محافظ الغربية يتابع استعدادات طنطا والمحلة وسمنود لأعياد الربيع وشم النسيم    أسعار الأسمنت اليوم الاثنين 6-5-2024 في محافظة قنا    2.849 تريليون جنيه.. خبراء يعربون عن تخوفهم من رفع التمويل المطلوب بالموازنة العامة 2024/2025    إزالة 164 إعلان مخالف وتقنين 58 آخرين بكفر الشيخ    انهيار المفاوضات.. حماس: نتنياهو يعيش أوهام التهديد بغزو رفح    مارشينياك حكما لمواجهة ريال مدريد ضد بايرن ميونيخ في دوري أبطال أوروبا    الغندور يعلق على خسارة الزمالك أمام سموحة    تمارا نادر السيد: لقطتي أنا وشقيقي بصالة الأهلي طبيعية.. ودور مرتجي دليل على الروح الرياضية    أهلي جدة في اختبار صعب أمام الهلال في كلاسيكو الدوري السعودي.. اليوم    القبض على مطرب المهرجانات عصام صاصا بعد دهس مواطن بسيارته أعلى الدائري    موعد عيد الأضحى لعام 2024: تحديدات الفلك والأهمية الدينية    مصرع سيدة أسفل عجلات سيارة ميكروباص بمنطقة النزهة    الفنانة نور قدري تعلق على أزمة نجلها الصحية (صورة)    فنان العرب في أزمة.. قصة إصابة محمد عبده بمرض السرطان وتلقيه العلاج بفرنسا    بعد نفي علماء الآثار نزول سيدنا موسى في مصر.. هل تتعارض النصوص الدينية مع العلم؟    المستشفيات التعليمية تعقد المؤتمر السنوى لمعهد الكلى والمسالك البولية    توافد المواطنين على حدائق القناطر للاحتفال بشم النسيم (صور)    ذكرى رحيل صالح سليم.. الأب الروحي للقلعة الحمراء    شوبير يكشف أسباب خسارة الزمالك أمام سموحة    مقترح برلماني بإطلاق بوابة إلكترونية لتسهيل إجراءات التصالح في مخالفات البناء    انتصار السيسي: عيد شم النسيم يأتي كل عام حاملا البهجة والأمل    واشنطن بوست: مدير المخابرات المركزية الأمريكية توجه إلى قطر    حشيش ب14 مليون جنيه.. ضبط صفقة مخدرات ضخمة بجنوب سيناء    إصابة شابين في حادث بالشرقية    قيادات إسرائيل تحيي ذكرى المحرقة.. ونتنياهو: حماس لديها نفس نية النازيين    التعليم تختتم بطولة الجمهورية للمدارس وتعلن النتيجة    فى شم النسيم.. الذهب يرتفع 10 جنيهات وجرام 21 يسجل 3090    خبير أثري: فكرة تمليح السمك جاءت من تحنيط الجثث عند المصريين القدماء (فيديو)    في ذكرى ميلادها.. محطات فنية في حياة ماجدة الصباحي    ولو بكلمة أو نظرة.. الإفتاء: السخرية من الغير والإيذاء محرّم شرعًا    تعرف على أسعار البيض اليوم الاثنين بشم النسيم (موقع رسمي)    رئيسة المفوضية الأوروبية: سنطالب بمنافسة "عادلة" مع الصين    أشجار نادرة وجبلاية على شكل الخياشيم.. استعدادات حديقة الأسماك لشم النسيم    توافد المواطنين على حدائق القناطر للاحتفال بشم النسيم .. صور    إيران تدرب حزب الله على المسيرات بقاعدة سرية    مفاضلة بين زيزو وعاشور وعبد المنعم.. من ينضم في القائمة النهائية للأولمبياد من الثلاثي؟    