أفاد مسؤول رفيع في صندوق النقد الدولي فرانس برس أن بإمكان أوروبا تدبّر أمرها من دون الغاز الروسي لمدة ستة أشهر، لكن التداعيات الاقتصادية ستكون شديدة بعد انقضاء هذه المدة. وحضّ مدير فرع صندوق النقد الدولي المكلف أوروبا ألفريد كامر دول المنطقة على اتّخاذ سلسلة خطوات لتخفيف حدة الضربة، بما في ذلك تخفيف الاستهلاك من أجل بناء مخزون. اقرأ أيضًا: روسيا ترفض مزاعم أمريكا بشأن استخدام موسكو أسلحة نووية في أوكرانيا وتعتمد المنطقة على روسيا في الجزء الأكبر من احتياجاتها للطاقة، خصوصا الغاز الطبيعي. ودرس خبراء الاقتصاد لدى صندوق النقد الدولي الكلفة الاقتصادية لخسارة إمدادات موسكو. وقال كامر في مقابلة أجرتها معه فرانس برس على هامش اجتماعات الربيع بين صندوق النقد الدولي والبنك الدولي "على مدى الأشهر الستة الأولى، يمكن لأوروبا التعامل مع انقطاع من هذا النوع عبر امتلاك إمدادات بديلة واستخدام المخزون المتوفر". وأضاف "لكن إذا استمر هذا الانقطاع حتى الشتاء، وعلى مدى فترة أطول، فستكون له تداعيات كبيرة" على الاقتصاد الأوروبي. ودرست دول غربية مسألة فرض حظر على واردات الطاقة الروسية ردا على غزو أوكرانيا، بينما يمكن لموسكو أيضا قطع الإمدادات ردا على العقوبات التي فرضت على حكومتها. وتفيد تقديرات صندوق النقد الدولي أن إجمالي الخسائر للغاز الروسي وإمدادات النفط قد تكلف الاتحاد الأوروبي ثلاثة في المئة من إجمالي الناتج الداخلي، بناء على مدى قسوة الشتاء المقبل. ودعا كامر إلى خطوات للاستعداد لهذا الاحتمال. وقال "لا يوجد خيار واحد له تداعيات كبيرة، بل توجد العديد من الإجراءات الأصغر التي ستكون لها تداعيات أكبر"، بما في ذلك عبر إيجاد مورّدين بديلين، وهو أمر بدأت بعض الدول بالفعل القيام به. ولفت إلى أن على المستهلكين القيام بدور مهم أيضا في هذا الصدد بينما يتعيّن على الحكومات توعية السكان من خلال "حملات عامة لخفض استهلاك الطاقة". وقال "يمكن للمستهلك التحرّك الآن"، ويعني خفض الاستهلاك أنه يمكن تخزين المزيد من الوقود في حال تعطّلت الإمدادات. وبينما أدت الحرب في أوكرانيا إلى تباطؤ كبير في النمو، قال كامر إنها "لن تُخرج التعافي عن مساره" وشدد على أنه لا يتوقع ركودا على مستوى أوروبا. وذكر أن اقتصادات منطقة اليورو الأكبر، باستثناء إسبانيا، ستكون "ضعيفة في 2022" وستسجّل نموا نسبته صفر تقريبا خلال فصل أو فصلين، ويمكن حتى أن تسجّل ركودا تقنيا عبر تسجيل نمو سلبي في فصلين متتاليين. لكن صندوق النقد الدولي يتوقع أن تتعافى هذه الاقتصادات في النصف الثاني من العام الجاري. وأدى هجوم روسيا على جارتها إلى تدفق حوالي خمسة ملايين لاجئ، ما شكّل تحديا للدول الأوروبية التي تعاني من ضغط على ميزانياتها فيما تتعامل مع تدفق اللاجئين. وتعد بولندا، التي استقبلت العدد الأكبر من الأوكرانيين، الأكثر تأثرًا. وما زال مصير هؤلاء بعد الحرب غير واضح، علما أن معظمهم نساء وأطفال. وقال كامر "سيبقى بعض هؤلاء اللاجئين في أوروبا، أنا متأكد من ذلك"، مشيرًا إلى أن الأمر قد يكون بمثابة "هدية" للدول التي تعاني من شيخوخة سكانها ونقص العمالة. وأضاف "لكن الأمر قد يكون سيئا بالنسبة لأوكرانيا إذا قرر العديد من اللاجئين البقاء" في الخارج. وعلى الأرض، تتواصل العملية العسكرية الروسية في الأراضي الأوكرانية لليوم 59، منذ بدايتها في 24 فبراير المنصرم. واكتسب الصراع الروسي الأوكراني منعطفًا جديدًا فارقًا، في 21 فبراير، بعدما أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الاعتراف بجمهوريتي "دونيتسك" و"لوجانسك" جمهوريتين مستقلتين عن أوكرانيا، في خطوةٍ تصعيديةٍ لقت غضبًا كبيرًا من كييف وحلفائها الغربيين. وفي أعقاب ذلك، بدأت القوات الروسية، فجر يوم الخميس 24 فبراير، في شن عملية عسكرية على شرق أوكرانيا، ما فتح الباب أمام احتمالية اندلاع حرب عالمية "ثالثة"، ستكون الأولى في القرن الحادي والعشرين. وقال الاتحاد الأوروبي إن العالم يعيش "أجواءً أكثر سوادًا" منذ الحرب العالمية الثانية، فيما فرض الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة حزمة عقوبات ضد