وزير العمل يوفر وظيفة لإحدى الفتيات من ذوي الهمم بالأقصر    الشناوي: الهيئة الوطنية للانتخابات نجحت في ترسيخ الثقة بين الدولة والمواطن    التنظيم والإدارة يتيح الاستعلام عن نتيجة التظلمات في مسابقة «النقل النهري»    اليوم.. الكنيسة القبطية تستضيف اجتماع لجنة الإيمان والنظام بمجلس الكنائس العالمي    "مخاطر العنف والتنمر" ندوة توعوية ب"فنون تطبيقية بني سويف"    ميناء دمياط يستقبل 73590 طن قمح وذرة وحديد ب14 سفينة    محافظ الجيزة يشارك في مؤتمر إطلاق الاستراتيجية الوطنية للعمران    فرص عمل واستثمارات.. تفاصيل جولة مدبولي في مصنع «أوبو» بالعاشر    تركيب 213 وصلة مياه شرب نظيفة للأسر الأولى بالرعاية بقرى ومراكز أسوان    عاجل- قرارات جديدة من رئيس الوزراء.. تعرف على التفاصيل    محافظ الدقهلية يشدد على رئيس مدينة نبروه بتكثيف أعمال النظافة ومتابعتها ورفع كافة الإشغالات    الصين «تعارض» العقوبات الأمريكية الجديدة على النفط الروسي    عبور 87 شاحنة إماراتية محمّلة بالمساعدات إلى غزة خلال أسبوع    السعودية تدين وتستنكر مصادقة الكنيست بفرض السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية    أضرار جسيمة في منشآت الكهرباء والمياه بعد هجوم بطائرة مسيرة في السودان    الهلال الأحمر المصري يدفع بأكثر من 6 آلاف طن مساعدات إلى غزة عبر قافلة زاد العزة ال57    أسبوعان على وقف إطلاق النار.. بطء في دخول المساعدات وخروقات بالشجاعية وخان يونس    تقرير يكشف مستقبل محمد صلاح مع ليفربول    الاتحاد الأفريقي لتنس الطاولة: ما صدر عن عمر عصر سلوك سيئ ومؤسفٌ    جولر بعد الفوز على يوفنتوس: نُريد برشلونة    الزمالك يجهز شكوى لتنظيم الإعلام ضد نجم الأهلي السابق    محمد عبدالجليل ينتقد ييس توروب بسبب تغييراته    ننشر أسماء مصابي انحراف أتوبيس بطريق صحراوي قنا    حجز الحكم على البلوجر علياء قمرون بتهمة خدش الحياء العام ل29 أكتوبر    ضبط أكثر من 17 طن دقيق مدعم قبل استخدامه في أنشطة مخالفة    ضبط 4 سيدات لقيامهن بممارسة الأعمال المنافية للآداب بالإسكندرية    غلق كلي لكوبري الأزهر السفلي 3 أيام لتطويره بطبقة الإيبوكسي.. تفاصيل    «لنا لقاء عند الله».. أحمد السعدني يحيي ذكرى ميلاد والده    رانيا يوسف تكشف كواليس زواجها من المخرج أحمد جمال    جولة «بوابة أخبار اليوم» في معرض الفنون التشكيلية «بحبك يا مصر»    حنان مطاوع بعد فيديو والدها بالذكاء الاصطناعي: "اتصدمت لما شوفته وبلاش نصحي الجراح"    السادة الأفاضل.. انتصار: الفيلم أحلى مما توقعته ولا أخشى البطولة الجماعية    أحداث مثيرة في مسلسل «المدينة البعيدة» تكشف صراع جيهان وبوران    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الخميس 23-10-2025 في محافظة قنا    بدء تشغيل معمل الأسنان للتركيبات المتحركة بمستشفى نجع حمادي العام    خالد عبدالغفار: الصحة العامة حجر الزاوية في رؤية مصر للتنمية البشرية    إنجاز طبي جديد بعد إنقاذ مريض فلسطيني مصاب من قطاع غزة    الصحة توقع مذكرة تفاهم مع الجمعية المصرية لأمراض القلب لتعزيز الاستجابة السريعة لحالات توقف القلب المفاجئ    فاليري ماكورماك: مصر مثال عظيم في مكافحة السرطان والتحكم في الأمراض المزمنة    مصرع عامل سقط من أعلى سقالة فى المنوفية    مقتول مع الكشكول.. تلميذ الإسماعيلية: مشيت بأشلاء زميلى فى شنطة المدرسة    ما حكم بيع وشراء العملات والحسابات داخل الألعاب الإلكترونية؟ دار الإفتاء تجيب    هل التدليك الطبى حرام وما حكم المساج فى الإسلام؟.. دار الإفتاء توضح    محمد صلاح.. تقارير إنجليزية تكشف سر جديد وراء أزمة حذف الصورة    إطلاق القطار السريع وافتتاح مشروعات كبرى.. أحداث هامة بمعرض TransMEA القادم    الاتحاد الأوروبى: تم حظر استيراد الغاز المسال الروسى    ستيفن وارنوك: ليفربول أثبت قدرته على الفوز دون محمد صلاح واستبعادُه قد يتكرر مستقبلاً    ميدو جابر يخضع اليوم لأشعة تشخيصيه على الركبة لتحديد حجم إصابته    حالة الطقس في الكويت اليوم الخميس 23 أكتوبر 2025    التعليم تحسم الجدل حول مستحقات معلمي الحصة بالقاهرة وتؤكد أحقيتهم في الصرف    بعد قليل.. "الوطنية للانتخابات" تعلن القائمة النهائية الرسمية لمرشحى مجلس النواب 2025    رئيس الوزراء يصدر قرارًا بإسقاط الجنسية المصرية عن شخصين    ليفربول يفك عقدته بخماسية في شباك آينتراخت فرانكفورت بدوري الأبطال    سيصلك مال لم تكن تتوقعه.. برج الدلو اليوم 23 أكتوبر    سعر الذهب اليوم الخميس 23-10-2025 بالصاغة.. وعيار 21 الآن بعد الانخفاض الكبير    علي الحجار يتأثر بغنائه «فلسطيني» في مهرجان الموسيقى العربية    داعية إسلامي: زيارة مقامات آل البيت عبادة تذكّر بالآخرة وتحتاج إلى أدب ووقار    مواقيت الصلاة في أسيوط غدا الخميس 23102025    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ما حكم التهادي بين المسلمين وغيرهم والمجاملة بينهم؟ الإفتاء تُجيب

ورد سؤال إلى دار الإفتاء حول حكم التهادي بين المسلمين وغيرهم والمجاملة بينهم.
وأجاب الدكتور شوقي علام مفتي الجمهورية، أن الأصل في العلاقة بين المسلمين وغيرهم هو التعايش والتكامل والتعارف والتعاون، والإسلام هو دين السلام والرحمة والبر والصلة، وقد أمر الله تعالى بالإحسان إلى الخلق كافة، والتهادي بين الناس هو من أعظم مظاهر الإحسان والبر، ومن أكثر ما يُورث التآلف والصفاء، فهو مستحب على وجه العموم؛ لا فرق في ذلك بين مسلم وغير مسلم، بل هو في حق غير المسلم آكد استحبابًا وأشد مشروعية؛ من جهة أنه إحسان للإنسان، وأنه من السنة، وقد ثبت ذلك بالنصوص الشرعية من القرآن الكريم في التعامل بالبر والصلة، ورد التحية بالتحية، ومقابلة الهدية بالهدية، ومجازاة الإحسان بالإحسان، وفي السنة النبوية الشريفة من الأمر بمكافأة صاحب الهدية، وقبول النبي صلى الله عليه وآله وسلم الهدايا من غير المسلمين، وأمره بذلك، وإثابتهم عليها، واشتهر ذلك من فعل الصحابة رضي الله عنهم؛ حتى كانوا يقدِّمون حق غير المسلم في الجوار ويبدأون به، واوضح المفتي انه قد نص الفقهاء على عِظم حق غير المسلم، وأنه ظلمه أشد جرمًا، ونص جماعة منهم على مشروعية رد السلام عليهم، فيُستَحبُّ التهادي وتُشرَع المجاملات الحسنة في الأعياد والأفراح والمناسبات بين المسلمين وغيرهم؛ لما في ذلك من إرساء روابط التآخي والتآلف، وبث روح الوطنية والتكاتف.