كولر يضع اللمسات النهائية على خطة مواجهة الاتحاد السكندرى    يستفيد منه 4 فئات.. تحديث النظام الإلكتروني لترقية أعضاء هيئة التدريس بالجامعات    أول تعليق من الأزهر على تشكيل مؤسسة تكوين الفكر العربي    طقس إيداع الخميرة المقدسة للميرون الجديد بدير الأنبا بيشوي |صور    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاثنين 6-5-2024    قصر في الجنة لمن واظب على النوافل.. اعرف شروط الحصول على هذا الجزاء العظيم    هل يجوز قراءة القرآن وترديد الأذكار وأنا نائم أو متكئ    الرئيس البرازيلي: التغير المناخي سبب رئيس للفيضانات العارمة جنوبي البلاد    نصائح لمرضى الضغط لتناول الأسماك المملحة بأمان    عصير سحري تناوله بعد الفسيخ والرنجة.. تعرف عليه    وزيرة الهجرة: نستعد لإطلاق صندوق الطوارئ للمصريين بالخارج    "ماتنساش تبعت لحبايبك وصحابك".. عبارات تهنئة عيد الأضحى المبارك 2024 قصيرة للأحباب    دقة 50 ميجابيكسل.. فيفو تطلق هاتفها الذكي iQOO Z9 Turbo الجديد    مع قرب اجتياحها.. الاحتلال الإسرائيلي ينشر خريطة إخلاء أحياء رفح    البحوث الفلكية تكشف موعد غرة شهر ذي القعدة    طبيب يكشف عن العادات الضارة أثناء الاحتفال بشم النسيم    تعاون مثمر في مجال المياه الإثنين بين مصر والسودان    الجمهور يغني أغنية "عمري معاك" مع أنغام خلال حفلها بدبي (صور)    قادة الدول الإسلامية يدعون العالم لوقف الإبادة ضد الفلسطينيين    بيج ياسمين: عندى ارتخاء فى صمامات القلب ونفسي أموت وأنا بتمرن    تعزيز صحة الأطفال من خلال تناول الفواكه.. فوائد غذائية لنموهم وتطورهم    لفتة طيبة.. طلاب هندسة أسوان يطورون مسجد الكلية بدلا من حفل التخرج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حرب الغاز.. البقاء للأقوى
معركة جديدة على وارداته إلى أوروبا
نشر في بوابة أخبار اليوم يوم 14 - 11 - 2021

لايزال الغاز وقودًا يشعل صراعًا.. دافعًا قويًا لإثارة العنف.. سلاحًا لتأجيج الخلافات وإحدى أدوات الضغط السياسية؛ نظراً لدوره الحيوى فى الاقتصاد العالمي. خلال القرن 21 بات الغاز من بين مصادر القوة والنفوذ الاستراتيجى لبعض الدول، وإضعاف اقتصادى لدول أخرى.. فهو السلاح المؤثر فى رسم ملامح نظام جديد، رغم تحولات الاقتصادات الغنية إلى الطاقة النظيفة، إلا أنه لا يزال أداة للهيمنة الجيوسياسية فى حدوث صراع بين الدول المتنافسة للسيطرة على طرق الغاز وتأمين خطوط وممرات النقل.
شهدت العقود الثلاثة الأخيرة عدداً من الحروب والنزاعات التى كانت الطاقة، العامل المشترك الأكبر بينها. ففى جميع أنحاء المعمورة، تأتى الصراعات العرقية والانقسامات الدينية كوقود سياسى لإشعال المعارك بهدف الحصول على النفط والغاز الطبيعى والسيطرة على كل مصادر الطاقة حول العالم؛ ومجدداً يعاد تشكيل المشهد الجيوسياسى فى العالم بسبب الطلب المتزايد على موارد الطاقة من القوى الصاعدة. أينما تنظر، فإن العالم يشتعل مع صراعات جديدة قديمة متضاعفة؛ سواء كان من خلال الحرب بالأسلحة، أو الحرب الباردة، أو حتى عن طريق نهج الطرق الدبلوماسية. فهناك الكثير من خطوط الغاز غيرت خريطة العالم الاستراتيجية، باعتبارها إحدى أدوات الحرب الباردة بين الدول الكبرى.
