كتب: خالد حمزة منذ نحو عام ومع مغادرة آخر طائرة أمريكية مطار العاصمة الأفغانية كابول، قال الرئيس الأمريكى بايدن فى كلمة وجهها للشعب الأمريكى، إنه اتخذ قرارا بوضع حد للحرب فى أفغانستان، وأنه يرفض الاستمرار فى حرب كلفت بلاده نحو 300 مليون دولار يوميا على مدى عقدين من الزمن، أى ما يقرب من 2.2 تريليون دولار، وأن الولاياتالمتحدة لم تكن بسلام، منذ بدأت الحرب قبل 20 عاما، وأنه يرفض توريث الحرب فى أفغانستان إلى رئيس خامس. ولكن ماذا حدث لأمريكا وللأفغان بعد سقوط كابول على يد طالبان، الذى وُصف بأنه كان لحظة تاريخية تشبه لحظة سقوط سايجون، والانسحاب المهين لأمريكا من فيتنام؟.. فعلى مدار ال20 عاما الماضية، ساهم كل رئيس أمريكى بداية بالجمهورى جورج بوش والديمقراطى باراك أوباما والجمهورى دونالد ترامب، وانتهاء بالديمقراطى بايدن فى حرب أفغانستان، التى أدت لمقتل عشرات الآلاف من الأفغان والأمريكيين، إضافة لإنفاق ما يزيد على تريليونى دولار على محاولات فاشلة لتحسين الأوضاع السياسية والاقتصادية والأمنية، وانتهت المغامرة الأمريكية بعودة حركة طالبان لتسيطر مرة أخرى على أفغانستان. ورغم ذلك، كما تقول صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، لم تكن القضية كلها قضية حسابات نفعية بحتة، فوجود أمريكا فى أفغانستان لم يكن بلا مكاسب فعلية، وبالتالى لا يبقى إلا القول أن ما جرى هو مجرد تغيير فى شكل وأسلوب لعبة تحقيق المصالح الأمريكية. الولاياتالمتحدة انسحبت منها وتركتها غارقة فى الفوضى الخلاقة والتفسير الأرجح للانسحاب الأمريكى من أفغانستان هو أنه تم بناء على ثقة أمريكية بأن طالبان ستعود إلى الحكم بعده، ما يعنى وجود نية أمريكية مسبقة لإعادة طالبان إلى السلطة. اقرأ أيضًا | عام من حكم «طالبان» في أفغانستان.. حقوق النساء في «أدنى مكان» وأمريكا بذلك، تريد مجدداً خلط الأوراق، واستعمال مبدأ الفوضى الخلّاقة فى أفغانستان، بعد انسحابها الفوضوى منها، وبذلك يحاول الأمريكيون إغلاق الباب وراءهم فى أفغانستان بعد حرب استمرت 20 سنة فى بلد يواجه تحديات أمنية وسياسية وأطماعا من دول مجاورة، إلا أن أمريكا، التى أنفقت نحو تريليونى دولار على صراع بائس فشلت بعد عقدين من الزمن، كما تقول شبكة سى إن إن الإخبارية، فى أن تقضى على القاعدة وعلى حركة طالبان، التى طالما شكلت دعما كبيرا للقاعدة، وفشلت فى الحفاظ على حياة الحكومة الأفغانية الموالية لها، وفشلت فى تحقيق أبسط الأهداف، التى شرعنت من خلالها عدوانها على أفغانستان. الخطوة الأمريكية لم تكن عبثية، بل خطوة استراتيجية لترك أفغانستان كأرض محروقة ومسمار جحا بالمنطقة، وترك البلاد تعيش فى حروب وصراعات بين حركة طالبان ومناوئيها من شعب، وبقايا حكومة وفصائل إرهاب متعددة موجودة فى أفغانستان، إضافة لتحويل هذا البلد إلى مأوى لقوى الإرهاب الدولى، ومعبرا تسير عبره هذه الجماعات إلى الدول، المراد ضرب الأمن والاستقرار فيها، والتأثير بذلك على أمنها وحركة اقتصادها. وطوال الوقت، كما تقول صحيفة الجارديان البريطانية، كانت أمريكا حريصة على تصوير تدخلها فى أفغانستان على أنه مساعدة على إعادة بناء دول فاشلة عسكرياً وسياسياً، إلا أن الانسحاب الأمريكى من أفغانستان، وتخلى واشنطن عن أقرب حلفائها فى الداخل أثبت أنها حليف غير موثوق فيه، وهو الأمر الذى قد تكون له تداعيات مؤثرة على رؤية حلفاء واشنطن حول العالم لها. من جهة أخرى، فإن خروج واشنطن من أفغانستان تعارض مع الشعار الذى رفعه الرئيس الأمريكى جو بايدن عند توليه السلطة بأن «أمريكا عادت»، فى إشارة إلى اتجاه واشنطن للعب دور دولى فاعل بالتعاون مع الحلفاء. ورسخ الانسحاب الأمريكى الاعتقاد السائد بأن مرحلة أحادية أمريكا كقوة