معركة التنمية    الأوقاف تعلن أسماء القراء المشاركين في الختمة المرتلة بمسجد السيدة زينب    «المدارس الكاثوليكية».. وبناء الإنسان    المقاطعة فرض عين    تعرف على أعلى خمسة عشر سلعة تصديراً خلال عام 2023    محافظ المنيا يوجه بمتابعة الالتزام بمواعيد العمل الصيفية بدءاً من اليوم الجمعة    استمرار مجازر الاحتلال وعدد الضحايا يتجاوز 111 ألفا    جماهير الأهلي تزين مدرجات استاد القاهرة قبل مواجهة مازيمبي.. صور    كلوب يعلق على تراجع المستوى التهديفي ل محمد صلاح: أحاول مساعدته    بيراميدز يهزم الزمالك برباعية ويتوج بدوري الجمهورية    بالصور | سقوط أعمدة الضغط العالي بقنا بسبب الطقس السيء    التعليم في أسبوع | إنشاء 8236 مدرسة منذ 2014 حتى الآن.. الأبرز    أحمد السقا يشوق جمهوره بمقطع فيديو جديد من «السرب»| فيديو    سيد رجب: شاركت كومبارس في أكثر من عمل    السينما الفلسطينية و«المسافة صفر»    "ذكرها صراحة أكثر من 30 مرة".. المفتي يتحدث عن تشريف مصر في القرآن (فيديو)    وكيل وزارة الصحة بأسيوط يفاجئ المستشفيات متابعاً حالات المرضى    ميار شريف تضرب موعدًا مع المصنفة الرابعة عالميًا في بطولة مدريد للتنس    محافظ المنوفية: 25 فاعلية ثقافية وفنية خلال أبريل لتنمية المواهب الإبداعية    مجلس أمناء العربي للثقافة الرياضية يجتمع بالدوحة لمناقشة خطة 2025    وكيل خطة النواب : الحوار الوطني فتح الباب لتدفق الأفكار    شركة GSK تطرح لقاح "شينجريكس" للوقاية من الإصابة بالحزام الناري    رئيس «كوب 28» يدعو لتعزيز التعاون الدولي لتنفيذ اتفاق الإمارات التاريخي    «مياه دمياط»: انقطاع المياه عن بعض المناطق لمدة 8 ساعات غدًا    استمرار فعاليات البطولة العربية العسكرية للفروسية    مواعيد الصلاة في التوقيت الصيفي بالقاهرة والمحافظات.. وكيف يتم تغيير الساعة على الموبايل؟    استقالة متحدثة أمريكية اعتراضًا على حرب إسرائيل في قطاع غزة    مصرع طفل «غرقا» إثر سقوطه في مصرف ري زراعي بالفيوم (تفاصيل)    45 ألف فلسطيني يؤدون صلاة الجمعة بالمسجد الأقصى    طائرة مسيرة إسرائيلية تستهدف سيارة في البقاع الغربي شرقي لبنان    الأمم المتحدة للحق في الصحة: ما يحدث بغزة مأساة غير مسبوقة    إيران والصين تتفقان على تعاون عسكري أوثق    البيت الأبيض يواصل مساعيه للإفراج عن المحتجزين فى قطاع غزة رغم رفض حماس    يحيى الفخراني: «لولا أشرف عبدالغفور ماكنتش هكمل في الفن» (فيديو)    إقبال كثيف على انتخابات أطباء الأسنان في الشرقية (صور)    تعرف على فضل أدعية السفر في حياة المسلم    تعرف على فوائد أدعية الرزق في حياة المسلم    «أرض الفيروز» تستقبل قافلة دعوية مشتركة من «الأزهر والأوقاف والإفتاء»    مواعيد صرف منحة عيد العمال للعمالة غير المنتظمة    الإسكان: 20 ألف طلب لتقنين أراضى توسعات مدينة الشروق    بداية من الغد.. «حياة كريمة» تعلن عن أماكن تواجد القوافل الطبية في 7 محافظات جديدة    أرتيتا: لاعبان يمثلان صداع لي.. ولا يمكننا السيطرة على مانشستر سيتي    عاجل| مصدر أمني: استمرار الاتصالات مع الجانب الإسرائيلي للوصول لصيغة اتفاق هدنة في غزة    بعد حادث شبرا الخيمة.. كيف أصبح الدارك ويب السوق المفتوح لأبشع الجرائم؟    