الحصر العددي يكشف مفاجآت في انتخابات دائرة إمبابة.. مرشح متوفى يحصل على الترتيب الرابع وأصوات إيهاب الخولي تتراجع من 22 ألف إلى 1300 صوت    القومي للمرأة يحذر من مشاركة كلمة السر الخاصة بالهاتف بدافع الثقة    أسعار الذهب في مصر اليوم الجمعة 5 ديسمبر 2025    قطع مياه الشرب عن 3 قرى ببنى سويف.. اعرف الأماكن والمدة الزمنية    رعاية المبتكرين: إنشاء صندوق مخاطر بقيمة 500 مليون جنيه لدعم الشركات الناشئة والتكنولوجية    «عصمت»: القطاع الخاص شريك في تنويع مصادر توليد الكهرباء    الرئيس اللبناني يطالب مجلس الأمن بالضغط على إسرائيل لتطبيق وقف إطلاق النار    أسطورة برتغالي يرشح رونالدو للعب في كأس العالم 2030 بعمر 45 عامًا    لقاءات ثنائية مكثفة لقادة الأفرع الرئيسية وكبار قادة القوات المسلحة    التوأم والدرندلي يلتقطون صورة تذكارية أمام البيت الأبيض قبل قرعة مونديال 2026    اليوم.. افتتاح بطولة إفريقيا للأندية ل«سيدات كرة السلة»    تقارير: الدوري السعودي مستعد للتعاقد مع محمد صلاح    تحرير 847 مخالفة الملصق الإلكتروني ورفع 40 سيارة ودراجة نارية متروكة خلال 24 ساعة    العثور على غريق مجهول الهوية بترعة الإبراهيمية في المنيا    إلهام شاهين تشيد بفيلم giant: مبروك لأمير المصرى والقصة ملهمة    بعد إطلاق فيلم "أصلك مستقبلك".. مكتبة الإسكندرية: كل أثر هو جذر من شجرتنا الطيبة    حودة بندق يتصدر التريند بعد طرح أحدث أعماله الغنائية    مصر ترحب باتفاقات السلام والازدهار بين الكونغو الديمقراطية ورواندا الموقعة في واشنطن    الدرندلى وحسام وإبراهيم حسن أمام البيت الأبيض قبل قرعة كأس العالم 2026    كأس العرب - وسام أبو علي يكشف حقيقة مشاركته مع فلسطين في البطولة    وكيل الجفالي يكشف حقيقة فسخ تعاقده مع الزمالك    مواعيد مباريات اليوم الجمعة 5 ديسمبر 2025    أسعار الخضار والفاكهة اليوم الجمعة 5-12-2025 فى المنوفية    من هو زعيم مليشيات غزة بعد مقتل ياسر أبو شباب    تحرير 231 محضر مخالفات تموينية وضبط 4 أطنان أعلاف مجهولة المصدر بالمنوفية    الصين وفرنسا: حل الدولتين الحل الوحيد لضمان السلام بين فلسطين وإسرائيل    "المشاط" تشهد فعاليات جوائز التميز العربي وتهنئ "الصحة" لحصدها أفضل مبادرة عربية لتطوير القطاع الحكومي    رئيس جامعة القاهرة: نولي اهتمامًا بالغًا بتمكين أبنائنا من ذوي الإعاقة    زي المطاعم، طريقة عمل رولات الدجاج المحشية    استشاري حساسية: المضادات الحيوية لا تعالج الفيروسات وتضر المناعة    إعلام إسرائيلي: انتحار ضابط في لواء جفعاتي بسبب مشكلات نفسية    أسعار الحديد والأسمنت اليوم الجمعة 5 ديسمبر 2025    حوكمة الانتخابات.. خطوة واجبة للإصلاح    بوتين ومودي يبحثان التجارة والعلاقات الدفاعية بين روسيا والهند    الأنبا رافائيل يدشن مذبح الشهيد أبي سيفين بكنيسة العذراء بالفجالة    طارق الشناوي: الهجوم على منى زكي في إعلان فيلم الست تجاوز الحدود    كيف تُحسب الزكاة على الشهادات المُودَعة بالبنك؟    