وأشار إلى أن الإسلام دينٌ كلُّه سلامٌ ورحمةٌ وبرٌّ وصلة؛ ولذلك أمر الله تعالى بالعدل والإحسان على الإطلاق، وجعل ذلك قيمة عُليا من قيم الإسلام؛ فقال تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ﴾ [النحل: 90]، وأمرنا أن نقول القول الحسن للناس كلهم؛ فقال تعالى: ﴿وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا﴾ [البقرة: 83]، ولم ينهَنا عن بر غير المسلمين، ووصلهم، وإهدائهم، وقبول الهدية منهم، وغير ذلك من أشكال البر بهم؛ فقال تعالى: ﴿لَا يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾ [الممتحنة: 8]، فالوصل، والإهداء، والعيادة، والتهنئة لغير المسلم، كلُّ ذلك يدخل في باب الإحسان.
وأكد أنه لمّا كان الأصل في العلاقة بين المسلمين وغيرهم هو التعايش، كان هذا شاملًا لكافة مظاهر الأخلاق الحسنة، ومختلف أنواع العلاقات الإنسانية؛ من التكافل والتعاون، والبر والتراحم، والتهادي والمجاملة؛ أخذًا وإعطاءً، على مستوى الفرد والجماعة.
والتهادي والمُهاداة: تبادل الهدايا، والهدية في ذاتها من أعظم مظاهر البر؛ فإنها من أكثر ما يورث التآلف والصفاء، ويقطع العداوة والبغضاء، ويقع الموقع الحسن في نفوس الناس؛ حتى ذُكِر في اشتقاق لفظ "الهدية" أنها إنما سُمِّيَت بذلك لما تورثه من الهداية إلى الخير والتآلف بين الناس.
قال الإمام الماوردي في "الحاوي الكبير" (7/ 534، ط. دار الكتب العلمية): [قيل: إن الهدية مشتقة من الهداية؛ لأنه اهتُدِيَ بها إلى الخير والتآلف] اه.
وقد حكى الله تعالى عن ملكة سبأ أنها أرسلت هدية إلى سيدنا سليمان عليه السلام؛ لعلمها بحسن موقعها، فقال تعالى: ﴿وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ﴾ [النمل: 35].
قال قتادة: "رحمها الله؛ إن كانت لعاقلة في إسلامها وشركها؛ قد علمت أن الهدية تقع موقعًا من الناس" أخرجه ابن أبي حاتم في "تفسيره".
وأشار المفتي إلى أنه إذا كان هذا شأنَ الهدية في نفسها، فإن تبادلها بين الناس أبلغ في إظهار البر، وأدوم لأسباب الصلة، وأوثق لعرى التآلف، فإذا كان التهادي بين المسلمين أنفسِهم مستحبًّا مع اتفاق الدين واجتماع الكلمة، فإنه بينهم وبين غيرهم أشدُّ استحبابًا وآكد مشروعية؛ لِمَا فيه من إظهار سماحة الإسلام، وعظمة تعاليمه، ورقي أخلاقه ومبادئه، وحرصه على تأليف القلوب.
وأكد "علام"، أن النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم حث على التهادي بين جميع الناس، من غير تفرقة بين المسلم وغيره: فعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «تَهَادَوْا؛ فَإِنَّ الْهَدِيَّةَ تُذْهِبُ وَغَرَ الصَّدْرِ» أخرجه الإمام أحمد، وأبو داود الطيالسي في "المسند"، والترمذي في "السنن".
وعنه رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «تَهادَوْا تَحابُّوا» أخرجه البخاري في "الأدب المفرد"، وأبو يعلى في "المسند"، والطبراني في "الأوسط" والبيهقي في "السنن".
قال العلامة الأمير الصنعاني في "التنوير شرح الجامع الصغير" (1/ 381، ط. مكتبة دار السلام): [وذلك لأنه يحصل بها ما يريده الله تعالى من ألفة القلوب وميل بعضها إلى بعض] اه، وقال (5/ 101): [وذلك لأن الهدية خلق كريم وسنة حثت عليها الرسل واستحسنتها العقول تتألف بها القلوب وتذهب شحائن الصدور] اه.