التربية للطفولة المبكرة أسيوط تنظم مؤتمرها الدولي الخامس عن "الموهبة والإبداع والذكاء الأصطناعي"    مزارع يقتل آخر في أسيوط بسبب خلافات الجيرة    فعاليات وأنشطة ثقافية وفنية متنوعة بقصور الثقافة بشمال سيناء    وزير التعليم العالي يهنئ الفائزين في مُسابقة أفضل مقرر إلكتروني على منصة «Thinqi»    25 مليون جنيه.. الداخلية توجه ضربة جديدة لتجار الدولار    «مسجل خطر» أطلق النار عليهما.. نقيب المحامين ينعى شهيدا المحاماة بأسيوط (تفاصيل)    قافلة جامعة المنيا الخدمية توقع الكشف الطبي على 680 حالة بالناصرية    خير يوم طلعت عليه الشمس.. 5 آداب وأحكام شرعية عن يوم الجمعة يجب أن تعرفها    نجاح مستشفى التأمين ببني سويف في تركيب مسمار تليسكوبى لطفل مصاب بالعظام الزجاجية    سويسرا تؤيد خطة مُساعدات لأوكرانيا بقيمة 5.5 مليار دولار    موعد اجتماع البنك المركزي المقبل.. 23 مايو    تعديل طارئ في قائمة ريال مدريد لمواجهة سوسيداد    طرق بسيطة للاحتفال بيوم شم النسيم 2024.. «استمتعي مع أسرتك»    توقعات الأبراج اليوم الجمعة 26 أبريل 2024.. «الحوت» يحصل علي مكافأة وأخبار جيدة ل«الجدي»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حوار| رئيس المؤسسة الدولية للمصممين المعماريين: مصر تحتاج لإنشاء محافظات نوعية
نشر في بوابة أخبار اليوم يوم 28 - 02 - 2020

- نعاني من «تلوث معماري» وشوارعنا لا تعرف ثقافة التخطيط
- تبرعت بمشروعات متكاملة لتطوير ميادين القاهرة
اختزنت بداخلها جينات الإبداع المصري، ومهارات الفن والجمال التي أتقنها أبناء النيل منذ آلاف السنين، لكنها أضافت إليها لمسات المعاصرة، وسمات الحداثة، فخرجت أعمالها تجسيدًا لعبق الماضي، وتطور الحاضر، إنها المهندسة المعمارية داليا السعدني رئيس المؤسسة الدولية للمصممين المعماريين، والتي تعتبر من أشهر 100 شخصية معمارية على مستوى العالم، وحصلت على 13 جائزة عالمية حتى الآن، واختارتها نخبة من المصممين المعماريين الأبرز في العالم قبل نحو 5 سنوات رئيسًا لمؤسستهم الدولية ومقرها إيطاليا محراب الفن المعمارى فى العالم حاليًا.
لم تنس "داليا" دورها الوطني، وحاولت تسخير مهاراتها ومشروعاتها لخدمة بلادها عبر سلسلة من المشروعات والمبادرات لتطوير شوارع وميادين القاهرة كبداية لاستعادة ثقافة الجمال فى كل ربوع مصر، والتى تحلم أن تعود أجمل من شوارع وميادين أوروبا.. هذه السطور محاولة للتعرف عن قرب على جوانب من رحلة المهندسة المعمارية داليا السعدنى، ورؤيتها للفارق بين أحلامها وبين الواقع، وهى رؤية ذات شجون.