30 دقيقة تأخير على خط «القاهرة - الإسكندرية».. الجمعة 5 ديسمبر 2025    ننشر آداب وسنن يفضل الالتزام بها يوم الجمعة    الأزهر للفتوي: اللجوء إلى «البَشِعَة» لإثبات الاتهام أو نفيه.. جريمة دينية    خاطر يهنئ المحافظ بانضمام المنصورة للشبكة العالمية لمدن التعلّم باليونسكو    الحصر العددي لانتخابات النواب في إطسا.. مصطفى البنا يتصدر يليه حسام خليل    الصحة: الإسعاف كانت حاضرة في موقع الحادث الذي شهد وفاة يوسف بطل السباحة    صحة الغربية: افتتاح وحدة مناظير الجهاز الهضمي والكبد بمستشفى حميات طنطا    دعاء صلاة الفجر اليوم الجمعة وأعظم الأدعية المستحبة لنيل البركة وتفريج الكرب وبداية يوم مليئة بالخير    رئيس هيئة الدواء يختتم برنامج "Future Fighters" ويشيد بدور الطلاب في مكافحة مقاومة المضادات الحيوية وتعزيز الأمن الدوائي    فضل صلاة القيام وأهميتها في حياة المسلم وأثرها العظيم في تهذيب النفس وتقوية الإيمان    سبحان الله.. عدسة تليفزيون اليوم السابع ترصد القمر العملاق فى سماء القاهرة.. فيديو    الدفاعات الأوكرانية تتصدى لهجوم روسي بالمسيرات على العاصمة كييف    ضبط شخص هدد مرشحين زاعما وعده بمبالغ مالية وعدم الوفاء بها    صاحبة فيديو «البشعة» تكشف تفاصيل لجوئها للنار لإثبات براءتها: "كنت مظلومة ومش قادرة أمشي في الشارع"    د.حماد عبدالله يكتب: لماذا سميت "مصر" بالمحروسة !!    ضبط شخص أثناء محاولة شراء أصوات الناخبين بسوهاج    بشير عبد الفتاح ل كلمة أخيرة: الناخب المصري يعاني إرهاقا سياسيا منذ 2011    الأمن يكشف ملابسات فيديو تهديد مرشحى الانتخابات لتهربهم من دفع رشاوى للناخبين    بعد إحالته للمحاكمة.. القصة الكاملة لقضية التيك توكر شاكر محظور دلوقتي    كاميرات المراقبة كلمة السر في إنقاذ فتاة من الخطف بالجيزة وفريق بحث يلاحق المتهم الرئيسي    ميلان يودع كأس إيطاليا على يد لاتسيو    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نجيب سرور.. «الفن هو الجنون.. بس الجنون مش فن»
نشر في بوابة أخبار اليوم يوم 24 - 10 - 2017

في عام 1978 وبالتحديد في الرابع والعشرين من أكتوبر، ترك نجيب سرور عالمًا ظل يعاتبه كثيرًا في أشعارٍ لم تخل من صراخ وعويل في وجه وطنٍ أحبه كثيرًا لكنه ذاق فيه ويلات كثيرة، حتى أصبح رمزًا للمعذبين في الأرض.
39 عامًا مرت على وفاة شاعر العقل، ولم يبق منها سوى كثير من الأسى في نفوس «مجاذيبه» حزنا على رحيله، يعيشون في عالمه، يستعيدون حكايته، ويتحسرون على موهبةٍ ما خفي منها كان أعظم.
أنا لست أُحسب بين فرسان الزمان،
إن عد فرسان الزمان،
لكن قلبي كان دوماً قلب فارس،
كره المنافق والجبان، مقدار ما عشق الحقيقة
لم أجد أفضل من هذه الأبيات لوصف شاعر العقل نجيب سرور، والتي وصف هو بها نفسه في بداية ديوانه «لزوم ما يلزم».
تجربة سرور، في إجمالها لم تكن هادئة، سواء على مستوى حياته الشخصية أو الأدبية، فترات السلام بها قليلة جدا، عايش حياة ملئيه بالتراجيديا كما كتبها وعبر عنها.