المأزق الأوروبى
يبدو أن جبهة باردة جديدة قد تشتعل بين الاتحاد الأوروبى وروسيا فيما يتعلق بأزمة الطاقة وخاصة الغاز. حيث تواجه أوروبا أزمة نقص غير مسبوقة فى إمدادات الغاز، التى تعد الأخطر منذ عقود، يقابلها فى الناحية الأخرى مستفيدون من ارتفاعات أسعار الغاز العالمية، من جانب الدول المصدرة. لقد كشف نقص الغاز فى أوروبا نفوذ روسيا المتزايد على أسواق الطاقة العالمية، حيث تلعب موسكو الآن دورًا رئيسيًا فى كل شيء من مفاوضات أوبك إلى صادرات الفحم إلى الصين. لقد برزت روسيا، كأكبر مصدر للغاز فى العالم ومصدر لأكثر من ثلث الغاز فى أوروبا. ومنذ أشهر، اتهم خبراء الطاقة روسيا بوقف شحنات الغاز الطبيعى الإضافية إلى أوروبا عبر أوكرانيا من أجل الضغط على بروكسل لتسريع خط أنابيب التصدير الجديد على بحر البلطيق، انورد ستريم 2ب. وتوضح مجلة افورين بوليسىب الأمريكية كيف تستخدم موسكو نفوذها فى هذا المجال حيث يمتلك الكرملين أحد مفاتيح حل مشكلة الطاقة فى القارة العجوز، التى تمر بمخاض أزمة تبدو تاريخية وذلك بسبب ارتفاع أسعار الغاز بنحو 400% منذ بداية العام، بالتزامن مع تراجع مخزونات دول القارة إلى أقل مستوى منذ عقد من الزمان. وقد اتهم البعض روسيا- التى توفر 35% من واردات الاتحاد الأوروبى من الغاز - باستخدام الطاقة كسلاح. لم يساعد اقتراح السفير الروسى لدى الاتحاد الأوروبى، افلاديمير تشيزوفب، مؤخرًا فى تهدئة الوضع بوجود صلة بين إمدادات الغاز وسلوك أوروبا، ملمحًا إلى أن نقص الغاز يمكن حله إذا توقفت دول القارة عن معاملة روسيا على أنها خصم.
موقف موسكو
وفى مؤتمر للطاقة فى موسكو منتصف الشهر الماضى، قال الرئيس الروسى فلاديمير بوتين: إن الاتهامات بأن بلاده تتعمد منع الغاز عن أوروبا اليست سوى اتهامات ذات دوافع سياسية ولا أساس لها من الصحةب. وتأتى رسائل بوتين بعد اتهام أوكرانيا موسكو باستخدام الغاز اكسلاح جيوسياسىب وسط أزمة الطاقة، بما فى ذلك إجبار ألمانيا على منح الموافقة النهائية لخط أنابيب غاز انورد ستريم 2ب متجاوزة أوكرانيا والإضرار بها كرسوم تدفق الغاز الروسى إلى أوروبا. ويشير بعض الخبراء إلى تقديرات وكالة الطاقة الدولية الخاصة بشركة الغاز العملاقة الروسية اغازبرومب، التى يمكنها زيادة توافر الغاز فى أوروبا ألا تتباطأ. فيما رد بوتين مشيرًا إلى أن شركة اغازبرومب قد أرسلت بالفعل 10% من الغاز إلى أوروبا هذا العام أكثر مما كانت عليه فى نفس الفترة من عام 2020. وزاد إجمالى صادرات الغاز من روسيا إلى أوروبا بنسبة أكثر من 15%، إذ أخذ فى الاعتبار الغاز الطبيعى المسال (LNG) من شبه جزيرة ايامالب. ورغم ذلك لايزال الأوروبيون يجادلون بأن أزمة الطاقة الحالية فى القارة هى خطأ شركة غازبروم بالكامل.
وساهمت عاصفة من العوامل السلبية فى تفاقم الأزمة فى أوروبا، بما فى ذلك التغيرات المناخية، وارتفاع الطلب على الغاز الطبيعى المسال فى آسيا، وقلة طاقة الرياح، وانخفاض حاد فى إنتاج الغاز الأوروبى المحلى. لكن تظل الأسئلة الرئيسية مطروحة: لماذا لا تضخ روسيا المزيد، فى ظل وجود طاقة استيعابية كبيرة لخط الأنابيب؟ هل تعمد لحجب الغاز عن الأسواق الأوروبية؟ وإذا كان الأمر كذلك، فما الذى يريد الكرملين تحقيقه؟ وللإجابات على هذه الأسئلة، وفقًا للباحث الروسى األكسندر جابوفب فى مركز كارنيجى فى موسكو، يجب أن نأخذ فى الاعتبار عوامل السوق والجغرافيا السياسية. حيث يعتبر تعامل موسكو مع أزمة الطاقة فى أوروبا إجراءً صعبًا لتحقيق التوازن، لا نظرًا لأن الروس يريدون تحقيق ثلاثة أهداف؛ وهى التأكد من أن بلادهم نفسها لديها ما يكفى من الغاز فى التخزين لفصل الشتاء، وتسهيل الموافقة السريعة على نورد ستريم 2، وحرمان أوكرانيا من أرباح إضافية من نقل الغاز الروسى الإضافى إلى أوروبا. حيث يمر خط الغاز ايامال - أوروباب عبر أراضى 4 دول وهي؛ روسيا وبيلاروسيا وبولندا وألمانيا، والطاقة الاستعابية للخط 32٫9 مليار متر مكعب من الغاز سنوياً.