- أنتِ من المصممين المعماريين الذين يحاولون الجمع بين الأصالة والمعاصرة، ومعظم تصميماتك الفائزة بجوائز عالمية مستوحاة من الطابع المصرى القديم، ومع ذلك تؤكدين فى أكثر من مناسبة أننا بحاجة إلى احترام هويتنا المعمارية حاليًا، فهل تعتقدين أننا حاليًا نفتقد للشخصية المعمارية ؟
بالتأكيد مصر تفتقد تطبيق هويتها المعمارية، فنحن لدينا تاريخ حافل بالطرز المعمارية، ومصر ربما هى الدولة الوحيدة التى تتواجد على أرضها جميع الطرز المعمارية القديمة والمعاصرة، بداية من العمارة الفرعونية والرومانية والإسلامية والأندلسية، بل وحتى الأنماط المعمارية النادرة مثل عمارة «الجوثيك» المستخدمة فى قصر البارون مثلًا، إضافة إلى عمارة عصر النهضة فى عمارات وسط البلد والمعادى وغيرها، لكن يبدو أنه من كثرة الطرز المعمارية التى لدينا فقدنا هويتنا.
علينا أن ندمج هذه الطرز لنخرج بهوية وشخصية مختلفة، وليس بالضرورة أن تكون لدينا هوية موحدة، فليس بالضرورة أن تكون كل المحافظات لها هوية واحدة، بل يمكن أن يكون لكل محافظة هوية متميزة بها تناسب طبيعتها وثقافتها وتاريخها، بل ويمكن أن يكون لكل حى داخل القاهرة على سبيل المثال هوية معمارية متميزة، فالزمالك تختلف عن وسط القاهرة، عن شبرا عن امبابة، المهم أن نحافظ على الهوية المميزة، ولا نشوه تلك الهوية بأعمال عشوائية تسىء لهذا الطابع المعمارى وتضيه الهوية والشخصية المميزة، فضلًا عن أهمية أعمال الصيانة والنظافة لتلك الطرز المعمارية، وبخاصة ما يتعلق بالشوارع والميادين العامة، التى تحولت من مساحات مهملة بل ومليئة بما يؤذى العين والروح.
التخطيط العمراني
- لماذا تركزين على الميادين والشوارع، وأنا أعلم أن لديكِ مشروعًا متكاملًا لتطوير ميادين وشوارع القاهرة كمرحلة أولى لتطوير كل ميادين مصر؟
من الحقائق المؤلمة لى كمهندسة معمارية، أن ثقافة التعامل مع الميادين والشوارع فى مصر تقتصر فقط على التعامل معها كأداة للانتقال من مكان إلى آخر، وتغيب عنا ثقافة التخطيط العمرانى والفراغات المفتوحة، فالشوارع والميادين يمكن أن تكون وسيلة لقضاء وقت الفراغ، وتهذيب النفس والاستمتاع بمساحات جمالية وسط متنزهات، يتوافر فيها الحد الأدنى من متطلبات الاستخدام الآدمى مثل مقاعد لكبار السن وتجهيزات لحركة ذوى الاحتياجات الخاصة والأطفال، فضلًا عن غياب ثقافة التعامل مع الشارع، مثل توفير أماكن لعبور المشاة وإشارات صارمة لحركة السيارات والمارة، بحيث نحقق الأمان والنظام لكل مستخدمى الشوارع والميادين، فهناك غياب لثقافة التعامل مع الشارع، فضلًا عن وجود «تلوث معمارى» نتيجة عدم وجود كيان موحد يشرف على كل تلك الأمور.
