أعلن إيمانويل ماكرون في خطابه الإثنين الماضي، أن إلزامية تقديم الشهادة الصحية في أماكن مخصصة للثقافة والترفيه ستدخل حيز التطبيق في 21 يوليو الجاري في فرنسا. والهدف من هذه الخطوة الجديدة، حسب الرئيس الفرنسي، هو دفع المترددين إلى أخذ اللقاح ضد فيروس كورونا من جهة والتصدي لظهور موجة رابعة للوباء في الخريف المقبل من جهة أخرى، لكن ما هي الدول الأوروبية التي اتخذت نفس القرارات وكيف يؤثر ذلك على حملات التلقيح؟ "الشهادة الصحية لن تكون عامل تفرقة بين الفرنسيين. كما أنها لن تكون إلزامية من أجل الدخول إلى أماكن الثقافة والترفيه في فرنسا"، هذا ما قاله إيمانويل ماكرون في شهر أبريل الماضي للصحافة، رافضا بشكل قوي فكرة إجبار الناس على تقديم ما يسمى بالشهادة الصحية للدخول إلى بعض الأماكن. لكن بعد مرور شهرين وأمام تنامي السلالة المتحورة "دلتا" في البلاد، غيّر ماكرون من موقفه وتراجع عن أقواله. ابتداء من 21 يوليو الجاري، ستكون الشهادة الصحية التي تثبت بأن حاملها قد تلقى جرعتين من اللقاح ضد وباء كوفيد-19 إلزامية لكل من يريد الدخول إلى الأماكن الترفيهية والثقافية التي تضم أكثر من 50 شخصا. سيصبح أيضا من اللازم تقديم نفس الشهادة ابتداء من شهر أغسطس حتى من أجل شرب فنجان قهوة أو تناول وجبة غذاء في مطعم أو التسوق. من جهة أخرى، أصحاب المقاهي والمطاعم وأماكن الترفيه مطالبون أيضا بالتحقق بأن الزبائن الذين يقصدون محلاتهم قد تلقوا جرعتين من اللقاح المضاد لفيروس كورونا أو عليهم إبراز فحص سلبي للفيروس على ألا تتعدى صلاحيته 48 ساعة. وفي حال لم يحترموا هذه الإجراءات الاحترازية، فهم معرضون لدفع غرامة مالية قد تصل إلى 45000 يورو والسجن سنة واحدة، وفق مشروع قانون جديد تقوم الحكومة بإعداده. هذا، ووصف بعض الفرنسيين على مواقع التواصل الاجتماعي قرار ماكرون فرض الشهادة الصحية للحيلولة دون تنامي الإصابات بالمتحورة "دلتا" ب"الدكتاتورية الصحية". فيما خرج حوالي 20 ألف شخص في مظاهرات عفوية الأربعاء الماضي بباريس "تنديدا بقرارات" الرئيس الفرنسي وباسم "الحرية". لكن ليست فرنسا البلاد الوحيدة االتي أقرت فرض مثل هذه الإجراءات، بل يخضع مواطنون من دول أوروبية مجاورة لنفس القيود. الدانمارك فرض الشهادة الصحية منذ مايو الماضي غالبية الدول الأوروبية لا تشترط تقديم الشهادة الصحية إلا في بعض الفعاليات التي يشارك فيها عشرات المئات من الناس. لكن الوضع تطور قليلا إذ أصبحت حكومات عديدة تفرض هذه الشهادة من أجل الدخول إلى أماكن "عادية" كالمقاهي وقاعات السينما والمطاعم. وكان الدانمارك البلد الأول الذي فرض الشهادة الصحية التي أطلق عليها اسم "كورونا باس"، فسكان هذا البلد مطالبون بتقديم هذه الشهادة أو أي فحص طبي يثبت بأنهم غير مصابين بوباء كوفيد-19 وذلك قبل الدخول إلى المطاعم وأماكن الترفيه في البلاد. نفس الخطوة اتبعتها أيضا حكومة النمسا