وأوضحت شركة غازبروم، التى تحتكر صادرات الغاز عبر خطوط الأنابيب، أنها بحاجة إلى إعطاء الأولوية لإعادة ملء مرافق التخزين المحلية الخاصة بها، والتى قالت إنها استنفدت منذ الشتاء الماضى. ويرجع البعض تقليص إمدادات الغاز إلى أوروبا إلى سبب آخر؛ وهو حريق فى محطة معالجة الغاز انوفى يورنجويب فى أوائل أغسطس. تُظهر البيانات المتاحة أن شركة غازبروم بحاجة فعلاً إلى تجديد مخزونها المحلى من الغاز بعد شتاء روسى طويل وبارد. لذلك تبنت الشركة سياسة ملء الاحتياطيات المحلية مع خدمة التزاماتها التعاقدية فى أوروبا، ولكن دون تسليم أى شحنات إضافية. أدى هذا الحد الأقصى لإمدادات الغاز من الشركة، إلى جانب الطلب الآسيوى القوى الذى دفع موردى الغاز الطبيعى المسال إلى تحويل شحناتهم إلى هناك، إلى تقلص الإمدادات للسوق الأوروبية. هناك قدر كبير من الطاقة الفائضة فى نظام نقل الغاز فى أوكرانيا، الذى تم بناؤه خلال الحقبة السوفيتية لضخ الغاز من غرب سيبيريا إلى أوروبا.
ما وراء الخطوط!
ومنذ العقد الأول من القرن الحادى والعشرين، بعد أن قاومت أوكرانيا المحاولات الروسية لشراء خطوط أنابيب الغاز الخاصة بها، اختار الكرملين بناء خطوط أنابيب تتجاوز أوكرانيا، مثل اتركستريمب، لنقل الغاز من حقول الغاز الروسية القديمة إلى جنوب أوروبا عبر تركيا - بهدف مزدوج يتمثل فى التحايل على أوكرانيا وتعزيز علاقة موسكو بأنقرة. وبدأ تشغيل تركستريم عام 2020، ما منح خط الأنابيب تركيا وروسيا نفوذاً أكبر على القارة الأوروبية حيث إن لهما طريقًا مباشرًا إلى جنوب أوروبا، ويمكنهم أيضًا التحكم فى تدفق الغاز إلى هذه المنطقة. وفى غضون ذلك، حرمت تركستريم أوكرانيا ومولدوفا من عائدات النقل.
ومثال آخر على تأجج الصراع على خطوط الغاز، هناك خط انورد ستريم 1 و2ب، المملوكة لرجلى الأعمال أركادى روتنبرج وجينادى تيمشينكو، وهما صديقان لبوتين أُضيف اسماهما إلى قائمة العقوبات الأمريكية فى مارس 2014 بعد ضم شبه جزيرة القرم. وفى أواخر عام 2019، وقعت شركة انافتوجازب الأوكرانية عقدًا لنقل الغاز مع شركة غازبروم حتى عام 2024. ويلزم العقد الشركة الأخيرة بضخ ما لا يقل عن 40 مليار متر مكعب من الغاز عبر أوكرانيا كل عام بدءًا من العام الجارى، ويجب أن تدفع تعويضا مقابل هذه السعة إذا لم تحققها. يمكن لشركة غازبروم شراء سعة إضافية فى مزاد شهرى بسعر أعلى. وفى اجتماعه مع المسئولين الروس فى مجال الطاقة فى أكتوبر الماضى، أوضح بوتين أن بلاده لا تريد شحن غاز إضافى عبر خطوط الأنابيب الأوكرانية. وقال إن زيادة هذه الإمدادات ليس له معنى اقتصاديًا لشركة غازبروم، لأن التكاليف ستكون أعلى أيضًا، ومن الأرخص بكثير إمداد الغاز باستخدام خطوط الأنابيب الجديدة، مما يوفر حوالى 3 مليارات دولار سنويًا. وترى مجلة افورين بوليسىب أن موسكو لا تريد أن تجنى كييف أرباحًا إضافية، فهناك خطوات أساسية من قبل الكرملين لجعل الحياة صعبة على كييف وزيادة نفوذه على أوكرانيا، لذا استخدام الغاز كسلاح ضدها.