- أليس ذلك من صميم مسئوليات جهاز التنسيق الحضارى؟
نعم هذا صحيح، لكن الجهاز يده مغلولة، والقانون لا يمنحه الصلاحيات الكافية لضبط كل مظاهر التلوث المعمارى وغياب ثقافة التعامل مع الأبنية والشوارع، وفى تقديرى أن الأهم هو التركيز على الناحية الآدمية وليس الجمالية، فنحن بحاجة إلى وضع الكثير من المعايير المنظمة لكل تعاملاتنا مع الأبنية والشوارع، فنضبط أسلوب التعامل مع البلكونات ونضع حدًا لعشوائية وضع الإعلانات على الأبنية والكبارى، التى تتحول إلى غابة منفرة هدفها جمع الأموال من المعلنين، رغم ما تحدثه من تلوث بصرى، فهذا التلوث وتلك العشوائية تؤدى إلى تأثيرات نفسية غاية فى الخطورة، فهى تؤدى إلى التوتر والشد العصبى لكل مستخدمى الشارع، سواء من المارة أو من ركاب السيارات، ويتساوى فى ذلك الجميع من مختلف الفئات والطبقات الاجتماعية والاقتصادية، لذلك فإننى وعلى مدى السنوات الثلاثة الماضية أضع على قمة أولويات المطالبة بوضع تخطيط معمارى جديد ومبتكر لشوارع وميادين القاهرة، وفى الوقت ذاته يراعى واقعنا بكل تحدياته، بما فيه وجود الباعة الجائلين مثلًا.
تجارب عالمية
- ألا تعتقدين أن ذلك التصور خيالى بعض الشئ، خاصة فى ظل وجود العديد من التجارب السابقة للتعامل مع ملف الباعة الجائلين، وكذلك التغلب على مظاهر التشوه المعماري، لكن معظمها لم يحقق النتائج المنشودة؟
بالعكس ما أقوله واقعى جدًا، وهناك تجارب عالمية عديدة نجحت فى تحقيقه، وأنا شاهدة مثلًا على تجربة مشابهة حدثت فى أيرلندا، وكنت أقوم بالتدريس هناك لفترة من الوقت، وفى تلك الفترة قرروا أن يخصصوا عامًا كاملًا للتنسيق الحضاري، وكانت النتائج مبهرة، فلماذا لا نستلهم تلك التجربة، وتقرر الدولة فى عام من الأعوام أن يكون مشروع الدولة القومى هو إعادة تنسيق الشوارع والميادين، ويكون ذلك إشعار لكل مؤسسات الدولة والشركات أن توجه جهودها وإسهاماتها فى مجال المسئولية المجتمعية لملف التنسيق الحضارى وإعادة تأهيل الشوارع والميادين معماريًا وجماليًا، وتطالب الدولة من الشركات أن تقدم اسهاماتها المجتمعية فى قطاع محدد، فمثلًا نخصص سنة للشوارع والميادين وسنة أخرى لإعادة تأهيل الأحياء وواجهات المباني، وثالثة للتشجير، ورابعة لتطوير العشوائيات، وهكذا لا تتشتت جهود الشركات ومؤسسات المجتمع المدني، وأيضًا لا يتم تحميل الدولة أية أعباء فى تنفيذ تلك المشروعات، وتكون لدينا خطة ضخمة وشاملة للتطوير ليس فى القاهرة وحدها، ولكن فى كل المحافظات.
- ومن وجهة نظرك، من الجهة القادرة على القيام بهذا الجهد الكبير، خاصة أن المسئولية هنا موزعة على عدد كبير من الجهات والمؤسسات؟
أعتقد أن رئاسة الجمهورية هى الأقدر على القيام بهذا الدور الحضارى الكبير، فهى القادرة على إنشاء كيان يستطيع مخاطبة كل الجهات وإلزامها بالقيام بمسئولياتها، فضلًا عن أنها تستطيع التخطيط بشكل قومي، بحيث تصب كل الجهود فى خدمة هدف قومى محدد.
- وما دوركم كمصممين معماريين فى هذا الصدد، وهل هناك تجارب فعلية فى هذا الشأن؟
أنا سأتحدث عن نفسى هنا، وإن كنت أعتقد أن كل المصممين المصريين لا يتوانون عن تلبية الدعوة لخدمة بلدهم فى أى وقت، فأنا لدى 3 مشاريع لتطوير الميادين المصرية، فازت بجوائز عالمية، من بينها تطوير ميدان التحرير وميدان الحجاز بمصر الجديدة، وتعتمد تلك المشروعات على تطوير الميادين ليس فقط من الجانب المعمارى، ولكن بتحويلها إلى كيان ثقافى وجمالى يتعامل مع كل المشكلات والتحديات.
