موت مع الزمن، لإعادة بناء القوات المسلحة، وفى أقل من ست سنوات تحقق الانتصار العظيم فى ملحمة البطولة التى نعيش اليوم تحت ظلالها، بتحقيق سلام الشرفاء والأقوياء، الذى انتزعته من إسرائيل ولم يكن هبة أو منحة، ولولا حرب أكتوبر لكانت الدنيا غير الدنيا والتاريخ غير التاريخ ومصر غير مصر، فالانتصار هو الذى فتح الطريق لاستعادة الأرض والكرامة والكبرياء. السادات سبق عصره، لأنه فهم الخريطة السياسية جيدًا، وقرأ التوازنات المحلية والإقليمية والدولية، وقرر أن يحرر أرضه ويستعيد الكرامة الوطنية، ونجح فى تحقيق ما أراد، ولو سار وراء الحرب بالشعارات لكان مصير سيناء ليس أسعد حالًا مما يحدث الآن. كلما أنظر لأحوال المنطقة أتذكر الرئيس السادات، وأقول كان الله فى عون مصر والرئيس السيسى وفريق التفاوض، الذى يتحلى بأقصى درجات التحمل وطول البال، لإدارة مفاوضات هى الأصعب مع أطراف يتسلحون بالخداع والمكر والمماطلة، وكأنهم لا يريدون التوصل إلى صيغة توافقية لوقف نزيف الدم وأرواح الشهداء، وتطلق سراح الرهائن الإسرائيليين والأسرى الفلسطينيين. مصر ستظل على صبرها وإصرارها حتى تصل إلى التهدئة ووقف إطلاق النار، وفتح ملفات القضايا العالقة، وعلى عهدها فى حمل القضية الفلسطينية على أكتافها، والدفاع عن الشعب الفلسطينى حتى ينال حقوقه المشروعة وقيام دولته المستقلة.