فك الترابط
وفى الوقت نفسه، تحاول روسيا دفع وكالة الشبكة الفيدرالية فى ألمانيا والمفوضية الأوروبية لإعطاء الموافقة النهائية التى لا تزال عالقة لبدء عمليات انورد ستريم 2ب بشكل أسرع. وبدأت غازبروم بالفعل فى ملء خط الأنابيب بالغاز، إلا أن الأمر الذى سيستغرق بضعة أشهر أخرى لإنهاء الإجراءات والموافقات الروتينية المتبقية قبل بدء ضخ 1٫5 مليار متر مكعب من الغاز إلى ألمانيا، لمساعدة أوروبا فى تخفيف الأزمة. وستحتاج برلين وبروكسل إلى الاتفاق على المقدار الذى يمكن أن تستخدمه غازبروم من انورد ستريم 2ب، لأن لوائح الطاقة فى الاتحاد الأوروبى تنص على انفصال أعمال نقل الغاز عن الإنتاج والمبيعات، وهى العملية المعروفة باسم افك الترابطب. قواعد توجيه الغاز هذه غير مقبولة لشركة غازبروم؛ لأنها ليست مؤسسة تجارية. وبدلاً من ذلك، فهى وزارة الغاز المسئولة عن سياسة الطاقة الداخلية والخارجية للكرملين، مهمتها هى تحقيق الهيمنة على الطاقة الأوروبية من خلال سيطرتها على حركة مرور الغاز من شرق أوروبا وجنوبها.
وتحاول روسيا أيضًا دفع أوروبا إلى نقل جزء من مشترياتها إلى منصة جديدة لتجارة الغاز عبر الإنترنت فى سانت بطرسبرج؛ فالانتقال إلى سانت بطرسبرج من مراكز تجارة الغاز الأوروبية مثل ميناء اروتردامب الهولندى من شأنه أن يمنح شركة غازبروم والشركات الروسية الأخرى المزيد من القوة السوقية، ويمكنهم جنى الأرباح من تشغيل مركز تجارة الغاز نفسه. كما سيضاعف الكرملين جهوده للانخراط فى السيطرة التنظيمية، وإنشاء شركات وهمية لتلبية متطلبات الفصل، والدخول فى صفقات سرية لإبعاد الدول الأصغر عن أى إجماع أوروبي، من أجل ترسيخ روسيا لهيمنتها.
ابتزاز أوروبا
ووفقًا لصحيفة اذا هيلب الأمريكية فى يوليو الماضي، وافق الرئيس الأمريكى اجو بايدنب والمستشارة الألمانية المنتهية ولايتها اأنجيلا ميركلب على إعادة فرض العقوبات إذا استخدم بوتين الغاز اكسلاح جيوسياسىب. وشكلت هذه الاتفاقية تنازلاً مقابل تراجع بايدن عن العقوبات المفروضة على انورد ستريم 2ب، مما سمح بإكمال إنشائه. وكانت ميركل قد ضمنت بالفعل استمرار شحنات الغاز عبر أوكرانيا، وهو تعهد مشكوك فيه من سياسى ترك منصبه. وعلى الرغم من تأكيدات بايدن وميركل، استمر الكرملين فى ابتزاز أوروبا وجعلها رهينة شركة غازبروم التى تحتكر الغاز الروسي. يهدف ابتزاز بوتين إلى فرض التصديق السريع على خط أنابيب نورد ستريم 2 التابع لشركة غازبروم من خلال توصيل كميات أقل من الغاز إلى أوروبا. هدف بوتين النهائى؛ تدمير سوق الطاقة التنافسى فى الاتحاد الأوروبى. على الرغم من أن بوتين يستخدم الغاز كسلاح، فإن العقوبات التى وعد بها بايدن وميركل لا يمكن رؤيتها؛ ما يعد مثالا آخر على ضعف سياسة بايدن الخارجية ودعم ميركل الثابت اللعمل كالمعتادب مع روسيا. ومع استكمال خط أنابيب انورد ستريم 2ب، اتخذت روسيا خطوة عملاقة نحو تحقيق هدفها المتمثل فى الهيمنة على سوق الغاز فى أوروبا. حيث يستبدل نورد ستريم 2 بالكامل شبكات التوزيع التقليدية عبر أوكرانيا وبيلاروسيا وبولندا. بالاقتران مع نورد ستريم 1 وساوث ستريم الحاليين، تستعد روسيا للاستحواذ على ما يقرب من نصف طلب أوروبا على الغاز. ليس من المستغرب أن تخوض روسيا حربًا ضد الاتحاد الأوروبى ومؤسساته. فيما حذرت بقية أوروبا، وخاصة أوروبا الشرقية، من نورد ستريم 2 كوسيلة للقضاء على نقل الغاز عبر أوكرانيا. لذا فإن نقاط الضعف التى كشفت عنها أزمة الطاقة أظهرت أن روسيا ستظل لاعباً قوياً فى مشهد الطاقة فى الاتحاد الأوروبى لفترة طويلة قادمة.
