يُعد جامع أحمد بن طولون من أعرق المساجد في القاهرة، وأبرز المعالم الإسلامية التي تعكس ثراء التاريخ المعماري والزخرفي للعصور الإسلامية المبكرة في مصر. بُني في عهد أحمد بن طولون، مؤسس الدولة الطولونية، ويتميز الجامع بتصميمه الفريد الذي يعكس تطور الفن المعماري الإسلامي في ذلك الوقت. من بين أبرز عناصر الجامع، المحراب الرئيسي الذي أضافه السلطان المملوكي لاجين، والذي يُعد تحفة فنية تستحق التأمل لما تحتويه من زخارف مبهرة وكتابات قرآنية عظيمة. اقرأ أيضًا |وزير السياحة يلتقي سفير كازاخستان بالقاهرة لبحث تعزيز العلاقات بين البلدين في هذا التقرير، سنلقي الضوء على المحراب الرئيسي للجامع ونستعرض تفاصيله الفنية والتاريخية. يعود بناء جامع أحمد بن طولون إلى عام 876 ميلادي، في قلب العاصمة المصرية القاهرة، على يد الحاكم أحمد بن طولون. يتميز الجامع بطابعه المعماري الفريد، حيث يحيطه سورٌ خارجي وساحات مفتوحة واسعة، بالإضافة إلى مئذنته الشهيرة التي تأخذ شكلاً حلزونياً فريداً. ومن أبرز ملامح الجامع هو المحراب الرئيسي الذي يعكس فخامة وثراء العمارة الإسلامية في تلك الفترة. المحراب الرئيسي: عمل السلطان المملوكي لاجين المحراب الرئيسي الحالي في جامع أحمد بن طولون هو من إبداع السلطان المملوكي لاجين، الذي قام بتجديد وترميم الجامع في عام 1296م، يُعد هذا المحراب أحد أعظم المعالم الزخرفية في الجامع، ويعكس ذروة الفن المعماري والزخرفي في العصر المملوك. الزخارف والفسيفساء أحد أبرز ما يميز هذا المحراب هو الفسيفساء التي تزين باطنه، استخدم لاجين الفسيفساء الذهبية والزجاجية المتعددة الألوان، ليخلق تمازجاً بديعاً بين الألوان والنقوش، تشكل الفسيفساء لوحة فنية متكاملة تعكس تأثر المماليك بالفنون البيزنطية والإسلامية في آن واحد، حيث كانت الفسيفساء الذهبية علامة على الفخامة والثراء في العصور الوسطى. الكتابات القرآنية والزخارف الكوفية لم يكن الفن المعماري الإسلامي مقتصراً على الزخارف الهندسية فحسب، بل كانت الكتابات القرآنية جزءاً لا يتجزأ من التصميم المعماري، يظهر ذلك بوضوح في المحراب الرئيسي لجامع أحمد بن طولون، حيث زُيّنت الفسيفساء بكتابات قرآنية منفذة بالخط النسخي الجميل. كُتب في باطن المحراب: "لا إله إلا الله محمد رسول الله"، وهي جملة تحمل أعظم الشهادات الإسلامية التي تلخص جوهر العقيدة الإسلامية. يعلو المحراب شريط خشبي يحتوي على زخارف كتابية منفذة بالخط الكوفي، وهو أحد أقدم أشكال الخطوط الإسلامية التي كانت تستخدم لتزيين المساجد والقصور. النص المكتوب على هذا الشريط هو أيضاً "لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم"، مما يضيف لمسة روحية وزخرفية على المحراب. استخدم الخط الكوفي لما يمتاز به من جمالية هندسية تتناسب مع الزخارف الهندسية الإسلامية التي تزين الجدران والأسقف. رمزية المحراب وموقعه في الصلاة يحتل المحراب مكانة خاصة في المساجد الإسلامية، فهو يمثل القبلة التي يتجه إليها المسلمون في صلواتهم، ويُعد محور النشاط الروحي في المسجد. المحراب الرئيسي في جامع أحمد بن طولون ليس مجرد جزء معماري، بل هو نقطة محورية في الطقوس الدينية اليومية، حيث يقف الإمام أمامه لقيادة صلاة الجماعة. المحراب المصمم على يد السلطان لاجين لا يُعتبر فقط تحفة معمارية، بل هو أيضاً رمز للتواصل الروحي بين المسلمين والخالق، إذ يمثل الاتجاه نحو مكةالمكرمة، وهو اتجاه الصلاة، وبالإضافة إلى ذلك، كانت الزخارف والكتابات على المحراب وسيلة لنشر الوعي الديني والثقافي بين المسلمين، حيث تمثل الكتابات القرآنية جزءاً من التعاليم التي يتعلمها المسلمون أثناء وجودهم في المسجد. التأثيرات المعمارية المملوكية تأثر الفن المعماري المملوكي بالعديد من الثقافات الإسلامية والبيزنطية والفارسية. ويعكس المحراب الرئيسي في جامع أحمد بن طولون هذا التمازج بين الثقافات، حيث أن استخدام الفسيفساء الذهبية والزجاجية يشير إلى التأثر بالفن البيزنطي، بينما تعكس الزخارف الهندسية والنباتية تطوراً للفن الإسلامي التقليدي. كما أن الخط الكوفي المستخدم في الزخارف الكتابية يعكس ذوق المماليك في اعتماد البساطة والجمالية في نفس الوقت، كانت الزخارف الكتابية عنصراً أساسياً في العمارة المملوكية، حيث كانت تُستخدم كوسيلة لتجميل المباني وإيصال الرسائل الدينية في آن واحد. المحافظة على المحراب الرئيسي على مر العصور، تعرض جامع أحمد بن طولون للعديد من الترميمات والصيانات، إلا أن المحراب الرئيسي بقي محافظاً على طابعه المملوكي الفريد. اهتمت الحكومة المصرية والجهات المعنية بالتراث الإسلامي بإجراء أعمال ترميم دقيقة للحفاظ على هذه التحفة الفنية، حيث خضع المحراب لترميمات متعددة لضمان بقاء تفاصيله الدقيقة وزخارفه المبهرة. إن المحراب الرئيسي، في جامع أحمد بن طولون، يُعد رمزاً من رموز الفن المعماري الإسلامي، ويعكس عبقرية المماليك في فن الزخرفة والعمارة، من خلال استخدامهم للفسيفساء الذهبية والزجاجية والزخارف الكتابية، استطاعوا خلق تحفة فنية خالدة تُثري التراث الإسلامي وتروي قصة عظمة الحضارة الإسلامية في مصر.