استقرار أسعار الذهب عالميً اليوم الأربعاء 22 مايو 2024    وزير الإسكان يتابع موقف مشروعات مياه الشرب والصرف الصحي الجاري تنفيذها بالتعاون مع شركاء التنمية    «القومي لحقوق الإنسان»: مطالبة مدعي «الجنائية الدولية» باعتقال نتنياهو شهادة على جرائم إسرائيل    الوكالة اللبنانية للإعلام: مقتل اثنين في غارة إسرائيلية على جنوبي لبنان    ليفركوزن يسعى لمواصلة تحطيم الأرقام القياسية.. ماذا قدم في مبارياته أمام أتالانتا؟    عبر تليجرام.. تداول امتحان العلوم لطلاب الشهادة الإعدادية بالجيزة    هكذا تظهر دنيا سمير غانم في فيلم "روكي الغلابة"    أزمات وشائعات طاردت زوجة محمد صلاح    5 أسباب رئيسية للإصابة بالربو ونصائح للوقاية    أسعار الدواجن اليوم 22 مايو 2024    التأخيرات المتوقعة لبعض القطارات اليوم بالسكة الحديد    الطالب الحاصل على جائزة «المبدع الصغير» 2024 في الغناء: أهدي نجاحي لوالدتي    اليوم.. «اتصالات النواب» تناقش موازنة الهيئة القومية للبريد للعام المالي 2024-2025    رابط نتيجة الصف السادس الابتدائي 2024 الترم الثاني جميع المحافظات والخطوات كاملة    تفاصيل الحالة المرورية اليوم.. كثافات في شارعي رمسيس والهرم (فيديو)    طريقة عمل العجة المصرية، لفطار سريع وبأقل التكاليف    توافد طلاب أولى ثانوى بالجيزة على اللجان لأداء الكيمياء في آخر أيام الامتحانات    ما حكم ذبح الأضحية في البلاد الفقيرة بدلا من وطن المضحي؟    دبلوماسي سابق: الإدارة الأمريكية تواطأت مع إسرائيل وتخطت قواعد العمل الدبلوماسي    المفتي: نكثف وجود «الإفتاء» على مواقع التواصل.. ونصل عن طريقها للشباب    جدول مساحات التكييف بالمتر والحصان.. (مساحة غرفتك هتحتاج تكييف كام حصان؟)    فضل يوم النحر وسبب تسميته بيوم الحج الأكبر    «حديد عز» بعد الانخفاض الكبير.. أسعار الحديد والأسمنت اليوم الأربعاء 22 مايو 2024    الأزهر ينشئ صفحة خاصة على «فيسبوك» لمواجهة الإلحاد    رئيس نادي إنبي يكشف حقيقة انتقال محمد حمدي للأهلي    قرار جديد من الاتحاد الإفريقي بشأن نهائي أبطال إفريقيا    أرقام تاريخية.. كبير محللي أسواق المال يكشف توقعاته للذهب هذا العام    سيارة انفينيتي