إن كانت المكتبات العامة متنفسًا لا غنى عنه لمحبي القراءة، ويتعاظم دورها في أوقات ارتفاع الأسعار بما لا يتناسب مع الدخل، فإن المكتبات الخاصة بدورها تلعب دورًا مهمًا في إنعاش الحياة الثقافية في مجتمعاتها، وأعني هنا المكتبات الحريصة على إقامة أنشطة وفعاليات ثقافية بشكل مستمر، وتلك التي تداوم على ابتكار أفكار هادفة لتعزيز القراءة وتوسيع شرائح القراء واستقطابهم بطرق جذابة. ثمة مكتبات مستقلة صارت معلمًا من معالم مدنها مثل «شكسبير & كومباني» في باريس و«ستراند» في نيويورك و«برايرى لايتس» في آيوا سيتى، بحيث يحرص كل مهتم بالكتب على زيارتها إن زار المدينة فتساعده على تلمس ملامح الحياة الثقافية ليس في هذه المدينة أو تلك فقط، بل في الثقافة التي تنتمي إليها المكتبة. إذ عبر تأمل العناوين التي تحتل واجهات المكتبات وتلك التي تحظي بالأماكن المميزة والبارزة على الأرفف أو التي تعلوها لافتة الأعلى مبيعًا، يمكن للزائر أن يرسم الخطوط العريضة للمشهد الأدبي الذي تعبر عنه المكتبة، كما يمكنه إجراء مقارنة بين نسبة العناوين المترجمة وتلك المكتوبة بلغة البلد. وإن حدث وحضر بعض حفلات التوقيع والفعاليات هناك سوف تتعمق معرفته أكثر. وفي مصر لدينا مكتبات مستقلة رسخت اسمها وباتت مصدر إثراء للساحة الثقافية خلال العقدين الأخيرين، سواء عبر تنظيم حفلات توقيع أو مناقشة كتب أو إقامة مهرجانات أدبية، دون أن يشغلها هذا عن دورها في توفير عناوين دور النشر العربية على مدار العام. لكن الإشادة بدور هذه المكتبات التي صارت من معالم القاهرة، يجب أن يترافق معها دعم مكتبات أخرى أصغر وأحدث، تتوزع على مدن مصر، وتجاهد كي تجد لنفسها موطئ قدم في واقع لا يضع الثقافة على رأس قائمة أولوياته. وسبل الدعم تتمثل في شراء الكتب من هذه المكتبات في حالة القراء، والترحيب بالمشاركة في فعاليات تقام فيها في حالة الكتاب. قد تعد هذه سبل دعم بسيطة، لكنها فعالة على المدى الطويل في ظل غياب الدعم الحكومي للمكتبات المستقلة.