«الصورة تساوي ألف كلمة»، حكمة قديمة أدركتها «أخبار اليوم» مبكرا، ونفذتها باقتدار من خلال تأسيس أول قسم للتصوير الصحفي في مصر والشرق الأوسط، ومن يتأمل تلك الكنوز التي تزين جدران قسم التصوير يدرك حجم الإبداع والتميز الذي يقف وراء تلك الصور. قصة تأسيس قسم التصوير بأخبار اليوم بدأت عام 1945، وكان صاحب الفكرة هو محمد التابعي رئيس تحرير مجلة آخر ساعة، وتم تكليف المصور الراحل محمد يوسف بإنشاء قسم التصوير الصحفي في منتصف عام 1945 وعاونه في ذلك الوقت شقيقه المصور أحمد يوسف. وتوالى على العمل بقسم التصوير منذ إنشائه وحتى الآن عمالقة التصوير الصحفي في مصر، والذين ذاعت شهرتهم، حتى تحول بعضهم إلى نجوم في شارع الصحافة، ومن هؤلاء صديق المشاهير والنجوم فاروق ابراهيم ومكرم جاد الكريم وكمال راشد ورشاد القوصي ومحمد عبد الرحمن وحسن دياب ومحمود رشوان الذي استشهد مع الرئيس الراحل محمد أنور السادات في حادث الاغتيال الذي وقع عام ١٩٨١. وعلى السلالم المؤدية لقسم التصوير يمكن لزوار المؤسسة وابنائها أن يتابعوا جانبا من سيمفونية النجاح والتميز التي صنعها أبناء قسم التصوير على مر أجيالهم، من جيل الرواد المؤسسين، وحتى جيل الشباب الحال. بمجرد دخول القسم تجد على الجانب الأيمن لوحة كبيرة بها صور لعشرات المصورين التي تمثل أجيال القسم منذ بدايته، بداية من الراحل محمد يوسف مؤسس القسم وحتى أحدث المصورين الشبان، منها صورة مميزة للمصور الراحل خالد عبد الوهاب «غزال شارع الصحافة» كما كان يطلق عليه تكشف مشهدا رائعا خلال الانتخابات الرئاسية الأخيرة بعد ثورة 30 يونيو، لطفل يؤدي التحية العسكرية لجندي من القوات المسلحة كان يقوم بواجبه في تأمين إحدي المقار الانتخابية. وعلى اليمين 5 سلالم بمجرد هبوطها تجد مجموعة أخرى من الصور التي ترصد مشاهد من تاريخ مصر الحديث منذ ثورة 25 يناير وحتى الآن، وتستعرض جدران قسم التصوير العديد من الصور التي تصطحب الزائر في رحلة عبر الزمن، بصحبة صور تاريخية من بينها تلك الصورة التي تصيبك بالذهول لعملية تتفيذ حكم الإعدام بالسيف، وتجسد الصورة قطع رأس رجل يمني نفذته إحدى الجماعات خلال الحرب إلىمنية وتم التقاط الصورة بدقة عجيبة بعد مرور السيف والرأس طائر في الهواء. هناك أيضا صورة حسب الله الكفراوي أشهر وزير للإسكان خلال مشادة في مجلس الشعب، وقد أخرج الرجل جيوبه الخاوية أمام النواب، وهناك كذلك صورة الكابتن حسن شحاته مدرب منتخب مصر الأسبق، وهو يضرب ابنه لردعه عن التشاجر مع أحد المشجعين، وصور أول فرقة باليه روسي تزور القاهرة، وغيرها من الصور التي لا يمل أبناء دار أخبار إلىوم تأملها رغم مرور السنوات، لأنها بالفعل لوحات حية، وجزء من ذاكرة واحدة من أعرق الصحف في العالم العربي، وتجسيد لتفاني واجتهاد كتيبة من أبرع المصورين الصحفيين في مصر. محمد يوسف.. صنع بعدسته التاريخ كان محمد يوسف شغوفًا بالتصوير الفوتوغرافي، ولكن الظروف لم تسمح له بممارسته إلا عندما استطاع أن يقترض كاميرا من أحد أصدقائه، وأتته فرصة العمر كمصور صحفي عندما غاب المصور الأرمني لمجلة «المصور» بدار الهلال فأسندت إليه هذه المهمة التي أثبت فيها كفاءة لا تقل عن كفاءة المصور الأرمني. عمل محمد يوسف مصورا محترفا في «روز اليوسف» منذ عام 1934، ثم انتقل للعمل في دار الهلال، واستمر بها حتى عام 1944، وعكف منذ بدايته على دراسة أساسيات ومبادئ التصوير إضافة إلى التجربة العملية، وفي عام 1945 انتقل إلى دار «أخبار اليوم»، وقد استطاعت الدار تحقيق نجاحات صحفية كانت الصور الصحفية التي طورها محمد يوسف إحدى ركائزها. وفي عام 1952 صدرت جريدة «الأخبار» اليومية فكثف نشاطه وسافر في مهمات تصويرية إلى معظم أنحاء العالم سعيًا وراء الصورة والحدث، وتعتبر هذه الفترة من حياة محمد يوسف المرحلة الذهبية لأنه استطاع تسجيل أحداث كثيرة كان أهمها اجتماع الضباط الأحرار في نادي الضباط بالزمالك، كما رافق الرئيس الراحل جمال عبد الناصر في جميع رحلاته. ووقف أمام عدسته عددًا كبيرًا من الملوك ورؤساء الجمهوريات وزعماء العالم وعظمائه وعلمائه، وكبار الكتاب والسياسيين، فهو بحق عميد المصورين المصريين، والمصور الصحفي العربي الوحيد الذي شغل منصب مستشار لرئيس تحرير جريدته بعد إحالته للمعاش. مكرم جاد الكريم.. انفرد بتصوير اغتيال «السادات» فعرف طريق العالمية ظل لسنوات طويلة خلف الكواليس لا يعرف عنه أحد شيئا سوى أنه مصور صحفي بجريدة «الأخبار»، إلى أن جاءه المجد والشهرة يدقان بابه، إنه المصور الكبير مكرم جاد الكريم قناص اللحظات الصعبة، المصور الوحيد الذي تمكن من التقاط صور لحادث اغتيال الرئيس الراحل محمد أنور السادات خلال احتفالات نصر أكتوبر عام 1981. بدأت الحكاية معه عندما كان يقف جميع المصورين فوق أحد الأبراج الخشبية المتواجدة بالقرب من منصة الاحتفال بمنطقة النصب التذكاري للجندي المجهول بشارع النصر، وعندما أوشك الاحتفال على الانتهاء ترك المصورون أماكنهم، إلا ذلك القناص الذي كان على موعد مع القدر، فقبيل نهاية العرض وفجأه تعطل موتوسيكل أمام المنصة، وبعد قليل جاءت دبابة ووقفت أمام المنصة ووجه قائدها ماسورة إطلاق النار في اتجاه الأرض وهذا يعني تحية للرئيس ثم سارت في طريقها، وبعد قليل جاءت دبابة أخرى وتعطلت أمام المنصة أيضًا. وجاءت سيارة نقل جنود من قوات العرض تجر مدفعا خلفها وتحمل 4 جنود والضابط والسائق في المقدمة، ووقفت فجأة أمام المنصة ولم يلتفت إليها أحد لأن الجميع كانوا رافعين رؤوسهم إلى أعلى يتابعون إسقاط المظلات في نفس التوقيت، وإذ بأحد الجنود داخل السيارة يوجه سلاحه ويطلق النار على الرئيس فيرديه قتيلا. وتوجه آخر وألقى قنبلة على المنصة ولكنها لم تنفجر، وأصيب الجميع بشلل مؤقت، وكان «جاد الكريم» وقتها على المنصة الخشبية المخصصة للمصورين وترتفع مسافة متر ونصف المتر إلى الجانب الأيمن للمنصة والتقط الصور المتلاحقة لهذا الحدث الهائل من خلال 4 كاميرات، فلم يكن هناك وقت لتغيير أفلام التصوير، وتمكن من التقاط 45 صورة للحدث لحظة بلحظة، ورأي رجال الأمن يلقون القبض على بعض المصورين ويأخذون منهم الكاميرات ويصادرون الأفلام، وبسرعة البرق أخرج الأفلام من الكاميرات بعد تصويرها وأخفاها في «الشراب» وأعطى أفراد الأمن أفلاما فارغة لينطلق بكل سرعة إلى جريدة «الأخبار» التي انفردت في اليوم التالي ابصور صادمة للحظات اغتيال الرئيس السادات ونقلت كل صحف ووكالات أنباء العالم صور «الأخبار» التاريخية، وقد ظلت هذه الصور حتى الآن المرجع الأول لجميع الوكالات ودور النشر التي تتناول الحدث التاريخي إلى يومنا هذا. كانت حادثة اغتيال السادات هي نقطة الانطلاق لجاد الكريم للعالمية، فقد اختارته عدة مؤسسات دولية كواحد من أشهر مصوري القرن العشرين بانفراده بحادث اغتيال الرئيس السادات.