كما تواردت النصوص من القرآن والسنة النبوية على استحباب التهادي بين المسلمين وغير المسلمين:فأما من القرآن الكريم: فقد أمر الله بالبر بغير المسلمين ممن لم يعتدوا، والهدية من البر بهم؛ فقال تعالى: ﴿لَا يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾[الممتحنة: 8].
قال العلامة الكوراني في "الكوثر الجاري إلى رياض أحاديث البخاري" (5/ 241، ط. دار إحياء التراث العربي): [وموضع الدلالة قوله تعالى: ﴿أَنْ تَبَرُّوهُمْ﴾؛ فإن البر يشمل الهدية وغيرها] اه.
وأما من السنة النبوية الشريفة:
فقد تواردت النصوص على قبول النبي صلى الله عليه وآله وسلم الهدايا من غير المسلمين، وأمره بقبولها، ومجازاتهم عليها، وعلى إهدائه لهم صلى الله عليه وآله وسلم.
فأما قبول النبي صلى الله عليه وآله وسلم الهديةَ من غير المسلمين:
فعن أنس بن مالك رضي الله عنه: "أَنَّ أُكَيْدِرَ دُومَةَ -من نصارى العرب- أَهْدَى إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم جُبَّةَ سُنْدُسٍ" متفق عليه.
وعنه أيضًا رضي الله عنه: "أَنَّ مَلِكَ ذِي يَزَنَ أَهْدَى إِلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وآله وسلم حُلَّةً أَخَذَهَا بِثَلاثَةٍ وَثَلاثِينَ بَعِيرًا أَوْ ثَلاثٍ وَثَلاثِينَ نَاقَةً فَقَبِلَه" رواه أبو داود في "السنن".
وعن علي رضي الله عنه قال: "أَهْدَى كِسْرَى لِرَسُولِ الله صلى الله عليه وآله وسلم فَقَبِلَ مِنْهُ، وَأَهْدَى لَهُ قَيْصَرُ فَقَبِلَ مِنْهُ، وَأَهْدَتْ لَهُ الْمُلُوكُ فَقَبِلَ مِنْهُمْ" رواه أحمد والترمذي وحسَّنه.
وعن عائشة رضي الله عنها، قالت: «أهدى صاحب الإسكندرية المقوقس إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مُكْحُلةَ عيدان شامية، ومرآة، ومشطًا» أخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط".
وعن حنظلة بن الربيع الكاتب، قال: "أهدى المقوقس ملك القبط إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم هدية، وَبَغْلَةً شَهْبَاءَ، فقبلها صلى الله عليه وآله وسلم" أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف"، وابن زنجويه في "الأموال"، والطبراني في "المعجم الكبير".
وأما أمْرُ النبي صلى الله عليه وآله وسلم بقبول الهدية من غير المسلمين:
فعن عامر بن عبد الله بن الزبير قال: "قَدِمَتْ قُتَيْلَةُ ابْنَةُ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ عَبْدِ أَسْعَدَ مِنْ بَنِى مَالِكِ بْنِ حَسَلٍ عَلَى ابْنَتِهَا أَسْمَاءَ ابْنَةِ أَبِي بَكْرٍ بِهَدَايَا؛ ضِبَابٍ وأَقِطٍ وَسَمْنٍ وهي مُشْرِكَةٌ فَأَبَتْ أَسْمَاءُ أَنْ تَقْبَلَ هَدِيَّتَهَا وَتُدْخِلَهَا بَيْتَهَا، فَسَأَلَتْ عَائِشَةُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وآله وسلم، فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿لَا يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ﴾ إِلَى آخِرِ الآيَةِ، فَأَمَرَهَا أَنْ تَقْبَلَ هَدِيَّتَهَا وَأَنْ تُدْخِلَهَا بَيْتَهَا" رواه الإمام أحمد في "مسنده".
وأما تهادي النبي صلى الله عليه وآله وسلم مع غير المسلمين:
فعن عائشة رضي الله عنها، قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقبل الهدية، ويثيب عليها" أخرجه البخاري في "الصحيح".