روسيا، وصفتها رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين بأنها "الأقسى على الإطلاق". ومع ذلك، فإن الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي "الناتو" يصران حتى الآن على عدم الانخراط في أي عملية عسكرية في أوكرانيا، كما ترفض دول الاتحاد فرض منطقة حظر طيران جوي في أوكرانيا، عكس رغبة كييف، التي طالبت دول أوروبية بالإقدام على تلك الخطوة، التي قالت عنها الإدارة الأمريكية إنها ستتسبب في اندلاع "حرب عالمية ثالثة". وفي غضون ذلك، قال وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، في وقتٍ سابقٍ، إن اندلاع حرب عالمية ثالثة ستكون "نووية ومدمرة"، حسب وصفه. وعلى مسرح الأحداث، قالت وزارة الدفاع الروسية، في بداية العملية العسكرية، إنه تم تدمير منظومة الدفاع الجوي الأوكرانية وقواعدها وباتت البنية التحتية لسلاح الطيران خارج الخدمة. ولاحقًا، أعلنت الدفاع الروسية، يوم السبت 26 فبراير، أنها أصدرت أوامر إلى القوات الروسية بشن عمليات عسكرية على جميع المحاور في أوكرانيا، في أعقاب رفض كييف الدخول في مفاوضات مع موسكو، فيما عزت أوكرانيا ذلك الرفض إلى وضع روسيا شروطًا على الطاولة قبل التفاوض "مرفوضة بالنسبة لأوكرانيا". إلا أن الطرفين جلسا للتفاوض لأول مرة، يوم الاثنين 28 فبراير، في مدينة جوميل عند الحدود البيلاروسية، كما تم عقد جولة ثانية من المباحثات يوم الخميس 3 مارس، فيما عقد الجانبان جولة محادثات ثالثة في بيلاروسيا، يوم الاثنين 7 مارس. وانتهت جولات المفاوضات الثلاث دون أن يحدث تغيرًا ملحوظًا على الأرض. وقال رئيس الوفد الروسي إن توقعات بلاده من الجولة الثالثة من المفاوضات "لم تتحقق"، لكنه أشار إلى أن الاجتماعات مع الأوكران ستستمر، فيما تحدث الوفد الأوكراني عن حدوث تقدم طفيف في المفاوضات مع الروس بشأن "الممرات الآمنة". وقبل ذلك، وقع الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي، في 28 فبراير، مرسومًا على طلب انضمام بلاده إلى الاتحاد الأوروبي، في خطوةٍ لم تجد معارضة روسية، مثلما تحظى مسألة انضمام كييف لحلف شمال الأطلسي "الناتو". وقال المتحدث باسم الكرملين الروسي ديمتري بيسكوف إن الاتحاد الأوروبي ليس كتلة عسكرية سياسية، مشيرًا إلى أن موضوع انضمام كييف للاتحاد لا يندرج في إطار المسائل الأمنية الإستراتيجية، بل يندرج في إطار مختلف. وعلى الصعيد الدولي، صوّتت الجمعية العامة للأمم المتحدة، يوم الأربعاء 2 مارس، على إدانة الحرب الروسية على أوكرانيا، بموافقة 141 دولة على مشروع القرار، مقابل رفض 5 دول فقط مسألة إدانة روسيا، فيما امتنعت 35 دولة حول العالم عن التصويت. وأعلنت الأممالمتحدة فرار أكثر من 3 ملايين شخص من أوكرانيا منذ بدء الحرب هناك، فيما كشفت المنظمة الأممية، يوم السبت 19 مارس، عن مقتل ما يقرب من 850 مدنيًا في الحرب حتى الآن. وفي الأثناء، تفرض السلطات الأوكرانية الأحكام العرفية في عموم البلاد منذ بدء الغزو الروسي للأراضي الأوكرانية. وأعلن الرئيس الأوكراني، يوم الأحد 20 مارس، تمديد فرض الأحكام العرفية في البلاد لمدة 30 يومًا، بدايةً من يوم الأربعاء 23 مارس. وكانت روسيا، قبل أن تبدأ في شن عملية عسكرية ضد أوكرانيا، ترفض بشكلٍ دائمٍ، اتهامات الغرب بالتحضير ل"غزو" أوكرانيا، وقالت إنها ليست طرفًا في الصراع الأوكراني الداخلي. إلا أن ذلك لم يكن مقنعًا لدى دوائر الغرب، التي كانت تبني اتهاماتها لموسكو بالتحضير لغزو أوكرانيا، على قيام روسيا بنشر حوالي 100 ألف عسكري روسي منذ أسابيع على حدودها مع أوكرانيا هذا البلد المقرب من الغرب، متحدثين عن أن "هذا الغزو يمكن أن يحصل في أي وقت". لكن روسيا عللت ذلك وقتها بأنها تريد فقط ضمان أمنها، في وقت قامت فيه واشنطن بإرسال تعزيزات عسكرية إلى أوروبا الشرقيةوأوكرانيا أيضًا. ومن جهتها، اتهمت موسكو حينها الغرب بتوظيف تلك الاتهامات كذريعة لزيادة التواجد العسكري لحلف "الناتو" بالقرب من حدودها، في وقتٍ كانت روسيا ولا تزال تصر على رفض مسألة توسيع حلف الناتو، أو انضمام أوكرانيا للحلف، في حين تتوق كييف للانضواء تحت لواء حلف شمال الأطلسي.