قبل أن نطور الميادين والشوارع نحتاج إلى تنمية الوعى لدى المواطنين وتعزيز ثقافة التعامل مع الشارع والحفاظ على الممتلكات، لأن المواطن هو الذى سيحافظ على التطوير، ونحول الميادين إلى ساحات ثقافية متكاملة، يمكن للناس أن يحضروا بها أمسيات شعرية، ويشاهدوا معارض للفنون الجميلة، وبها ملاهى للأطفال، بحيث نحول التواجد فى الميادين العامة إلى تجربة ممتعة للأسرة كلها، وهذا ما حققته مثلًا فى تجربة تطوير ميدان الحجاز، فهو ثانى أكبر الميادين فى القاهرة بعد ميدان التحرير، ويتضمن التطوير ساحات لعرض أفلام الأبيض والأسود، وشاشات تستخدم لعرض الإعلانات وتدر الكثير من الدخل الذى يستخدم للإنفاق على الميدان نفسه وضمان إجراء عمليات الصيانة والنظافة بصورة مستدامة ودون تحميل الدولة أية أعباء، ولابد أن تكون هناك بعد ذلك شركة لإدارة الميدان من حيث إجراء الصيانات المطلوبة وإدارة المرافق والأنشطة العامة والثقافية الموجودة بالميدان وتأجير الإعلانات.
وزارة للتنسيق الجمالي
- هل معنى ذلك أننا بحاجة إلى وزارة للتنسيق الحضاري، وليس مجرد جهاز بصلاحيات محدودة؟
نحن بحاجة إلى وزارة للتنسيق الجمالي، ونحتاج إلى مبادرات قومية لنشر الوعى الجمالى فى عموم مصر كلها، وبالتأكيد هذه مسئولية كبيرة تقتضى التنسيق بين العديد من الوزارات كالإدارة المحلية والإسكان والكهرباء والثقافة والاستثمار وغيرها من الوزارات والمؤسسات التى تدخل فى إطار فكرة التطوير، وبالتالى لماذا لا يكون لدينا وزير أو وزيرة للجمال فى مصر يكون مهمته الأولى إعادة الرونق الحضارى للمنشآت والشوارع ومراعاة المبادئ والمعايير الجمالية فى كل مرافقنا، وهذا سيؤدى بدوره إلى نقلة حضارية يمكن أن تنعكس على كل مجالات الحياة، سواء على نفسية المواطن ونمط تعامله مع الدولة،أو من خلال استقطاب استثمارات خارجية، أو جذب سياحى.
- ومن وجهة نظرك أين نقطة البداية فى نشر تلك الثقافة الجمالية، هل من مؤسسات الدولة وحدها؟
مؤسسات الدولة مسئولة كما قلت عن صرامة تطبيق القوانين والمعايير بدون استثناءات، وهذه مسألة لا غنى عنها، لكننى أراهن دائمًا وكثيرًا على دور الإعلام فى بناء الوعى ونشر ثقافة الجمال فى مصر، فالإعلام مؤثر للغاية بكل صوره وأدواته على جموع المواطنين، وعندما نعكس صورة إيجابية عن الشخصية والمجتمع المصرى، فإن ذلك ينعكس إيجابيًا على المجتمع كله، وعندما يقدم الإعلام صورة العنف والعشوائية والفوضى وعدم الالتزام كسمات سائدة فى المجتمع المصرى فإن ذلك ينعكس أيضًا على المجتمع بصورة كبيرة، على الرغم من أن تلك العناصر أو السمات السلبية لا تعبر عن حقيقة المجتمع أو الغالبية العظمى من مواطنيه، وبالتالى الإعلام ينبغى أن يكون مرآة صادقة للمجتمع يعكس القيم الإيجابية التى تحفز المواطنين على الاقتداء بها وتؤثر على سلوكياتهم، وفى الوقت ذاته يكشف النماذج السلبية، لكن يضعها فى إطارها بدون تهويل، وبغرض تعديل هذا السلوك وليس الدعوة إلى نشره أو تبنيه.
