لم تفق بريطانيا من حادث طعن 3 فتيات صغيرات حتى تلقت صدمة زلزالية مروعة على يد اليمين المتطرف. بدأت الأحداث المؤسفة فى مدينة ساوثبورت، وهى مدينة صغيرة تُعرف بمناظرها الطبيعية الخلابة وهدوئها النسبي. حيث وقع حادث طعن أسفر عن مصرع ثلاث فتيات صغيرات، مما أدى إلى حالة من الصدمة والحزن فى جميع أنحاء المملكة المتحدة. ومع تزايد التوترات، استغلت الجماعات اليمينية المتطرفة هذه الفاجعة لتحقيق أجنداتها الخاصة. اقرأ أيضًا | حزب الله وإسرائيل على حافة الهاوية حيث انتشرت الاحتجاجات العنيفة بسرعة فى عدة مدن بريطانية كبرى مثل هال، ليفربول، بريستول، مانشستر، وستوك أون ترينت، وبلاكبول، بلفاست، وساندرلاند. تخللت هذه الاحتجاجات أعمال شغب ونهب واستهداف للشرطة، مما أدى إلى اعتقال المئات من المشاركين. وقد أثارت هذه الأحداث مخاوف واسعة حول مدى انتشار وتأثير الأيديولوجيات المتطرفة داخل بريطانيا. ولقد شاركت العديد من الجماعات اليمينية المتطرفة فى بريطانيا فى تلك الاحتجاجات وشملت رابطة الدفاع الإنجليزية، وحركة «بريطانيا» وهى مجموعة نازية جديدة، وجماعة «البديل القومي» الفاشية، فضلا عن مشاغبين مرتبطين بأعمال العنف فى ملاعب كرة القدم. كان للمعلومات المضللة دور محورى فى تصعيد الأحداث حيث أفادت صحيفة التايمز البريطانية أن موقعًا روسيًا على الإنترنت نشر معلومات كاذبة تتهم طالب لجوء وهمى بتنفيذ الهجوم وزعم أنه مسلم!. وأن هذه المعلومات المضللة قد انتشرت بسرعة كبيرة عبر منصات التواصل الاجتماعي، مما ساهم فى إثارة الغضب والتحريض على العنف. ووصفت الصحيفة هذه الحملة بأنها واحدة من أسرع حملات الأخبار المزيفة وأكثرها فعالية فى بريطانيا فى عصر وسائل التواصل الاجتماعي. وبالرغم من أن الشرطة قد أعلنت أن المتهم البالغ من العمر 17 عاما ولد فى كارديف لأبوين من رواندا. كما اتضح أيضا أن الشاب المتهم بريطانى الجنسية من أصول رواندية مسيحية، يدعى أكسل روداكوباناولد إلا أن هذه المعلومات لم تقلل من أعمال الشغب والعنف وكأن كل شيء كان معدا مسبقا فى انتظار لحظة البدء. تُظهر الاحتجاجات الأخيرة التكتيكات المتطورة التى تتبناها الجماعات اليمينية المتطرفة فى بريطانيا. وتعتمد هذه الجماعات بشكل كبير على وسائل التواصل الاجتماعى لنشر المعلومات المضللة والتحريضية، بهدف إثارة الخوف والاستياء داخل المجتمع. وليس من الممكن تحديد من بدأ الدعوات للاحتجاجات، ولكن كان هناك نمط واضح، حيث قام العديد من المؤثرين على وسائل التواصل الاجتماعى داخل دوائر مختلفة بتضخيم الادعاءات الكاذبة حول هوية المهاجم. ثم انتقلت هذه الادعاءات عبر المنصات المختلفة لتصل إلى جمهور كبير بما فى ذلك الأشخاص العاديون الذين ليس لديهم أى صلة بالأفراد والجماعات اليمينية المتطرفة. وهذا يعكس طبيعة اليمين المتطرف المعاصر، فهناك أعداد كبيرة من الأشخاص الذين يشاركون فى النشاط عبر الإنترنت، ولكن لا يوجد هيكل عضوية أو شارة ولا يوجد حتى قادة رسميون، ولكن يتم توجيههم من قبل مؤثرين على وسائل التواصل الاجتماعي. وقد غمرت المعلومات الخاطئة حول هوية المهاجم المزعوم ومنشورات الجماعات اليمينية المتطرفة الأخرى مثل الجبهة الوطنية وسائل التواصل الاجتماعي. ودعا