«أنا ابن الشقاء ربيب (الزريبة والمصطبة)،
وفي قريتي كلهم أشقياء،
وفي قريتي (عمدة) كالإله،
يحيط بأعناقنا كالقدر
بأرزاقنا بما تحتنا من حقول حبالى يلدن الحياة
لعل طفولة نجيب سرور هي كلمة السر وراء سعيه الدائم لتكريث موهبته لمجابهة الظلم وهو ما ظهر واضحا في قصيدته «الحذاء» التي كشفت عن تجربة شخصية بعدما شاهد والده وهو يتعرض للإهانة من قبل عمدة قريته، وانكساره الشديد والذي عبر عنه في القصيدة قائلاً :
أهذا.. أبي يسامُ كأن لم يكن بالرجل،
وعدت أسير على أضلعي،
على أدمعي.. وأبث الكدر،
لماذا.. لماذا؟
ولد محمد نجيب محمد هجرس أو «شاعر العقل» كما يطلق عليه، بقرية إخطاب، مركز أجا، محافظة الدقهلية في 1 يونيو 1932، والتحق نجيب بكلية الحقوق ولكن لم يجد نفسه في دراسة القانون فقد كان دائمًا ما يجذبه المسرح والتمثيل والشعر ما دفعه للالتحاق بالمعهد العالي للفنون المسرحية الذي حصل منه على الدبلوم في عام 1956 وهو في الرابعة والعشرين من العمر.
ورغم من زمالته للكبيرين الراحلين عبد الرحمن الأبنودي، وأمل دنقل، إلا أنه كان ناقمًا على كل شيء على أوضاع البلاد، والنكسة، وسياسات جمال عبد الناصر آنذاك وعليها، ما جعله يصب غضب على كل شيء ومن بين ذلك رفضه الدائم لمداعبة أمل دنقل له والذي كان يقول له «أزيك يا نوجه»، وكتب ذلك صراحة في ديوانه «بروتكولات حكماء ريش»، قائلاً:
نحن الحكماء المجتمعون بمقهى ريش..
قررنا ما هو آت:
البرتوكول الأول:
لا تقرأ شيئاً.. كن حمال حطب..
وأحمل طن كتب..
ضعه بجانب قنينة بيره..
أو فوق المقعد..
وأشرب.. وأنتظر الفرسان..
سوف يجيء الواحد منهم تلو الآخر..
يحمل طن كتب!
وقال عبد الرحمن الأبنودي عن نجيب خلال محادثتي له هاتفيًا قبل وفاته إن نجيب سرور كان حاد الطباع، وكان كثيرًا ما ينتقد أصحابه، مثلما علق على استضافة القاهرة لمحمود درويش في أحد الفنادق قائلاً: «اشمعنى درويش طب ماحنا كمان محتلين».
أنا لا أجيد القول،
قد أُنْسِيتُ في المنفى الكلام،
وعرفتُ سرَّ الصمت
كم ماتت على شفي في المنفى الحروف !
الصمت ليس هنيهةً قبل الكلام ،
الصمت ليس هنيهة بين الكلام ،
الصمت ليس هنيهة بعد الكلام،
الصمت حرف لا يُخَط ولا يقال.
الصمت يعنى الصمت..
هل يغني الجحيم سوى الجحيم؟!
رحالة بحثًا عن الأدب والشعر شعارًا رفعه سرور، بعد تخرجه من المعهد العالي للفنون المسرحية، توجه نجيب في منحة لدراسة الإخراج المسرحي في الاتحاد السوفياتي، وكشف خلال رحلته عن ميله إلى الماركسية في موسكو، كتب نجيب دراسات نقدية ومقالات ورسائل وقصائد نُشر بعضها في مجلات لبنانية ك«الطريق» التي أعادت نشر مقالاته في كتب منها «رحلة في ثلاثية نجيب محفوظ» (دراسة طويلة كتبها عام 1958) و«أعمال شعرية عن الوطن والمنفى» (ديوان كتب قصائده في موسكو وبودابست بين 1959 و1963 ولم ينشر).
يا بني أنا جعت واتعريت وشوفت الويل
وشربت أيامي كاس ورا كاس طرشت المر
يا بني بحق التراب وبحق حق النيل
لو جعت زيي ولو شنقوك ما تلعن مصر
وكأن نجيب سرور اختار طريقًا لا يعرف الراحة، لا ظلال ولا أشجار، مرصوفًا بالمخاطر، أخرج الشاعر مسرحية بعنوان (الذباب الأزرق) بعد عودته للقاهرة، رصدت تجاوزات الملك حسين في حق الفلسطينيين، تصدى لها المسؤولون في مصر والأردن لإيقافها، وانتهت المواجهات بطرده من عمله وعزله عن الحياة الثقافية في مصر.
