وراء كل حادث مأساوي خلفيات وأحداث مثيرة، وخاصة في الولاياتالمتحدةالامريكية؛ حين يقع حادث قتل جماعي يتبعه عدد كبير من التحليلات التي تلفت الانظار نحو خلل وثغرة امنية أو إهمال أمني خطير يكشف أن السلطات كان من الممكن أن تنتبه لتلك الواقعة أو على الاقل تتوقع حدوثها وتحاول منعها لكن تكرار حوادث القتل الجماعية يكشف مدى الإهمال الأمني الجسيم وهو ما يؤكده حادث جورجيا الاخير. واقعة إطلاق نار جديدة شهدتها ولاية جورجياالأمريكية، أقدم فيها طفل يدعى كولت جراى، وعمره 14 عاما، على قتل المحيطين به في ساحة مدرسة أبالاتشي الثانوية في مدينة ويندر بولاية جورجيا، وانتهي الحادث بمقتل تلميذين في نفس عمر القاتل بالإضافة إلى مقتل مُعلم ومُعلمة في واقعة تحمل بين طياتها مجموعة من المفاجآت بعضها من داخل منزل القاتل والبعض الآخر من خارجه. مأساة تتكرر تفاصيل مأساوية تحمل نفس سيناريو حوادث إطلاق النار في المدارس الأمريكية، القاتل طالب خرج من فصله الدراسي ليفاجئ زملاءه بتهديدهم بإطلاق النار عليهم، كشفت كاميرات المراقبة وروايات الشهود حالة الفوضى المروعة التي تحملها الطلاب والمعلمين خاصة عندما تأكدوا من حقيقة تهديدات زميلهم، وحين شرع في إطلاق الرصاص واحدة تلو الأخرى، سقط معظم الطلاب على الأرض وزحفوا إلى مناطق مكدسة فوق بعضهم البعض، واستمرت الفوضى بعد سقوط الضحايا، وبعد فترة نزلت أعداد كبيرة من الشرطة إلى ساحة المدرسة لإلقاء القبض على المتهم. محاكمة سريعة أكد قائد شرطة مقاطعة بارو؛ أن الطالب المتهم استسلم على الفور عندما واجهه الضباط في مكان الحادث، ولم تمر ايام قليلة حتى مثل الابن القاتل ووالده امام محكمة مقاطعة بارو العليا وحضرا جلسة الاستماع الاولى باعتبار المتهم كولت جراى، 14 عاما، قاصر أى لن يواجه عقوبة الإعدام لقتله أربعة أشخاص، وأشار القاضي مينجليدورف إلى أن الاب متهم في الحادث وقد يواجه عقوبة تصل إلى 30 عاما في السجن عن كل تهمة قتل جنائية ارتكبها ابنه، و10 سنوات عن كل تهمة قتل غير عمد والقسوة على الأطفال وهو الحد الأقصى الذي يبلغ 180 عاما. ووجه القاضي مينجليدورف حديثه نحو المتهم المراهق قائلا: «أردت أن أوضح لك أن العقوبة لا تشمل الإعدام، بل تشمل السجن المؤبد دون إمكانية الإفراج المشروط أو مع إمكانية الإفراج المشروط» بناءً على القرار الصادر عن المحكمة العليا عام 2005 حيث يحظر إعدام المجرمين دون سن 18 عامًا عند ارتكاب جرائمهم. مفاجأة الحادث بمجرد تحديد هوية مرتكب الحادث، كولت جراى، كشفت التحقيقات المبدئية خضوعه لمراقبة مكتب التحقيقات الفيدرالي العام الماضي، وخضع الطالب لتحقيقات مكثفة حول مدى خطورته ولكن يبدو أن تقييم الشرطة الفيدرالية لم يكن ناجحًا بالشكل الكافي بل فشل بشكل مخجل، وبدأت الواقعة بتلقى الشرطة بلاغ مجهول حول الطالب كولت الذي هدد بإطلاق النار في مدرسة إعدادية، واكد أنه سيرتكب جريمته في صباح اليوم التالي عبر منصة ديسكورد، وتلقى مكتب المأمور بلاغًا بالتهديدات لتنجح الشرطة في الوصول إلى الطفل عبر حسابه المرتبط ببريد عنوانه الإلكتروني. كشفت الواقعة؛ أن الطالب المتهم كان من المفترض أن يكون تحت مراقبة عناصر مكتب التحقيقات الفيدرالي بشكل مكثف وبالفعل خضع كولت للاستجواب هو ووالده كولين من قبل سلطات إنفاذ القانون المحلية بشكل رسمي فيما يتعلق بالتهديدات عبر الإنترنت بتنفيذ إطلاق نار في مدرسة عبر منصة تواصل اجتماعي خاصة بالالعاب الإلكترونية، وكان الطفل عمره وقتها 13 عاما. تهديدات الكترونية اعترفت الوكالة الفيدرالية بإجراء مقابلة مع المتهم كولت جراي ووالده العام الماضي بعد تلقي عدة بلاغات بسبب تهديداته عبر الانترنت بإطلاق النار في عدة مدارس في مكان وزمان غير محددين، وقال المسؤولون إن جراي وقتها أنكر توجيه التهديدات عبر الإنترنت في ذلك الوقت، وأن الإجراء الوحيد الذي اتخذ في ذلك الوقت هو تحذير المدارس المحلية من مراقبة المراهق المضطرب بشكل مستمر وهو أمر يصعب تطبيقه على ارض الواقع. خلال