منذ شهرين على الأقل حيث أصبحت تشترط على مواطنيها تقديم الشهادة الصحية قبل الالتحاق بأماكن الترفيه حيث يتجمع الكثير من الناس. وفي دول أخرى من الاتحاد الأوروبي، الشهادة الصحية غير مطلوبة في جميع المناطق، ففي ألمانيا مثلا السلطات الإقليمية هي التي تقرر فرض أم لا هذه الشهادة وذلك وفقا لنسبة تنامي الفيروس في كل منطقة. أما في البرتغال الذي يجذب عددا كبير من السياح الفرنسيين، فالشهادة الصحية مطلوبة فقط في الأماكن التي تشهد ارتفاعا كبيرا لوباء كوفيد-19 فيما ينحصر هذا الإجراء الوقائي على أيام نهاية عطلة الأسبوع فقط. وفي لوكسمبورج، أظهرت سلطات البلاد نوع من الليونة باعتبار أن بعض أماكن الترفيه والمقاهي لا تشترط تقديم الشهادة الصحية، لكن المواطنين مطالبون باحترام بعض إجراءات الوقاية كالتباعد الاجتماعي وارتداء الكمامات الواقية وغسل الأيدي. أما في اليونان الذي يعج بالسياح في فصل الصيف، تفكر سلطات هذا البد في تشديد إجراءات الوقاية. فابتداء من اليوم لغاية نهاية شهر أغسطس، كل الفاعلين الاقتصاديين وملاك الأماكن المغلقة، كقاعات السينما والمطاعم وقاعات المسرح والمقاهي، إلخ، لن يستقبلوا إلا الأشخاص الذين تلقوا جرعتين من اللقاح المضاد لكوفيد-19. رفع من وتيرة حملة التطعيم هذا، وتشير بعض الإحصائيات إلى أن البلدان التي فرضت على مواطنيها تقديم الشهادة الصحية قبل الدخول إلى المقاهي والمطاعم كالنمساوالدانمارك توصلت إلى نسب مرتفعة في التلقيح. ففي النمسا مثلا، بلغت نسبة التلقيح 43 بالمئة مقابل 41 بالمئة في الدانمارك. أما في فرنسا، فلم تتجاوز هذه النسبة 36,5 بالمئة، أي أقل بكثير أيضا من إسبانيا التي قامت بتلقيح 45 بالمئة من مواطنيها. هذا، وتسعى الحكومة الفرنسية مع سن القيود الجديدة إلى رفع عدد الناس الذين يتلقون اللقاح عبر إقناع المترددين بالقيام بذلك. كما تنوي أن تتدارك التأخر الذي عرفته حملة التلقيح مقارنة بجيرانها الأوربيين. وحسب موقع "دكتوليب" المخصص لحجز المواعيد الطبية، فأكثر من مليوني شخص أخذوا مواعيد من أجل تلقي أول جرعة من اللقاح منذ يوم الإثنين الماضي، وهو تاريخ إلقاء ماكرون لخطابه الأخير. لكن في نفس الوقت، يخشى إيف كوبيترس، الأستاذ في الصحة العامة بالجامعة الحرة ببرووكسل أن تتراجع أعداد الذين يريدون تلقي اللقاح في الأيام القليلة المقبلة. وقال لفرانس24 "طبعا رهن المشاركة في النشاطات الاجتماعية والرياضية بتلقي اللقاح ضد كوفيد-19 سيدفع العديد من الناس إلى القيام بهذا الخيار. لكن هذه الوقاية هي وقاية سلبية ومحتمة"، وأضاف "في مجال الصحة العامة، ندرك أن مثل هذه الخيارات ستأتي بثمارها لكن على مدى فترة زمنية محددة فقط، فالذين لا يريدون تلقي اللقاح لن يقوموا بذلك. لذا يتوجب القيام بحملة توعوية إيجابية ترتكز على إقناع الناس بضرورة التلقيح مع تقديم كل المعطيات الطبية لهم والتفسيرات الواضحة، دون غموض".