تلك الفترة دونت سطورًا جديدة في صفحات اضطهاد الأمن لنجيب سرور، وهنا تبدأ خطة جديدة وهي محاصرته ومطاردته والتضييق عليه واتهامه بالجنون، الأمر الذي كتب فصلاً جديدًا في حياة الشاعر الإبداعية، بكتابة قصائد «الأميات»، والتي لم يتوقع الأمن أن تتحول إلى القصيدة الأجرأ والأشهر للشاعر والتي جاءت كاشفة، خادشة، وخارجة عن المألوف.
يا.. كلاب..
كبدي خذوه ..
يا ناهشي الأكباد ها كُمْ فانهشوه
وليرحم اللّه الضحايا .. يرحم اللّه الضحايا !!
لا .. لا تبالغ .. ما لهذا الحد أنت لهم ضحية
أخطأت أنت كما هم أخطأوا ..
أو علَّ سرا ثالثاً خلف الخطأ !
وفي عام 1961 تزوج سرور من طالبة الآداب السوفيتية ساشا كورساكوفا في 23 مايو، وأنجب منها ابنيه شهدي وفريد، والتي عادت بهما إلى روسيا مرة أخرى، وأصبح هو في القاهرة ممنوعًا من الذهاب إلى روسيا ليحرم من زوجته وأطفاله.
وحتى تكتمل دائرة التعقيدات التي أحاطت نجيب سرور، فقد كشف في قصديته الصادمة عن خيانة زوجته له، والتي كانت فنانة صاعدة في ذلك الوقت، وتعاونها مع جهة سيادية لنقل أخباره ورصد تحركاته.
أنا حظي مدوحس حتى في النسوان..
بلاش أقول أمها.. طب شوفوا عمّها مين!
تلاقوه يا عالم رئيس المكتب المخصوص
ورغم من عدم سعادته في زواج إلا أن سرور كان يقدس الحب، ودائم البحث عنه رغم الانتكاسات التي تعرض لها كما جاء في قصيده حب وبحر وحارس، التي قال فيها:
أنا لا أرسم هذا العالم بل أحياه
أنا لا أنظم إلا حين أكاد أشل
ما لم أوجز نفسى فى الكلمات
هيا نوجز هذا البحر
- كيف .. أفى بيت من شعر ؟
- بل فى قبلة ! !
يا ليت الحب يظل العالم كله
يا ليت حديث الناس يكون القبلة
قادة تجربة نجيب سرور، الشاعر إلى حافة الجنون فقرر كتابتها شعراً، فطاردته المخابرات واختطفوه من الشارع واقتادوه إلى مستشفى المجانين بالعباسية.
مجاذيب وفيها نجيب؟!
بالصدفة عرفه طبيب يعمل بالمستشفى بعد ستة أشهر.. عثر عليه يرتدي ملابس مهلهلة وبدون ملابس داخلية.. ويطلب منه سيجارة.. تعرف عليه وأرشد الأصدقاء الذين يئسوا من معرفة طريقه.
خرج نجيب أكثر سخطاً.. وقرأ في كل مكان.. «أمياته» التي كان يقرأ سرًا بين أصدقائه إلى أن تم تسجيلها على شرائط كاسيت وتناقلها إلى أن وصلت إلى المسؤولين.
وفي مداعبة لا تخلو عن التعبير عن حالة الضيق التي يعيشها الشاعر يتوقف سرور في أحد مقاطع الأميات ليسأل عن أحمد فؤاد نجم، ولما وجده قال له "عرفت أني أسفل منك وسط ضحكات متداخلة..ويكمل وكل ما يسكتوني هقول".
أنا عارف أني هموت في عمر الورد.
وبطانة بتقول ياعيني مات في عمر الورد..
وعصابة بتقول خلصنا منه مين بعده
وفاة نجيب سرور، لم تخلو من الدراما مثل حياته أيضًا، بعد رحيله في غيبوبة سكر على سريرِ في المستشفى العام بدمنهور أثناء زيارة عائلية لشقيقه.
توفي نجيب سرور في 24 أكتوبر 1978، عن عمر 46 عامًا، تاركًا ورائه موروث أدبي حقيقي رفض أن يمر مرور الكرام، لكنه أرخ لتلك الحقبة التي عاشها بانتصارتها وانكسارتها، ليثبت أنه شاعر العقل «المظلوم الأول بلا منازع».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.