تطوير ميادين القاهرة
- أعود إلى مشروعك التطوعى لتطوير ميادين القاهرة.. ماذا تم بشأنه؟
للأسف لم يتم الكثير من الإنجاز بخصوصه، فبعد الكثير من الاجتماعات واللقاءات، تم الاتفاق على أن أتبرع بتقديم الجانب التصميمى والإشراف على التنفيذ، وكان الاتفاق على أن تكون البداية بميدان الحجاز كنموذج فقط، وأوقفت العمل بمكتبى لخدمة هذا المشروع وفق لمدة 3 شهور للانتهاء من كل تفاصيله، وحتى بعض الأمور المتعلقة بالرفع المساحى للميدان قمت بها متطوعة، لكننى فوجئت بأنه يُطلب منى توفير التمويل اللازم لتنفيذ التطوير، والحقيقة أن ذلك ليس دورى ولا مسئوليتى أن أتجول على البنوك والشركات للحصول على تمويل، فأنا فى الأساس مهندسة معمارية يمكن ان أتطوع بعمل فى مجال اختصاصى لخدمة بلدي، لكن لا بد أن تكون هناك جهات أخرى تؤدى دورها، وبقى مشروع تطوير الميادين مجرد تصور على الورق نتيجة الاجراءات البيروقراطية.
ولكن أكثر ما يحزننى أن أرى مشروعات مطروحة لتطوير الميادين ومنها ميدان التحرير، على الرغم من أن هناك بالفعل مشروعات جاهزة لتطوير الميدان، ومنها مشروعا الذى حصل على ثلاث جوائز عالمية، وأنا متبرعة به لبلدى ولا أريد أى مقابل، فكل ما أتمناه أن أرى ميادين وشوارع مصر تتألق بجمالها، والحقيقة أن هناك دافعًَا شخصيًا وراء هذا المشروع، فبعد حصولى على جائزة دولية مرموقة عن تصميمى المقترح لتطوير ميدان التحرير، فوجئت بصحفى إيطالى يقول لى إنه مسافر بصحبة أسرته إلى القاهرة، وأنه سيكون سعيدًا بفرصة مشاهدة تلك التصميمات الجميلة التى حازت تقديرًا دوليًا على أرض الواقع، ولحظتها شعرت بالخجل، فالتصميمات الجميلة تبقى حبيسة الأوراق ولا تجد طريقها فى معظم الأحيان إلى التنفيذ، وكانت تلك اللحظة التى قررت فيها التواصل مع الجهات المعنية لمحاولة تحويل أفكار ومشاريع التطوير إلى واقع يلمسه الناس ونقدمه للعالم، لكن للأسف كانت العقبات كثيرة.
- وماذا عن مشروعك لتطوير ميدان التحرير.. وهل تابعتى ما نشر عن مقترحات التطوير الجديدة؟
مشروع تطوير ميدان التحرير كان من المشاريع الرائدة فى حلمى لتطوير ميادين مصر، وبالفعل فاز التصور بثلاث جوائز دولية من إيطاليا واليابان، والحقيقة أن هناك سمعة عالمية لميدان التحرير، ليس فقط بسبب ثورة 25 يناير، ولكن لأنه كان الساحة التاريخية لاحتواء مطالب المصريين المشروعة على مدى أجيال، وقد اعتمد تصورى لتطوير الميدان على تحويله إلى فضاء مفتوح لحركة المشاة، ومنع السيارات من الدخول إلى منطقة وسط البلد مثلما هو الحال مع أهم مناطق أوروبا، والسمح فقط للقاطنين بمنطقة وسط البلد بدخول سياراتهم وفق ضوابط محددة، بحيث يكون ميدان التحرير مساحة لاستضافة الفعاليات الثقافية والفنية ورمزًا حقيقيًا للثقافة والشخصية المصرية.
