ملكٌ يدعو لك

بقلم واعظة

للدعاء شأن عظيم، ونفعه عميم، ومكانة عالية فى الدين، يجلب النعم ويدفع النقم، وشهر رمضان فرصة عظيمة يتقرب فيها العبد من ربه بالطاعات، ومن هذه الطاعات الدعاء، فقد ختم الله سبحانه وتعالى آيات الصيام فى القرآن الكريم بالدعاء بقوله تعالي: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِى عَنِّى فَإِنِّى قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِى وَلْيُؤْمِنُوا بِى لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ)(البقرة:186).
فرمضان موسم عظيم لاستجابة الدعاء، يدعو الناس لأنفسهم جميع الدعوات طمعًا فى استجابتها، ولكن الكثير منهم يغفل عن دعوةٍ تكون سببًا فى استجابة جميع الدعوات، ألا وهى الدعوة بظهر الغيب؛ بمعنى أنك تدعو لإخوانك وصحبِك وهم لا يعلمون، وهذا أدعى للإخلاص وعدم الرياء، فالدعاء بظهر الغيب سبب فى تسخير ملك يكون معك ويدعو لك كما ورد فى الحديث؛ عن أبى الدرداء أَنَّ رسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم كانَ يقُولُ: «دَعْوةُ المرءِ المُسْلِمِ لأَخيهِ بِظَهْرِ الغَيْبِ مُسْتَجَابةٌ، عِنْد رأْسِهِ ملَكٌ مُوكَّلٌ كلَّمَا دَعَا لأَخِيهِ بخيرٍ قَال المَلَكُ المُوكَّلُ بِهِ: آمِينَ، ولَكَ بمِثْلٍ» رواه مسلم.
فأنت إذا دعوت لإخوانك وأصدقائك وجيرانك بخير؛ دعا لك ملكٌ نقى القلب صافى السريرة لا يعصى الله أبدًا، دعاؤه مستجاب عند الله، دعا لك بمثل ما دعوت لأهلك وجيرانك وإخوانك، فتكون دعوة الملك لك سبب فى سرعة الاستجابة.
والدعاء بظهر الغيب يشمل الأحياء والأموات، فقد قال الله تعالى فى كتابه العزيز: (وَالَّذِينَ جَاءُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِى قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ)(الحشر:10)، وَكان بعض السلَف إِذا أَراد أَنْ يدعُو لِنفسِهِ يدعو لِأَخيه المسلم بتِلك الدعوة؛ لِأَنها مستجابة، ويحصل له مثله.
ما أجمل أن نرجع إلى هذه السُنة المنسية، ونتذكر أصدقاءنا الأحياء والأموات - لا سيما ونحن فى شهر رمضان - وندعو لكل واحد منهم بما نظن أنه محتاجٌ إليه، فيستجيب الله لمن دعوت له، ويتحقق لنا الخير مثل الذى دعونا به لهم.
إن من أفضل النعم وأجمل ما فى الدنيا، أن يكون لك صديقٌ يدعو لك بظهر الغيب وأنت لا تعلم، فيصلح الله لك جميع أحوالك بسبب دعوته.