التحقيقات نفى كولت جراي أن يكون صاحب تلك التهديدات، وقال للشرطة: إنه أغلق حسابه على منصة ديسكورد بعد تعرضه للاختراق بشكل متكرر، وأعرب عن مخاوفه من الاتهامات الموجهة اليه، وبمراجعة نص التحقيقات السابق من مكتب شرطة المقاطعة وقتها، قال والد الجاني، كولين جراي: إنه يعرف خطورة الأسلحة وما يمكن أن تفعله، وكيفية استخدامها من عدمه، وذكرت التقارير أن كولين أكد للضباط أنه سوف يغضب بشدة إذا علم أن الاتهامات الموجهة إلى ابنه بإطلاق التهديدات صحيحة، وتعهد بإخفاء كل الاسلحة من المنزل، وحينها تدخلت شقيقة الاب او عمة الطفل لتؤكد انها ستتدخل لحمايته لأنه ضحية إساءة المعاملة طوال حياته لتهدئة موجة الانتقادات الموجهة نحو ابن شقيقها العام الماضي. إخفاق استجاب محققو الشرطة الفيدرالية لتعهدات عائلة كولت جراى وخاصة بعد عجزهم عن إثبات امتلاكه حساب ديسكورد وإطلاق التهديدات مؤكدين انهم لم يجدوا أسبابا لمصادرة أسلحة العائلة، وتوالت التقارير الإعلامية عبر البرامج التليفزيونية والمواقع الإخبارية لتتساءل هل ينبغي لمكتب التحقيقات الفيدرالي أن يبذل المزيد من الجهود لمراقبة مطلقي النار المحتملين في المدارس؟ وقع حادث إطلاق النار في جورجيا وفي اليوم التالي ألقت الشرطة القبض على كولين جراى 54 عاما، والد الطفل مرتكب الحادث بعد اكتشاف المحققين أن الاب لم يلتزم على الإطلاق بتعهداته السابقة بل اشترى البندقية التي استخدمها ابنه لإطلاق النار في جريمته وقدمها لابنه هدية في ديسمبر 2023 احتفالا بعيد الميلاد، اعتبر مكتب التحقيقات الفيدرالي أن الاب كولين جراى متهما رئيسيا في الواقعة بعد مداهمة منزل العائلة ومصادرة أسلحة نارية وأدلة أخرى. اكد المحققون أن كولين جراى، اب لثلاثة اطفال، اشترى البندقية واستخدمها ابنه بالفعل في الحادث، وهى سلاح نصف اتوماتيكي من طراز «ايه آر 15» منحها الاب لابنه بعد أشهر من خضوعه لتحقيق سريع من مكتب التحقيقات الفيدرالي، ويواجه الاب تهمتي قتل من الدرجة الثانية و4 تهم بالقتل غير العمد و8 تهم بارتكاب القسوة والإهمال ضد الأطفال، واستندت التهم بشكل رئيسي لواقعة منح الاب ابنه سلاح الجريمة وسماحه بحيازتها مما ادى إلى ارتكابه الجريمة. اقرأ أيضا: بالولاياتالمتحدة.. تطبيق «سناب شات» يُشعل جرائم عصابة المراهقين في أريزونا هوس إجرامي طرحت القضية تساؤلا آخر اكثر خطورة وهو متى تتوقف حوادث المدارس؟ وخاصة أن من يخططون لتلك الحوادث مهووسين بمرتكبيها السابقين ويعتبرونهم ابطالا وهو ما اكدته الشرطة بمجرد تفتيش منزل قاتل جورجيا بعد الجريمة حيث عثروا على أدلة تشير إلى أن المراهق كان مهووسًا بحوادث إطلاق النار الجماعي وتحديدا مذبحة باركلاند في عام 2018، والتي أسفرت عن مقتل 17 شخصًا. سجل جنائي للأم كلما يمر الوقت زاد تدقيق التقارير الامنية والإعلامية؛ لكشف المزيد من التفاصيل وبالفعل كشفت الصحف الامريكية كواليس حياة قاتل جورجيا لتسلط الضوء على عائلته وهو الامر الذي يلعب دورًا كبيرًا في ارتكابه الجريمة يصف الجيران عائلة جراى؛ بأنها مصدر للمتاعب منذ انتقالها إلى الحى الهادئ وخاصة بالنظر الى والدة كولت، مارسي جراي، والتي تمتلك سجلا حافلا من الإجرام يعود تاريخه إلى 17 عامًا يشمل تعاطي المخدرات وحيازة الميثامفيتامين والفنتانيل، والعنف المنزلي، وإتلاف الممتلكات، بالإضافة إلى جرائم الاحتيال مما أدى إلى القبض عليها في ديسمبر الماضي وقضت بعض الوقت في السجن حتى أبريل الماضي وأفرج عنها في البداية بموجب قانون جورجيا الذي يسمح لبعض المتهمين بالاعتراف بالذنب دون إدانة ومنعت من الاتصال بزوجها دون وسيط بسبب حوادث العنف المنزلي السابقة. تكررت جرائم الام وتنوعت ما بين اعتداءات إجرامية ومخالفات مرورية وغيرها؛ لتتلقى حُكم بالسجن لمدة خمس سنوات، بالإضافة إلى دفع أكثر من 19 ألف دولار كتعويضات وأتعاب محاماة، وبعرض مسيرة الام الإجرامية واهمال الاب، إختلفت التقارير الاعلامية على وصف المراهق مرتكب جريمة جورجيا ما بين قاتل او ضحية عائلته.