وقد تواصلت بالفعل مع محافظة القاهرة، ولكن المشروع كان يتطلب الكثير من العمل تحت الأرض لتحويل حركة المرور بعيدا عن قلب الميدان، أما بالنسبة للتصور المتداول لتطوير الميدان ووضع كباش ومسلة فرعونية فأعتقد من وجهة نظرى المعمارية أن ذلك التطوير لا يضيف جديدًا، فهو نفس التصور المتداول لشكل الميدان من ستينيات القرن الماضي، وإذا كنا نريد أن نضيف لمسة لها علاقة بالطابع الفرعوني، فعلينا أن نستلهم العناصر التصميمية الفرعونية بشكل معاصر، أما وضع مقتنيات أو تماثيل فرعونية فقط فأعتقد ان ذلك نقل متكرر دون إضافة حقيقية.
- وما رأيك فى مدى مراعاة المعايير الجمالية فى المدن الجديدة، خاصة أن مصر تشهد حركة عمران غير مسبوقة فى هذا المجال؟
الحقيقة أن هناك حرصًا واضحًا فى المدن الجديدة على احترام الشخصية المعمارية، لكن فى بعض الأحيان أشعر ان المسألة تقتصر على النقل، واقتباس أشكال تعودنا عليها لطرز معمارية مثل وسط القاهرة، أو الاهتمام بالأبراج الزجاجية التى لا تتناسب مع بيئتنا، دون الالتزام بمبادئ العمارة البيئية التى أرساها أستاذ التصميم المعمارى عبر الأجيال حسن فتحي، فضلا عن أن التوسع الرأسى فى مصر غير مفهوم وغير مبرر، فنحن لدينا مساحات شاسعة من الأراضى غير المستغلة، وبالتالى نحن بحاجة إلى التوسع الأفقى وليس الرأسى الذى يناسب الدول الصغيرة أو المدن المكتظة التى لا تتوافر بها مساحات أراضى كافية للبناء، فنحن حتى الآن نبنى على 8-9٪ من مساحة البلاد، وهناك تفاوت هائل فى التوزيع العمراني، فمحافظة مثل القاهرة مساحتها 3 آلاف كم، يعيش فيها نحو 22 مليون نسمة، بينما محافظة كالوادى الجديد مساحتها 316 ألف كم، يقطنها 140 ألف نسمة فقط، وبالتالى نحن بحاجة إلى إعادة تخطيط عمرانى شامل لمصر، والاهتمام بإنشاء محافظات جديدة بأسلوب نوعى وليس جغرافيًا فقط.
المحافظات النوعية
- وماذا تعنين بالمحافظات النوعية؟
أعنى بذلك أن يكون تخطيط المدن والمحافظات قائمًا على التخصص النوعي، فمثلًا لو كانت لدينا محافظة صناعية فإن تخطيطها لا بد أن يعتمد على توفير مناطق صناعية ومناطق حرة، ومرافق للتصدير وتيسير حركة المواد الخام وانتقال العمالة، فى المقابل يمكن أن تتخصص محافظة أخرى فى المجال التعليمي، وبالتالى يعتمد تخطيطها على إنشاء جامعات كبيرة تستوعب الإقبال الطلابى من داخل مصر وخارجها، وإنشاء مساكن للطلاب والخدمات المطلوبة لهم، كما يمكن إنشاء محافظة أو مدينة علاجية، وتعتمد أيضًا على بناء مستشفيات ومراكز علاج وفحص واستشفاء متخصصة بكل الخدمات المصاحبة لها، بحيث لا يحتاج زائرها إلى التنقل بين أكثر من مدينة لتلقى الخدمة، إضافة إلى إلزام المستثمر الذى سيعمل فى تلك المدينة بإنشاء كلية للطب ومعهد للتمريض، وبذلك نخلق نوعًا من التخصصية وتكامل الخدمات، إننا بحاجة إلى رؤية شاملة للدولة حتى عام 2100، وكل مسئول يأتى لتنفيذ جزء من تلك الخطة الشاملة، وأن يكون تقييم المسئول بقدرته على أداء واجبه فى إطار تلك الخطة، إن مصر تعيش ثورة إنشائية وتحتاج إلى أضعاف ما يجرى بناؤه حاليًا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.