وعن أبي حميد الساعدي رضي الله عنه، قال: "جاء رسولُ ابنِ العَلْمَاءِ، صاحبِ أَيْلَةَ، إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بكتابٍ، وأهدى له بغلة بيضاء، فكتب إليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأهدى له بُردًا" رواه البخاري ومسلم واللفظ له في "الصحيح".
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: مرَّ عمر بن الخطاب مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم على يهودي، وعلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم قميصان، فقال اليهودي: يا أبا القاسم اكسُني، فخلع النبي صلى الله عليه وآله وسلم أفضلَ القميصين فكساه، فقلت: يا رسول الله، لو كسوته الذي هو دون!، فقال: «لَيْسَ تَدْرِي يَا عُمَرُ أَنَّ دِينَنَا الْحَنَفِيَّةُ السَّمْحَةُ لَا شُحَّ فِيهَا! وَكَسَوْتُهُ أَفْضَلَ الْقَمِيصَيْنِ لِيَكُونَ أَرْغَبَ لَهُ فِي الْإِسْلَامِ» أخرجه الحافظ أبو نعيم في "حلية الأولياء".
كما تواترت النصوص في إهداء الصحابة رضي الله عنهم الهدايا لغير المسلمين:
فروى الإمام البخاري في "صحيحه"، أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أهدى حُلَّةً لأخٍ له مشركٍ، كان قد أهداها له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
قال العلامة بدر الدين العيني في "عمدة القاري" (13/ 173، ط. دار إحياء التراث العربي): [فدل ذلك على جواز الإهداء للرحم من المشركين] اه.
وعن مجاهد: أن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه، ذبحت له شاة في أهله، فلما جاء قال: أهديتم لجارنا اليهودي؟ أهديتم لجارنا اليهودي؟ سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «مَا زَالَ جِبْرِيلُ يُوصِينِي بِالْجَارِ، حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ» أخرجه البخاري في "الأدب المفرد"، وأبو داود الترمذي في "السنن" وحسنه. وأخرجه الخرائطي في "مكارم الأخلاق" بلفظ: "يا غلامُ! إذا سلختَ فابدأ بجارنا اليهوديِّ" حتى قال ذلك مرارًا.
وأخرج الخطيب البغدادي في "تاريخ بغداد" (15/ 444، ط. دار الغرب الإسلامي، بيروت) بسنده أن النعمان بن المرزبان، أَبُو ثابت أهدى لعلي بن أبي طالب عليه السلام الفالوذج في يوم النيروز، فقال: "نَوْرِزُونَا كُلَّ يَوْمٍ"، وقيل: كان ذلك في المهرجان، فقال: "مَهْرِجُونَا كل يوم".
وذكر هذا الأثرَ جمعٌ من الأئمة والعلماء في كتبهم، محتجِّين به؛ كالعلامة أبي زكريا السلماسي في "منازل الأئمة الأربعة" (ص: 164، ط. مكتبة الملك فهد الوطنية)، والشيخ جار الله الزمخشري في "ربيع الأبرار ونصوص الأخيار" (1/ 40، ط. مؤسسة الأعلمي، بيروت)، والإمام أبي الفرج ابن الجوزي في "صيد الخاطر" (ص 41، ط. دار القلم، دمشق)، والعلامة المؤرخ ابن خلكان الإربلي في "وفيات الأعيان" (5/ 405، ط. دار صادر، بيروت)، والحافظ المزي في "تهذيب الكمال" (29/ 423، ط. مؤسسة الرسالة، بيروت)، والحافظ الذهبي في "سير أعلام النبلاء" (6/ 395، ط. مؤسسة الرسالة)، والإمام بدر الدين العيني في "مغاني الأخيار" (3/ 121، ط. دار الكتب العلمية، بيروت)، والشيخ تقي الدين الغزي في "الطبقات السنية في تراجم الحنفية"، والإمام أبي العون السفاريني الحنبلي في "غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب" (2/ 134، ط. مؤسسة قرطبة، مصر)، والشيخ محمد عبد الحي الكتاني في "الترتيب الإدارية" (2/ 104، ط. دار الأرقم، بيروت).