Infiniti QX55.. الفخامة الأوروبية والتقنية اليابانية    مأساة غزة.. استشهاد 10 فلسطينيين في قصف تجمع لنازحين وسط القطاع    عاجل.. حلمي طولان يصب غضبه على مسؤولي الزمالك بسبب نهائي الكونفدرالية    اليوم.. ختام مهرجان إيزيس الدولي لمسرح المرأة بحضور إلهام شاهين وفتحي عبد الوهاب    أترك مصيري لحكم القضاء.. أول تعليق من عباس أبو الحسن على اصطدام سيارته بسيدتين    افتتاح أول مسجد ذكي في الأردن.. بداية التعميم    دراسة: 10 دقائق يوميا من التمارين تُحسن الذاكرة وتزيد نسبة الذكاء    نشرة التوك شو| تفاصيل جديدة عن حادث معدية أبو غالب.. وموعد انكسار الموجة الحارة    جوميز: لاعبو الزمالك الأفضل في العالم    ذبح مواطن في الطريق العام.. النقض تنظر طعن سفاح الإسماعيلية على حكم إعدامه    روسيا تبدأ تدريبا لمحاكاة إطلاق أسلحة نووية تكتيكية    دبلوماسي سابق: ما يحدث في غزة مرتبط بالأمن القومي المصري    عاجل.. مسؤول يكشف: الكاف يتحمل المسؤولية الكاملة عن تنظيم الكونفدرالية    جوميز: عبدالله السعيد مثل بيرلو.. وشيكابالا يحتاج وقتا طويلا لاسترجاع قوته    ب1450 جنيهًا بعد الزيادة.. أسعار استخراج جواز السفر الجديدة من البيت (عادي ومستعجل)    حظك اليوم برج العقرب الأربعاء 22-5-2024 مهنيا وعاطفيا    «الثقافة» تعلن القوائم القصيرة للمرشحين لجوائز الدولة لعام 2024    وثيقة التأمين ضد مخاطر الطلاق.. مقترح يثير الجدل في برنامج «كلمة أخيرة» (فيديو)    إيرلندا تعلن اعترافها بدولة فلسطين اليوم    الإفتاء توضح أوقات الكراهة في الصلاة.. وحكم الاستخارة فيها    النائب عاطف المغاوري يدافع عن تعديلات قانون فصل الموظف المتعاطي: معالجة لا تدمير    "رايح يشتري ديكورات من تركيا".. مصدر يكشف تفاصيل ضبط مصمم أزياء شهير شهير حاول تهريب 55 ألف دولار    الأرصاد: الموجة الحارة ستبدأ في الانكسار تدريجياً يوم الجمعة    بينهم طفل.. مصرع وإصابة 3 أشخاص في حادث تصادم سيارتين بأسوان    بالصور.. البحث عن المفقودين في حادث معدية أبو غالب    أبرزهم «الفيشاوي ومحمد محمود».. أبطال «بنقدر ظروفك» يتوافدون على العرض الخاص للفيلم.. فيديو    موعد مباراة أتالانتا وليفركوزن والقنوات