عظمى فى العالم قد شارفت على نهايتها، خاصة أن واشنطن انسحبت من أفغانستان دون تحقيق أىٍ من أهدافها من الحرب ضد أفغانستان، فلم تتمكن من إقامة حكومة مستقرة هناك أو القضاء على تهديد الإرهاب، كما تسبب الانسحاب الأمريكى فى تهديد الأمن الأوروبى، وتخشى الدول الأوروبية من تنامى ظاهرتى الإرهاب واللجوء من أفغانستان، ومن أن اللاجئين قد يتم اختراقهم من قبل العناصر الإرهابية الساعية للوصول إلى الدول الأوروبية لتنفيذ عمليات إرهابية. وترك الانسحاب الأمريكى فراغاً أمنياً فى وسط وجنوب آسيا، وسيكون من الصعب على واشنطن استعادة النفوذ فى آسيا الوسطى، خاصة بعد أن رفضت طاجيكستان وقيرقيزستان، اللتان تتمتعان بعلاقات أمنية قوية مع روسيا، استضافة قواعد أمريكية، بل إن باكستان حليفة طالبان رفضت استضافة قواعد أمريكية على أراضيها، كما يتوقع أن تتجه باكستانوالصين إلى إقامة علاقات أمنية واقتصادية مع طالبان، خاصة أن بعض مشروعات الطوق والطريق البرى تمر عبرها. وكان استمرار عمل السفارات التابعة لكلٍ من الصينوروسياوباكستان فى كابول، فى الوقت الذى أغلقت فيه أغلب السفارات الغربية أبوابها هناك، مؤشرا آخر على أن واشنطن قد خسرت نفوذها هناك، وتركت أفغانستان لقمة سائغة لصالح القوى الدولية والإقليمية الأخرى. والوضع بالنسبة للأفغان ليس أفضل حالا، فعندما عادت طالبان إلى السلطة فى أفغانستان فى 2021، رجَّح بعض المراقبين أن نهجها فى الحكم لربما يصبح أكثر اعتدالا من ذى قبل، لقد مضت عشرون عاما منذ المرة الأخيرة، التى تولت فيها السلطة. وبنت الحركة حكما قمعيا، وأعادت عمل وزارة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر كواحدة من أقوى المؤسسات التى تمارس بها الحركة سيطرتها على المجتمع، وذلك على أنقاض وزارة شئون المرأة، كما فرضت الحركة قانونا اجتماعيا خاصا بها، إذ مزجت أدوار الشيوخ والحُكَّام وضُباط الشرطة معا، كما حظرت المرأة من الحياة العامة، وفرضت زيًّا محددا للنساء، وضيَّقت المجال العام، وضيَّقتها على الرجال لتتجاوز بالكاد أداء الصلاة وتطبيق العقوبات، وحتى مع توسُّع الحركة فى شتى أنحاء البلاد، ظل قادتها وتابعوهم يُعبِّرون عن شريحة سكانية قليلة من شباب الريف غير المُتعلِّمين من عِرقية البشتون، وقد تربى الكثيرون منهم فى مُخيَّمات اللاجئين والمدارس الدينية على الحدود مع باكستان. والآن، كما ترى مجلة فورين أفيرز الأمريكية، أن طالبان تولَّت مقاليد الحُكم فى بلد تحوَّل فيه شكل المواطنة تحوُّلا جذريا، منذ المرة الأخيرة التى تولَّت فيها الحركة حكم البلاد، فلم يعش معظم المواطنين الأفغان تجربة الحياة تحت حكم طالبان، إذ إن أغلبهم شباب وُلدوا بعد عام 2001، وقد استفاد هؤلاء من اقتصاد المساعدات الدولية والالتحاق بالتعليم العالى، وظهور قطاعات جديدة خاصة وحكومية واجتماعية، ولَّدت فرصا مهنية وشخصية. ورغم ذلك، فهناك مخاوف من انتقال تداعيات الفوضى الأمنية إلى دول الجوار الأفغانى، والفِناء الخلفى لروسياوالصينوإيرانوباكستان وتركيا، حيث سعت هذه الدول إلى تعزيز نفوذها على أراضى أفغانستان بعد انسحاب الجيش الأمريكى، فقد انطلقت مليشيا «فاطميون»، التى تدعمها إيران للقتال فى سوريا، وهذه المليشيات تضم أفرادا ينحدرون من طائفة الهزارة فى أفغانستان، وجماعة مسلحة تسمى الحشد الشيعى فى كابول لقتال طالبان، إضافة لتواجد القاعدة الموالية لطالبان مقابل خراسان المعارضة لها. وتشير تقديرات الأممالمتحدة، أن أفغانستان تحولت بالفعل إلى ملاذ آمن للقاعدة وداعش، وتصاعد الانفجارات والاغتيالات التى طالت الزعيم الروحى لطالبان حاقانى، وعودة تجارة الأفيون والهيروين، كتجارة مزدهرة فى البلاد كمصدر رئيسى للدخل مع المقاطعة الدولية لطالبان.