سيادة الرئيس عبدالفتاح السيسي، أنقل لك صوت سيدة مصرية لم أشرف بلقائها، أو الحديث معها، لكنها حفرت مكانة عظيمة داخل فؤادي، وظل صدي كلماتها يتردد داخل أرجاء أعماقي، حتي قررت أن أمسك بقلمي لأسطر لكم تلك الرسالة التي أبكت قلبي وانتزعت النوم من بين جفوني. إن هذه المرأة يا سيدي لا تطمع في مال أو جاه، ولا ترغب في مغنمة شخصية، أو معونة مالية، إنما جل ما تريده مساعدتها علي استعادة حق سليب لطفل يتيم، فقد والديه في حادث العام الماضي، هذا الطفل الذي يبلغ من العمر 12 عاما تعرض لمأساة إنسانية جعلته يحيا وحيدا مشردا في الشوارع، ينام بين الطرقات ويتخذ من الأرصفة مأوي له، بعد أن كان يعيش في ترف ورغد ورخاء، وينعم بالتعليم في أفضل المدارس، لأن عمه نهب كل أموال والده، وأستولي علي منزله، وتركه يواجه مصيرا مجهولا بالشوارع، وحرمه من استكمال دراسته، وتحقيق حلمه في أن يصبح مهندس طيران!! تبدأ القصة حينما شعرت تلك السيدة بحالة من الإعياء الشديد أثناء سيرها بالشارع، وخشيت أن تسقط مغشيا عليها، فتوقفت واستندت إلي سيارة تقف علي جانب الطريق، وإذا بها تري طفلا صغيرا يتخذ من أحد الجدران مأوي له، وفي حضنه قطة صغيرة تشاركه قطعة من الكارتون، يحتميان بها من برودة الطقس، وحين استشعر الطفل أن المرأة فقدت توازنها وكادت تسقط علي الأرض، سارع ووضع قطعة الكارتون فوق ركبتيها، وساعدها بيديه الصغيرة علي الجلوس فوق الرصيف، ثم تركها وركض بعيدا، وبعد دقيقة عاد حاملا زجاجة مياه وبسكويت، وبعد أن شعرت بالتحسن لاحظت زجاجة مياه في المكان الذي كان يجلس فيه الطفل، وقبل أن تنبث بكلمة سارع قائلا: «كنت ستشعرين بالقرف إذا أعطيتك زجاجتي»!! لفت نظر المرأة لباقة الطفل وأدبه، وملامحه وأسلوبه المهذب الذي لا يوحي أنه من أطفال الشوارع، فقررت أن تكتشف بنفسها الحقيقة، وظلت تتحدث معه حوالي ساعة، عرفت خلالها أن اسمه «سليم» وكان يتعلم في مدرسة BBC، ويحلم أن يصبح مهندس ميكانيكا طيران، ولكن بعد رحيل والديه في حادث، استولي عمه -الذي كان شريكا لوالده -علي كل الأموال، ورفض أن يكمل تعليمه في مدرسته، وبدأ يعامله بطريقة سيئة ومهينة، حتي ترك المنزل وأخذ معه كل النقود التي كان يدخرها، وعلق سليم قائلا: كنت أدخر النقود لكي أشتري كلبا، ولم أكن أعلم أنني سوف أكون «كلب» وأشتري نفسي بهذه الأموال! فسألته: نفسك في إيه يا سليم؟! قال: أرجع مدرستي! وهنا قررت السيدة الجليلة أن تكفل «سليم»، وأقسمت له أنها سوف تعيده إلي مدرسته، وتساعده علي استعادة حقه المسلوب، وكتبت القصة علي صفحتها بالفيس بوك وقالت: إنني لا أريد من أحد أن يساعدني بأموال، فأنا سوف أتكفل بكل ما يحتاجه، لكني أطلب ممن لديه علاقة بالمدرسة، مساعدتي لكي يعود «سليم» إلي مدرسته، ويلحق بزملائه، وأرجو ممن يعرف عمه «أدهم» يبلغه بأن ابن شقيقه لن يصبح من أطفال الشوارع، وانه راجع مدرسته لكي يصبح مهندس طيران مثلما كان يحلم، وسيعود ليأخذ حق والده منك، لكن ربنا لن يسامحك علي ما فعلته معه. لقد كان عقلي عاجزا عن تصديق تلك الرواية التي سردتها لي إحدي صديقاتي، ولكن حين قرأت تلك السطور انتابتني حالة بكاء شديدة، فلم أكن أتصور أن الجشع والطمع والنهم يمكن أن تنتزع الإنسانية والرحمة بهذه الصورة، وأن تصل القسوة والغلظة برجل إلي ارتكاب مثل تلك الجريمة مع ابن شقيقه، واستجمعت رباطة جأشي، واتصلت بالإعلامي محمد نشأت الذي نشر الرسالة، فعلمت منه أن عشرات المدارس عرضت أن تتكفل بتعليم «سليم»، كما عرض العديد من المواطنين التكفل بكل ما يحتاجه. لكن هذا ليس الهدف والمبتغي يا سيادة الرئيس، فلا يمكن أن يتسول «سليم» من الغرباء وعمه ينعم بأمواله التي سرقها من والده، كما لا ترضي بأن يضيع حق هذا الطفل لمجرد أنه يعيش وحيدا في الدنيا بعد فقدان والديه، إننا لا نريد منك سوي العدل والحق والقانون.