بالأمس ودعنا أعز الأحباب وما للأحباب في الدنيا إلا ذكري تعطر الأنوف، وتتناقلها الألسن بالمديح، فهو إن غاب عنا جاحظ ∩الأخبار∪ بجسده كما كنت أحب أن أناديه، ستبقي سيرة أستاذنا محمد عبدالمقصود تحيا بيننا، ولن ينسي الجميع بشاشة وجهه وكرمه، فالكرم ليس ما يغدق به الإنسان علي غيره من طعام يشتهيه، بل كرم في الأخلاق. ولك أن تعد مكارم الأخلاق عندما يمشي بين الكبير والصغير بكل ود وحب، فيلقي هنا ابتسامة، ويقف ليحييك وهو يلهث أنفاسه، ويستأذن من يؤذيه بدخانه قائلا: مرحبا بك ضيفا كريما.. لك منا كل التقدير ولنا عليك أن تترك لنا الهواء كي يريح أنفاسنا المتعبة، عاش هادئ النفس أراد أن تكون الطبيعة كما خلقها الخالق فلا يلوثها إنسان، فكان مغرما بها ولم لا وهو البارع في شئون البيئة، فبالأمس تركنا ورحل إلي عالم النقاء دون زيف أو رتوش، وترك لنا الأوجاع ونحن ننظر إلي تلك الشجرة المثمرة وهي شجرة ∩الأخبار∪ تتساقط أوراقها ورقة تلو الأخري. فهنا وقفت لأتعجب من أمر الإنسان تأتيه الدنيا وهو غافل، وآخر يلهث وراءها وهو خاسر فمهما طال السكن فغدا يكون الرحيل. فمهما تمتعت بها لا تنتهي وإن جريت وراءها لا تأخذ منها إلا ما كتب لك، فتجدهما متمسكان بقوله سبحانه (اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ) ونسوا أن يتموا قوله تعالي (كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ). نعم يغتر الإنسان فيها وينسي أن يحسن بناءه فيها وما هي إلا لحظات يواري في الثري ويترك أعز ما فيها، لذلك يحضرني قول الإمام علي (النفس تبكي علي الدنيا وقد علمت أن السلامة منها ترك ما فيها فإن بناها بخير طاب مسكنها وإن بناها بشر خاب بانيها) اللهم أحسن بناءنا فيها وارحم من رحل منا وتركنا فيها واجعل خير لقاء يجمعنا بأحبائنا حوضك الكريم.