الناقلة في نهائي الدوري الأوروبي.. معلق وتشكيل اليوم    خبير في الشأن الإيراني يوضح أبرز المرشحين لخلافه إبراهيم رئيسي (فيديو)    إزاى تفرق بين البيض البلدى والمزارع.. وأفضل الأنواع فى الأسواق.. فيديو    قبل قدوم عيد الأضحى.. أبرز 11 فتوى عن الأضحية    هل ملامسة الكلب تنقض الوضوء؟ أمين الفتوى يحسم الجدل (فيديو)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إريش فْرِيد وحرية «فتح الفم» فى «المسألة الإسرائيلية»
مئة عام على مولد الشاعر النمساوى اليهودى
نشر في بوابة أخبار اليوم يوم 25 - 05 - 2021


سمير ‬جريس
‮«‬منذ ‬أن ‬مارست ‬فاشية ‬هتلر ‬جرائم ‬القتل ‬بحق ‬اليهود، ‬تولد ‬فى ‬أوروبا ‬الغربية ‬شعور ‬جماعى ‬بالذنب ‬له ‬أسبابه ‬المفهومة ‬– ‬وكثيراً ‬ما ‬أدى ‬هذا ‬الشعور ‬إلى ‬امتناع ‬المرء ‬عن ‬توجيه ‬أى ‬نقد ‬لليهود، ‬وفى ‬الوقت ‬ذاته ‬ساوى ‬الناس ‬بلا ‬أدنى ‬تفكير ‬بين ‬اليهود ‬والصهاينة‮»‬"‬
قائل ‬أو ‬كاتب ‬هذه ‬الكلمات ‬هو ‬الشاعر ‬النمساوى، ‬اليهودى، ‬إريش ‬فريد ‬Erich Fried، ‬الذى ‬يضيف ‬فى ‬هذا ‬السياق: ‬‮«‬إننى ‬لا ‬أشعر ‬بالتضامن ‬مع ‬كل ‬المشردين ‬والمضطهدين ‬الأبرياء ‬فحسب، ‬وإنما ‬أيضا ‬بشىء ‬من ‬الاشتراك ‬فى ‬المسئولية ‬تجاه ‬ما ‬يرتكبه ‬يهود ‬إسرائيل ‬ضد ‬الفلسطينيين ‬وباقى ‬العرب‮»‬.‬
هكذا ‬كان ‬إريش ‬فريد، ‬واضحا، ‬حادا، ‬لا ‬يخشى ‬توجيه ‬النقد ‬إلى ‬الآخرين، ‬ولا ‬يخشى ‬أن ‬توجه ‬التهم ‬إليه. ‬كان ‬فريد ‬من ‬القلائل ‬فى ‬المنطقة ‬الألمانية ‬الذين ‬تجرأوا ‬على ‬انتقاد ‬إسرائيل ‬بكل ‬وضوح، ‬بل ‬وتبدو ‬بعض ‬قصائده ‬وكأنها ‬تعليق ‬على ‬ما ‬يحدث ‬الآن ‬فى ‬فلسطين، ‬رغم ‬أنه ‬كتبها ‬قبل ‬نحو ‬خمسين ‬عاما. ‬
فى ‬السادس ‬من ‬مايو ‬احتفت ‬الأوساط ‬الأدبية ‬فى ‬المنطقة ‬الألمانية ‬بذكرى ‬ميلاده ‬قبل ‬مئة ‬عام، ‬وهو ‬الذى ‬كان ‬أحد ‬أبرز ‬الأصوات ‬الشعرية ‬فى ‬سنوات ‬الحركة ‬الطلابية ‬فى ‬ألمانيا. ‬ومثلما ‬كان ‬الطلبة ‬فى ‬مصر ‬يرددون ‬أشعار ‬أمل ‬دنقل ‬المتمردة ‬فى ‬السبعينيات، ‬لم ‬تكن ‬تخلو ‬مظاهرة ‬طلابية ‬ألمانية ‬فى ‬ستينيات ‬القرن ‬الماضى ‬من ‬أبيات ‬لإريش ‬فريد ‬يرددها ‬الطلبة ‬أو ‬يكتبونها ‬على ‬المنشورات ‬السياسية، ‬لاسيما ‬من ‬ديوانه ‬الشهير "‬وفيتنام ‬و..." ‬المنتقد ‬للسياسة ‬الأمريكية ‬فى ‬فيتنام. ‬