وقد فهم علماء الإسلام من هذه الأحاديث والآثار وغيرها أن التهادي بين المسلمين وغير المسلمين مستحبٌّ من جهتين: فهي من باب الإحسان، وهي من سُنَّةُ النبي صلى الله عليه وآله وسلم:
قال الإمام السرخسي في "شرح السير الكبير" (1/ 96-97، ط. الشرقية): [صلة الرحم محمود عند كل عاقل وفي كل دين، والإهداء إلى الغير من مكارم الأخلاق، وقال صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الْأَخْلَاق»، فعرفنا أن ذلك حسنٌ في حق المسلمين والمشركين جميعًا] اه.
ومن أوضح الأدلة وآكدها على مشروعية التهادي واستحباب تبادل الهدايا: أن الشرع الشريف قد أمر برد التحية بأحسن منها إن لم يكن بمثلها، فقال تعالى: ﴿وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا﴾ [النساء: 86]، فلما أجاز الشرع للمسلم قَبولَ هدية غير المسلم، كان ذلك مستلزمًا في المقابل مشروعيةَ رد المسلم له ما يكافئ هديتَه؛ على سبيل المجازاة والعدل، أو استحباب إهدائه هديةً أحسن من هديته؛ على سبيل الإحسان والفضل.
قال الإمام السمرقندي في تفسيره "بحر العلوم" (1/ 373، ط. دار الكتب العلمية): [يعني: إذا أُهدِيَ إليكم بهدية، فكافئوا بأفضلَ منها أو مثلها، وهذا التأويل ذُكِر عن أبي حنيفة] اه.
ويدل على ذلك قوله تعالى: ﴿هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ﴾ [الرحمن: 60].
وإذا كان غير المسلم متدينًا بدين يأمره برد الإحسان بالإحسان، ومقابلة البر بالبر، وتلقي العطاء بالعطاء، فإن الإسلام لا يزيد ذلك إلا خلقًا وسماحةً وكرمًا؛ فإذا كان للمسلم حقٌّ في أن تُردَّ تحيتُه، وتُجازَى هديتُه، فإن حقَّ غير المسلم أوجب، ومقابلة إحسانه آكد، ورد هديته أدعى. كما سبق عن ابن عمر رضي الله عنهما في تقديم حق جواره على غيره، والبدء به قبل الجار المسلم، وكما ذكره الفقهاء في مشروعية رد السلام عليه إذا سَلَّم على المسلم، وفي زيادة إثم من ظلمه على إثم من ظلم مسلمًا؛ لمكان ذمة الله تعالى وذمة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم وذمة دين الإسلام.
وبناءً على ذلك: فالأصل في العلاقة بين المسلمين وغيرهم هو التعايش والتكامل والتعارف والتعاون، والإسلام هو دين السلام والرحمة والبر والصلة، وقد أمر الله تعالى بالإحسان إلى الخلق كافة، والتهادي بين الناس هو من أعظم مظاهر الإحسان والبر، ومن أكثر ما يورث التآلف والصفاء، فهو مستحب على وجه العموم؛ لا فرق في ذلك بين مسلم وغير مسلم، بل هو في حق غير المسلم آكد استحبابًا وأشد مشروعية؛ من جهة أنه إحسان للإنسان، وأنه من السنة، وقد ثبت ذلك بالنصوص الشرعية من القرآن الكريم في التعامل بالبر والصلة، ورد التحية بالتحية، ومقابلة الهدية بالهدية، ومجازاة الإحسان بالإحسان، وفي السنة النبوية الشريفة من الأمر بمكافأة صاحب الهدية، وقبول النبي صلى الله عليه وآله وسلم الهدايا من غير المسلمين، وأمره بذلك، وإثابتهم عليها، واشتهر ذلك من فعل الصحابة رضي الله عنهم؛ حتى كانوا يقدمون حق غير المسلم في الجوار ويبدأون به، ونص الفقهاء على عظم حق غير المسلم، وأنه ظلمه أشد جرمًا، ونص جماعة منهم على مشروعية رد السلام عليهم، فيُستَحبُّ التهادي وتُشرَع المجاملات الحسنة في الأعياد والأفراح والمناسبات بين المسلمين وغيرهم؛ لما في ذلك من إرساء روابط التَّآخي والتَّآلف، وبث روح الوطنية والتَّكاتف.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.