وهناك تعاون آخر بين الروس ومنغوليا من خلال مشروع خط أنابيب الغاز الطبيعى اسويوز فوستوكب الذى يهدف إلى نقل الغاز من غرب سيبيريا الروسى إلى الصين عبر منغوليا. وتتوقع شركة غازبروم الروسية أن تبدأ البناء عام 2022. إذا حصلت على الضوء الأخضر سيصبح خط الأنابيب أكبر مشروع مشترك بين روسيا ومنغوليا منذ الحقبة السوفيتية؛ لدى روسيا والصين خيار بناء خط أنابيب غاز من غرب سيبيريا مباشرة إلى غرب الصين عبر جبال ألتاي. ومع ذلك، فإن المسار المنغولى سيجلب الغاز مباشرة إلى مناطق الصين التى تحتاج إلى الغاز.
تركيا تعانى
فيما استيقظ الأتراك على ارتفاع كبير فى أسعار الغاز الطبيعى فى مطلع الشهر الحالي، وهو الأحدث فى سلسلة من الزيادات فى أسعار الطاقة؛ حيث ارتفع سعر الغاز الطبيعى المستخدم فى محطات توليد الكهرباء بنسبة 46٫8% وسعر الغاز المستخدم فى المنشآت الصناعية بنسبة 48٫4%. تعتمد تركيا اعتماداً كبيراً على مصادر الطاقة الأجنبية، فهى تستورد ما يقرب من 98% من الغاز. على عكس البلدان الأخرى، لم يكن الدافع وراء ارتفاع الأسعار فى تركيا هو الارتفاع الطفيف فى أسعار الطاقة العالمية فحسب، بل أيضًا بسبب الانخفاض الكبير فى قيمة الليرة التركية. فقدت العملة قرابة 7% من قيمتها مقابل الدولار فى أكتوبر وحده، بحسب بيانات البنك المركزي. وستزود أذربيجان تركيا ب 11 مليار متر مكعب من الغاز حتى نهاية عام 2024، وفقًا للاتفاقية التى تم توقيعها الشهر الماضي، جزء من جهود تركيا لتلبية احتياجات السكان من الغاز، والتى ستزداد مع الشتاء المقبل؛ فالتنقيب عن الغاز هو أولوية للحكومة التركية، التى تستمر بشكل مثير للجدل فى عملياتها فى أجزاء من شرق البحر الأبيض المتوسط بالقرب من قبرص والجزر اليونانية المتنازع عليها تاريخياً. وقد تسبب ذلك فى حدوث نزاعات عديدة ومتباينة بين اليونان وتركيا والتى وصلت ذروتها فى أغسطس 2020.