أثارت ‬أشعار ‬إريش ‬فْرِيد ‬السياسية ‬جدل ‬النقاد ‬والقراء ‬فى ‬ألمانيا، ‬لخروجه ‬عن ‬البلاغيات ‬المألوفة ‬للشعر ‬من ‬ناحية، ‬ولانتهاكه ‬المحرمات ‬السياسية ‬من ‬ناحية ‬أخرى، ‬وخاصة ‬عندما ‬تحول ‬إلى ‬انتقاد ‬إسرائيل ‬انتقادا ‬مباشرا، ‬لاذعا ‬وحاد ‬اللهجة ‬بعد ‬حرب ‬1967، ‬متهما ‬الحكومة ‬الإسرائيلية ‬بأنها ‬تحولت ‬تدريجيا ‬من "‬حكومة ‬قمع" ‬إلى "‬حكومة ‬مجرمين"‬، ‬كما ‬قال ‬فى ‬إحدى ‬قصائده. ‬كتب ‬إريش ‬فْرِيد ‬آنذاك ‬قصيدة ‬طويلة ‬عنوانها: "‬اسمعى ‬يا ‬إسرائيل"‬، ‬حذر ‬فيها ‬الإسرائيليين ‬من ‬الأيديولوجية ‬الصهيونية ‬التى ‬بدّلت ‬الأدوار، ‬وحولت ‬ضحايا ‬النازية ‬بالأمس ‬إلى ‬قتلة ‬اليوم. ‬وفى ‬عام ‬1974 ‬أصدر ‬كتاباً ‬يحمل ‬العنوان ‬ذاته، ‬ضمنه ‬إلى ‬جانب "‬اسمعى ‬يا ‬إسرائيل" ‬قصائد ‬أخرى ‬تتابع ‬جرائم ‬دولة ‬إسرائيل ‬منذ ‬إنشائها، ‬بالإضافة ‬إلى ‬قصيدة ‬مترجمة ‬للشاعر ‬العبرى ‬موردخاى ‬آفى ‬شاول. ‬يضم ‬الكتاب ‬أيضاً ‬نصوصاً ‬لبعض ‬الصهاينة، ‬تركها ‬فريد ‬كما ‬هى، ‬مثل ‬نصوص ‬هرتزل؛ ‬كل ‬ما ‬فعله - ‬كى ‬يبرز ‬ما ‬بها ‬من ‬عنصرية - ‬أن ‬قطّع ‬سطورها ‬لتبدو ‬كأبيات ‬قصائد، ‬وذلك ‬حتى ‬يقف ‬القارئ ‬أمام ‬الكلمات ‬متأملاً. ‬
يقول ‬الشاعر ‬فى ‬مقطع ‬من ‬قصيدة ‬‮«‬اسمعى ‬يا ‬إسرائيل‮»‬: ‬
"‬راقبتم ‬جلاديكم ‬وتعلمتم ‬منهم ‬
الحرب ‬الخاطفة ‬والجرائم ‬الوحشية ‬الفعالة / (....)‬
عندما ‬كنتم ‬مُضَطهَدين ‬كنتُ ‬واحداً ‬منكم ‬
كيف ‬أظل ‬جزءاً ‬منكم ‬عندما ‬تضطهدون ‬الآخرين؟"‬
أما ‬فى ‬قصيدة "‬الخلفاء" ‬فيقول:‬
لأن ‬قتلة ‬فاشيين ‬طردوا ‬يهوداً ‬
ينبغى ‬الآن ‬على ‬قتلة ‬فاشيين ‬أن ‬يَغتالوا ‬فلسطينيين ‬أبرياء ‬
من ‬مقتل ‬يهود ‬أوروبا ‬بالطريقة ‬نفسها ‬
التى ‬اُغتيل ‬بها ‬اليهود ‬آنذاك. (...)‬
ولأن ‬يهوداً ‬ويساريين ‬يسمون ‬ما ‬يحدث ‬جنوناً ‬
ولا ‬يريدون ‬أن ‬يعاونوا ‬القتلة ‬يُطلِق ‬الصهاينةُ ‬
على ‬هؤلاء ‬اليساريين "‬نازيين" ‬وعلى ‬اليهود ‬المعادين ‬للفاشية ‬
وصف "‬اليهود ‬المعادين ‬للسامية" ‬و"‬خونة ‬ذويهم".‬
‮«‬يهودى ‬كاره ‬لليهود‮»‬
