ياسمين السيد هاني انتقلت سخونة السباق الرئاسى الأمريكى هذا العام لتخيم على أجواء انعقاد قمة حلف شمال الأطلنطى التى استضافتها العاصمة الأمريكيةواشنطن هذا العام، والتى تتزامن مع الذكرى الخامسة والسبعين لإنشاء الحلف العسكري. وسخونة السباق هنا لا تشير إلى تساوى كفة الجانبين، الديمقراطى جو بايدن والجمهورى دونالد ترامب، بل بالأحرى سخونة سياسات ووعود ترامب الذى يبدو على وشك العودة للبيت الأبيض. وتحت عنوان «حلفاء الولاياتالمتحدة يسعون لحماية مستقبل الناتو من ترامب»، قال تقرير لبى بى سى إن ظل ترامب كان يخيم على الاجتماعات فى واشنطن. وبينما شدد بايدن على رسالة وحدة أعضاء المجموعة البالغ عددهم 32 عضوا، فإن وجهات النظر المتشككة فى الحلف والتى يتبناها ترامب صبغت المحادثات بإلحاح وقلق. وقال أحد الدبلوماسيين من أوروبا الشرقية، الذى طلب عدم ذكر اسمه، إن انتخاب ترامب «يمكن أن يغير كل شيء.. . وأن ولاية ثانية له يمكن أن تجلب تغييرات بعيدة المدى إلى تحالف تم تشكيله على رماد الحرب العالمية الثانية ولا يزال يعتمد على القوة العسكرية الأمريكية الصارمة لردع الخصوم». وبدت هناك الكثير من الأدلة على الجهود التى يبذلها حلفاء الناتو للتواصل بالفعل مع أولئك الموجودين فى الدائرة المقربة لترامب لمحاولة إدارة العلاقات والحد مما قد يعتبرونه ضررًا محتملاً لولاية ثانية. وتفشى الخوف من أن يتضاءل التزام الولاياتالمتحدة بالمبدأ الأساسى للحلف المتمثل فى الأمن الجماعي-«الكل للفرد والواحد للجميع». وانحرفت مواقف ترامب بشأن حلف شمال الأطلنطى بشكل متقطع من العداء الصريح-تصوير الحلف على أنه مجموعة من الأوروبيين المستقلين الذين يعيشون على الحماية التى يدفعها دافعو الضرائب الأمريكيون-إلى الإشارة إلى أن تصريحاته هى مجرد جزء من تكتيك تفاوضى ماكر لإجبار المزيد من أعضاء الناتو على الوفاء بالتزاماته. اقرأ أيضا| بايدن يعود إلى مسار حملته عازمًا على الصمود في وجه الضغوط ومع بدء القمة، نشر ترامب على منصة «تروث سوشيال» التى يملكها أنه عندما بدأ كرئيس، كان معظم أعضاء الناتو «متأخرين» حتى «دفعوا» بسبب ضغوطه. هذا الذعر فى أروقة الحلف العسكرى لديه ما يبرره.. فترامب كان قد صرح فى فبراير الماضى بأنه سيسمح لروسيا بعمل كل ما تريده فى دول الحلف التى لا تلتزم بالانفاق المحدد. وفى إحدى جلسات النقاش فى يناير، وصف مفوض الاتحاد الأوروبى تييرى بريتون الاجتماع الذى حضره فى عام 2020 بين ترامب ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين. وقال دونالد ترامب لأورسولا: «عليك أن تفهمى أنه إذا تعرضت أوروبا لهجوم، فلن نأتى أبدًا لمساعدتكم ودعمكم.. وبالمناسبة، فقد مات الناتو. وسوف نغادر، سوف ننسحب من الناتو». وسط هذه الضبابية التى تمتد للمستقبل، هناك فى الواقع من كان يراقب بشكل حثيث ما كان يجرى فى واشنطن.. فسياسة ترامب المحتملة تجاه الناتو وحلفائه قد تعنى الكثير بالنسبة لمدى صلابة الحلف الغربى فى مواجهة اعدائه التقليديين الصينوروسيا. أما روسيا فهى تراقب عن كثب الخطوات والإجراءات التى يقرها الحلف دعما لأوكرانيا.. وفى هذا الخصوص، قال تحليل نشرته مجلة فورين بوليسى أن الغرب وحلف الناتو يساعدون أوكرانيا على خوض القتال، لكنهم لا يدعمونها للفوز فى المعركة. وأما الصين، التى توعدها الحلفاء بفرض تعريفات وتصعيد التوترات التجارية معها جراء دعمها لموسكو، فقد شكك تحليل نشرته أيضا فورين بوليسى فى إمكانية نجاح الناتو للتصدى لجبهتها مع روسيا.. والواقع ان قادة حلف شمال الاطلنطى الذين اجتمعوا قبل أيام.. «تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى».. فبعيدا عن الحلف العسكري، فإن التوجهات السياسية داخل الدوائر الغربية بعيدة عن أى توافق سوى فى مبادئ لا تتجاوز العموميات.. فبخصوص روسيا، يختلف الخطاب السياسى بين الدول الأوروبية فضلا عن تصوراتهم لحل الأزمة فى أوكرانيا.. وهم الذين سعوا على استحياء لإيجاد حل سياسى للحرب قبل عودة ترامب للبيت الابيض. كما ان التعريفات الجمركية التى يفرضها الاوروبيون على الصين هى نفسها محل جدال سياسى واقتصادى وبيئى فى المجتمع.. فلا يقتنع الخضر مثلا بفرض تعريفات على السيارات الكهربائية الصينية الصديقة للبيئة.. كما تعارض الإجراءات صناعات أوروبية كاملة تخشى من المعاملة المماثلة على استثماراتها فى الصين.. والخلاصة.. أن حلف الناتو بالنسبة لأعضائه بات يبدو وكأنه مقايضة سياسية فى الغرب.. المظلة الأمنية الأمريكية للأوروبيين مقابل دعمهم واشنطن فى صراعات ومنافسات بقاء أمريكا فى وضع الهيمنة العالمية.. ولا يتوقع من ترامب إلا أن يتفوق فى التفاوض على شروط هذه المقايضة.