ومن ناحية أخرى، هناك حالة من قلق تسود إسبانيا حول امتلاكها ما يكفى من الغاز لتدفئة المنازل هذا الشتاء مع إغلاق خط الأنابيب الرئيسى وتخطيط الجزائر لوقف الشحنات عبر خط أنابيب غاز-المغرب-أوروبا (GME) ، الذى ينقل نحو 10 مليارات متر مكعب سنويًا. ويعتبر خط الأنابيب، الذى يمر بالمغرب قبل عبوره البحر الأبيض المتوسط عند مضيق جبل طارق، ضحية لأزمة العلاقات بين الجزائر والمغرب؛ من غير المرجح تجديد عقد خط الأنابيب، مما يهدد أحد مصادر الغاز الرئيسية لإسبانيا. كان لإغلاق خط أنابيب الغاز فى الأول من نوفمبر تداعيات مباشرة على إسبانيا حيث كان الطريق مصدرًا رئيسيًا للإمداد لأكثر من عقدين. يمر خط الأنابيب أيضًا عبر المغرب ، الذى احتفظ بجزء من الغاز مقابل السماح للخط بالعمل عبر أراضيه. استخدم المغرب الغاز لإنتاج حوالى 12% من كهرباء البلاد. ويُنظر إلى خط أنابيب اميدغازب على أنه بديل، مما سيسمح للجزائر بالتخلص من الوسطاء؛ اميدغازب هو ثانى خط أنابيب يمتد مباشرة بين الجزائر وإسبانيا تحت البحر الأبيض المتوسط. يمكن أن تحمل ثمانية مليارات متر مكعب سنويًا، ويمكن زيادتها لتصل سعتها إلى 10٫5 مليار متر مكعب فى الأعمال المخطط لها. كما تقترح الجزائر زيادة شحنات الغاز الطبيعى المسال عن طريق البحر. فيما قال خبير الطاقة فى مركز أبحاث Elcano فى مدريد اجونزالو إسكريبانوب، مع القيود التقنية التى تحد من المصادر البديلة وخطر زيادة الأسعار، تجد إسبانيا انفسها فى وضع معقدب حتى لو كان اخطر النقص محدودًاب؛ نظرًا لان البلاد تعتمد على الجزائر فى نصف احتياجاتها من الغاز الطبيعي.
وفى ذروة الحرب التجارية عام 2019 ، قطعت الصين تقريبًا واردات الولايات المتحدة من الغاز الطبيعى المسال. اليوم، تشترى الصين غازًا من الولايات المتحدة أكثر من أى وقت مضى. ويعد هذا التحول أحد نتائج النقص العالمى فى الطاقة الذى أدى إلى ارتفاع الأسعار. وهى نتيجة جهود الصين لخفض انبعاثات الكربون عن طريق تقليل كمية الفحم الذى تحرقه، وفقًا لصحيفة اوول ستريت جورنالب الأمريكية.
موقف الصين
كما يعمل طريق الحرير أيضًا كقناة مهمة للتجارة فى الموارد والطاقة؛ ثلاثة خطوط أنابيب لنقل الغاز الطبيعى من تركمانستان إلى الصين، وخط رابع يمر عبر أوزبكستان وطاجيكستان وقيرغيزستان قيد الإنشاء. أصبحت تركمانستان أكبر مورد للغاز للصين، حيث أعلنت فى يونيو الماضى أنها سددت قروضًا بقيمة 8 مليارات دولار من بكين. فيما سجلت إمدادات الغاز إلى الصين عبر خط أنابيب غاز سيبيريا رقمًا قياسيًا جديدًا فى نهاية الشهر الماضى وكانت أعلى من الالتزامات اليومية بأكثر من 19%، وفقًا لتقارير غازبروم. وتأتى قوة سيبيريا كأكبر نظام لنقل الغاز فى شرق روسيا لإمدادات الغاز للمستهلكين الروس فى الشرق الأقصى والصين. وتبلغ الطاقة التصديرية لخط الأنابيب 38 مليار متر مكعب من الغاز سنويًا. كما زودت غازبروم الروسية الصين ب 4٫1 مليار متر مكعب من الغاز عام 2020. ووفقًا للجمارك الصينية لشهر يناير 2021، تبين أن خط أنابيب غاز سيبيريا الأرخص بالنسبة للمستهلكين الصينيين 118٫5 دولارًا لكل ألف متر مكعب. وفى بداية عام 2021، باعت تركمانستان غازها للصين بسعر 187 دولارًا لكل ألف متر مكعب، وكازاخستان بسعر 162 دولارًا، وأوزبكستان بسعر 151 دولارًا، وميانمار بسعر 352 دولارًا. أيضًا فى عام 2019 ، بدأت روسيا فى توريد الغاز المسال إلى الصين لأول مرة - كجزء من مشروع نوفاتيك يامال للغاز الطبيعى المسال. وفى عام 2020، تضاعف حجم الإمدادات، حيث وصل إلى 5 ملايين طن (أى ما يقرب من 6٫7 مليار متر مكعب من الغاز عبر خطوط الأنابيب) بقيمة 1٫72 مليار دولار. هذا ليس مركزًا رائدًا بعد، حيث تحتل روسيا المرتبة السادسة فقط بين مصدرى الغاز الطبيعى المسال إلى الصين، لكنها بالفعل باتت احتياطيا خطيرا للمستقبل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.