أثار ‬نشر ‬هذه ‬القصائد ‬– ‬مثلما ‬يمكن ‬أن ‬نتوقع - ‬ردود ‬فعل ‬عنيفة ‬داخل ‬ألمانيا ‬وخارجها، ‬كما ‬توالت ‬على ‬الشاعر ‬أبشع ‬الاتهامات؛ ‬فبالإضافة ‬إلى ‬التهمة ‬المعتادة ‬فى ‬تلك ‬الحالات، ‬تهمة "‬معاداة ‬السامية"‬، ‬اتُهم ‬بأنه "‬يهودى ‬كاره ‬لليهود"‬، ‬وقد ‬بدت ‬كلتا ‬التهمتين ‬مضحكتين ‬عندما ‬توجهان ‬إلى ‬شاعر ‬يهودى ‬لم ‬ينج ‬عدد ‬من ‬أفراد ‬عائلته ‬من ‬الهولوكوست، ‬ولم ‬ينج ‬هو ‬إلا ‬بالهرب ‬من ‬النمسا. ‬أُتهم ‬فريد ‬أيضا ‬بالتجديف ‬وتحريف ‬الكتاب ‬المقدس، ‬وبأنه "‬مُدافع ‬عن ‬هتلر"‬، ‬إلى ‬آخر ‬تلك ‬القائمة. ‬لذا ‬لم ‬يكن ‬سهلاً ‬على ‬إريش ‬فْرِيد - ‬كما ‬يذكر ‬فى ‬مقدمة ‬ديوانه "‬اسمعى ‬يا ‬إسرائيل" - ‬نشر ‬تلك ‬القصائد. ‬ولم ‬يواجه ‬فريد ‬هذا ‬الهجوم ‬من ‬تيار ‬اليمين ‬أو ‬من ‬اللوبى ‬الإسرائيلى ‬فحسب، ‬بل ‬أيضا ‬من ‬بعض ‬كتاب ‬اليسار ‬الذين ‬اعتبروا ‬نظرته "‬قاصرة" ‬و"‬أحادية" ‬واتهموا ‬قصائده ‬السياسية ‬بالمباشرة ‬وغياب ‬جماليات ‬الشعر؛ ‬ومن ‬هؤلاء ‬مثلاً ‬الروائى ‬اليسارى ‬جونتر ‬جراس ‬الذى ‬هاجم ‬فريد ‬فى ‬أحد ‬اجتماعات "‬جماعة ‬47" ‬الأدبية. ‬من ‬ناحية ‬أخرى ‬انحاز ‬بعض ‬الشعراء ‬المهمين ‬لصوت ‬إريش ‬فريد ‬ورسالته ‬السياسية، ‬ومنهم ‬هانز ‬ماجنوس ‬إنتسنسبرجر.‬
إقصاء ‬ديوان "‬اسمعى ‬يا ‬إسرائيل" ‬من ‬مسيرة ‬الشاعر ‬أمر ‬تكرر ‬كثيرا ‬فى ‬حياة ‬الشاعر ‬وبعد ‬وفاته. ‬وإذا ‬تصفحنا ‬سيرة ‬إريش ‬فريد ‬على ‬موقع "‬ويكيبيديا" ‬الألمانى ‬مثلا ‬لما ‬وجدنا ‬حرفا ‬عن ‬هذا ‬الديوان. ‬وكذلك ‬عندما ‬نطالع ‬كتاب ‬الناقد ‬المشهور ‬فولكر ‬فايدرمان "‬سنوات ‬ضوئية" ‬عن ‬تاريخ ‬الأدب ‬الألمانى، ‬نجد ‬أنه ‬فى ‬كلامه ‬عن ‬إريش ‬فريد ‬لا ‬يذكر ‬ديوان "‬اسمعى ‬يا ‬إسرائيل" ‬بكلمة.‬
كان ‬إريش ‬فريد ‬معتادا ‬منذ ‬شبابه ‬على ‬انتهاك ‬المحرمات ‬السياسية ‬بشجاعة، ‬إذ ‬نكأ ‬الجرح ‬النازى ‬فى ‬ألمانيا ‬قبل ‬أن ‬يندمل، ‬ثم ‬هاجم ‬السياسة ‬الألمانية ‬فى ‬الستينيات ‬لأنها ‬غضت ‬الطرف ‬عن ‬الجرائم ‬العسكرية ‬التى ‬تمارسها ‬الحليفة ‬أمريكا (‬آنذاك ‬فى ‬فيتنام ‬ونيكاراجوا)‬، ‬ولأنها ‬مارست ‬إرهاب ‬الدولة ‬فى ‬السبعينيات ‬فى ‬مواجهة ‬إرهاب ‬مجموعات ‬اليسار ‬المتطرف. ‬ومَن ‬يقرأ ‬سيرته، ‬أو ‬ذكرياته ‬عن ‬السنوات ‬التى ‬قضاها ‬طفلا ‬فى ‬فيينا ‬والتى ‬صدرت ‬تحت ‬عنوان "‬وكنا ‬نضحك ‬أحيانا"‬، ‬يعرف ‬أنه ‬تعلم ‬مبكرا ‬ضرورة "‬فتح ‬الفم" ‬مثلما ‬يقول ‬فى ‬عنوان ‬أحد ‬دواوينه، ‬لكى ‬يعترض ‬على ‬الظلم ‬الذى ‬يمتلئ ‬به ‬العالم. ‬ويحكى ‬فريد ‬فى ‬سيرته ‬حكاية ‬شديدة ‬الدلالة ‬حدثت ‬فى ‬أحد ‬أيام ‬صيف ‬عام ‬1927، ‬أى ‬عندما ‬كان ‬فى ‬السادسة ‬من ‬عمره: ‬كان ‬فريد ‬بصحبة ‬أمه ‬فى ‬جولة ‬للتسوق ‬فى ‬شوارع ‬فيينا، ‬ورأى ‬الجموع ‬تتظاهر ‬احتجاجاً ‬على ‬حكم ‬أصدرته ‬المحكمة ‬العليا ‬بتبرئة ‬مجموعة ‬من ‬الإرهابيين ‬اليمينيين ‬الذين ‬قتلوا ‬شخصين. ‬لتفرقة ‬المتظاهرين ‬قامت ‬قوات ‬الشرطة ‬بإطلاق ‬الرصاص، ‬مما ‬تسبب ‬فى ‬مقتل ‬وإصابة ‬عدد ‬كبير ‬من ‬المواطنين ‬العزل. ‬كان ‬الطفل ‬إريش ‬شاهد ‬عيان ‬على ‬ذلك ‬اليوم - ‬15/‬7/‬1927 - ‬الذى ‬أُطلق ‬عليه ‬فيما ‬بعد "‬يوم ‬الجمعة ‬الدامي". ‬فى ‬العام ‬ذاته، ‬ومع ‬احتفالات ‬عيد ‬ميلاد ‬المسيح، ‬نظمت ‬المدرسة ‬احتفالاً ‬كبيراً ‬كُلِفَ ‬فيه ‬إريش ‬بإلقاء ‬بعض ‬القصائد. ‬قبل ‬أن ‬يصعد ‬الطفل ‬على ‬خشبة ‬المسرح ‬تناهى ‬إلى ‬سمعه ‬أن ‬رئيس ‬شرطة ‬فيينا ‬يجلس ‬بين ‬الحاضرين، ‬فانتهز ‬الفرصة ‬ووقف ‬أمام ‬الناس ‬قائلا ‬بكل ‬ثقة ‬إنه ‬يعتذر ‬عن ‬عدم ‬تلاوة ‬قصيدة ‬عيد ‬الميلاد، ‬وذلك ‬لوجود ‬رئيس ‬الشرطة، ‬الدكتور ‬شوبر، ‬بين ‬الحاضرين. ‬واسترسل ‬فريد ‬وحكى ‬عما ‬شاهده ‬فى ‬شوارع ‬فيينا ‬يوم ‬الجمعة ‬الدامى. ‬عندئذ ‬انتفض ‬رئيس ‬الشرطة ‬غاضباً ‬وغادر ‬القاعة، ‬فعاد ‬الطفل ‬إلى ‬المسرح ‬وقال: "‬الآن ‬يمكننى ‬أن ‬أتلو ‬قصيدتي". ‬
"‬الإرهاب ‬هو ‬ما ‬يفعله ‬الفلسطينيون"‬؟
بعد ‬الحرب ‬العالمية ‬الثانية ‬حاول ‬إريش ‬فْرِيد ‬الرد ‬على ‬السؤال ‬الملح: ‬كيف ‬يمكن ‬إبداع ‬شعر ‬بلغة ‬النازيين ‬القتلة؟ ‬فى ‬محاولة ‬للرد ‬على ‬السؤال ‬اتجه ‬فْرِيد ‬إلى ‬الشعر ‬السياسى ‬المباشر ‬الذى ‬يهتم ‬بالمضمون ‬ويتخلى ‬عمداً ‬عن ‬التزويق ‬والمحسنات ‬البديعية ‬والاستعارات ‬البلاغية. ‬فى ‬قصائده ‬يتساءل ‬فريد ‬عن ‬المعنى ‬الحقيقى ‬للكلمات، ‬وعما ‬إذا ‬كانت ‬اللغة ‬تزيد ‬من ‬وعى ‬الإنسان ‬بواقعه، ‬أم ‬تزيف ‬الوعى ‬وتؤدى ‬أحيانا ‬إلى ‬فقدانه؛ ‬لذا ‬نجده ‬يكرر ‬فى ‬عديد ‬من ‬قصائده ‬الكلمة ‬الواحدة ‬لكشف ‬الاستخدام ‬الشائع ‬لها ‬الذى ‬يبتعد ‬كثيراً ‬– ‬فى ‬أحيان ‬عديدة - ‬عن ‬معناها ‬الحقيقى. ‬لنتمعن ‬مثلاً ‬فى ‬استخدامه ‬لمفردة "‬السلام" ‬فى ‬قصيدته: "‬بعد ‬اتفاقية ‬بين ‬السادات ‬والصهاينة": ‬
"‬السلام ‬الذى ‬ليس ‬سلاماً ‬توسط ‬فيه ‬صانع ‬سلام ‬
ليس ‬بصانع ‬سلام ‬بين ‬خليفةٍ ‬ناصر ‬
وهو ‬ليس ‬بخليفة ‬ناصر ‬وبين ‬ديمقراطية ‬
ليست ‬ديمقراطية (....) ‬يأتى ‬بصلحٍ ‬
ما ‬هو ‬بصلح ‬ويعد ‬بمستقبل ‬
ما ‬هو ‬بمستقبل ‬ويريد ‬أن ‬يوقظ ‬أملاً ‬
ما ‬هو ‬بالأمل ‬فى ‬فلسطين ‬
ما ‬هى ‬بفلسطين. ‬الظلم ‬يظل ‬ظلماً ‬
عنصرية ‬الصهاينة ‬تظل ‬عنصرية ‬
المشردون ‬يظلون ‬مشردين ‬
وقراهم ‬المدمرة ‬تظل ‬مدمرة ‬
وقضيتهم ‬العادلة ‬تظل ‬عادلة ‬
وأملهم ‬يظل ‬هو ‬الأمل.‬
وفى ‬قصيدة ‬أخرى ‬بعنوان ‬‮«‬بعض ‬منها‮»‬ ‬يتوقف ‬الشاعر ‬أمام ‬كلمة ‬‮«‬حوادث‮»‬ ‬و«إرهاب‮»‬، ‬ويقول ‬متهكماً ‬بعد ‬أن ‬يعدد ‬الجرائم ‬التى ‬ارتكبتها ‬القوات ‬الإسرائيلية ‬فى ‬دير ‬ياسين ‬وكفر ‬قاسم ‬وبحر ‬البقر: ‬
حوادث ‬كلها ‬مجرد ‬حوادث ‬
الإرهاب ‬هو ‬ما ‬يفعله ‬الفلسطينيون.‬
ونشير ‬فى ‬الختام ‬إلى ‬تحول ‬الشاعر ‬فى ‬الثمانينيات ‬إلى ‬أشعار ‬الحب ‬التى ‬حققت ‬شعبية ‬كبيرة ‬فى ‬المنطقة ‬الألمانية (‬يمكن ‬مقارنتها ‬بشعبية ‬أشعار ‬نزار ‬قبانى ‬وسهولتها)‬، ‬وفى ‬غضون ‬سنوات ‬خمس ‬سجلت ‬مبيعات ‬أشعاره ‬العاطفية ‬أرقاماً ‬قياسياً ‬لم ‬يشهدها ‬سوق ‬الشعر ‬الألمانى ‬من ‬قبل. ‬ومن ‬دواوينه ‬العاطفية: ‬‮«‬قصائد ‬حب‮»‬ ‬و«البحث ‬عن ‬قريب‮»‬ ‬و«الكائن ‬هو ‬ما ‬يكون‮»‬. ‬كما ‬لمع ‬اسمه ‬مترجما، ‬وتعتبر ‬ترجماته ‬لشكسبير ‬من ‬أفضل ‬المقاربات ‬للغة ‬الشاعر ‬الإنجليزى. ‬وربما ‬بسبب ‬هذا ‬النجاح ‬المدوى ‬عرف ‬الشاعر ‬التكريم ‬فى ‬آخر ‬سنوات ‬حياته، ‬بعد ‬أن ‬تجاهلته ‬الجوائز ‬الأدبية ‬طويلاً، ‬فنال ‬جوائر ‬عديدة، ‬من ‬أهمها ‬جائزة ‬غيورغ ‬بوشنر، ‬أرفع ‬الأوسمة ‬الأدبية ‬فى ‬المنطقة ‬الألمانية.‬


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.