المستخدمون أيضًا إلى الاحتجاج فى شارع سانت لوك فى ساوثبورت، حيث يقع المسجد المحلى وقد حاصروه والإمام داخله وألقوا عليه زجاجات فارغة وقاموا بأحداث عنف وشغب. وقد طرحت تلك الجماعات احتجاجاتها على أنها دفاع عن الهوية الوطنية والتراث الثقافى وذلك من خلال تصوير أنفسهم كمدافعين عن القيم التقليدية وعن بريطانيا حيث سُمع صوت إحدى المجموعات وهى تغنى «حكم بريطانيا»، وهى أغنية وطنية بريطانية، كما سمعت هتافات «إنجلترا حتى أموت» و«نريد استعادة بلدنا». علاوة على ذلك تستخدم هذه الجماعات الرموز والصور التى تستحضر المراجع التاريخية والثقافية هو تكتيك آخر تستخدمه الجماعات اليمينية المتطرفة. فمن خلال الاستيلاء على الأعلام الوطنية والرموز التاريخية والصور الأيقونية، يسعون إلى إضفاء الشرعية على أفعالهم والتواصل مع جمهور أوسع. وأظهر المنظمون اليمينيون المتطرفون القدرة على التعبئة على مستوى القاعدة الشعبية. وهم غالبًا ما يستخدمون العنف والترهيب كتكتيكات لبث الخوف وتعطيل المعارضة. وفى ساوثبورت، كانت هذه الأساليب واضحة فى الاشتباكات مع المتظاهرين المضادين ووكالات إنفاذ القانون، مما أدى إلى خلق الفوضى. ويهدد صعود التطرف اليمينى بتآكل التماسك الاجتماعى من خلال تفاقم الانقسامات على أسس عرقية وثقافية وأيديولوجية. ويقوض هذا الانقسام ثقة المجتمع ويعزز بيئة الشك والعداء. كما يشكل استخدام العنف والترهيب تهديدًا مباشرًا للسلامة العامة. وتضطر وكالات إنفاذ القانون إلى تخصيص الموارد لإدارة هذه الاحتجاجات، مما يحول الانتباه عن مجالات أخرى بالغة الأهمية للسلامة العامة. ولم تفق بريطانيا من حادث مصرع الفتيات الصغيرات بعد، ولكن عليها لملمة أحزانها بأسرع وقت والتعامل مع زلزال اليمين المتطرف الذى هز أركان بريطانيا. وقد انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعى صور فيديو لمجموعة من المتطرفين فى وسط مدينة هال، شمال شرقى إنجلترا، وهم يهاجمون سيارة بى أم دبليو يقودها رجل من أصول آسيوية، مرددين شعارات عنصرية. وصُدم الكثيرون فى بريطانيا من المدى الواسع لانتشار احتجاجات اليمين المتطرف ومدى العنف الذى شهدته تلك الاحتجاجات، وقد عبرت قريبة لإحدى الضحايا عن ذلك قائلة:« إن ما يفعله المتطرفون هو أكبر إهانة لذكرى الضحايا». كما واجهت الحكومة البريطانية هذه التحديات بتأكيد دعمها الكامل لقوات الشرطة فى مواجهة المتطرفين. وأكد رئيس الوزراء السير كير ستارمر على ضرورة اتخاذ إجراءات صارمة ضد من يحاولون زرع الكراهية فى المجتمع، مشيرًا إلى أهمية التعاون بين وكالات إنفاذ القانون والمجتمع لمواجهة هذا التهديد المتصاعد. من جهة أخرى، دعت الحكومة إلى تعزيز التوعية العامة حول أخطار المعلومات المضللة وأهمية التحقق من مصادر الأخبار قبل تداولها. كما أكدت على ضرورة تعزيز التماسك الاجتماعى والعمل على بناء جسور التواصل بين مختلف مكونات المجتمع البريطاني، والتوعية حول قيم التعددية والتسامح والتعايش المشترك لمكافحة التطرف وضمان مستقبل أفضل للمملكة المتحدة وللأجيال القادمة. ولا شك أن الاحتجاجات العنيفة فى بريطانيا بمثابة تذكير صارخ بالتحديات التى يفرضها اليمين المتطرف ليس فى بريطانيا وحدها وإنما فى أوروبا بأسرها.