ربما لا يوجد في تاريخ الصحافة العربية وربما العالمية أيضا كاتب وصحفي استطاع أن يجمع هذا القدر من التجارب والعلاقات مع قادة وزعماء العالم مثل «الأستاذ» محمد حسنين هيكل، فعبر سبعة عقود من العمل في بلاط صاحبة الجلالة، استطاع هيكل أن يجمع تاريخا من الصداقات العميقة مع ملوك ورؤساء مصر والمنطقة العربية، والعالم كله. ورغم حرص الكاتب الراحل محمد حسنين هيكل على ألا تتجاوز علاقته بهؤلاء الزعماء طبيعته كصحفي، وهو الوصف الذي كان دائم الاعتزاز به طوال تاريخه رغم توليه الكثير من المناصب المهمة عبر مراحل حياته المختلفة، إلا أن قدرة هيكل على توطيد علاقاته بزعماء العالم جعلت كثيرين يصفونه ب»صانع الملوك.. وصديق الزعماء»، لكن الحقيقة أن هيكل ظل حريصا على ألا يتجاوز حدود الصحفي. واحتفظ لنفسه بمكانة خاصة لدى أجيال من قادة وزعماء العالم، الذين كانوا يحرصون على الجلوس إليه والاستماع إلى تحليلاته وخبراته. ومنذ بدأ هيكل مشواره الصحفي كان واضحا أنه يمتلك قدرة فريدة على التحليل والتواجد في المناطق الساخنة من العالم، وقد ساعده ذلك على بناء علاقات عميقة مع الزعماء وصانعي السياسة في العالم. ولعل بدايات "هيكل" في العمل الصحفي، وتغطياته التي صنعت شهرته خير دليل على ذلك، فقد قام بتغطية معارك الحرب العالمية الثانية في المنطقة، وبخاصة معركة العلمين، وحرب فلسطين عام 1948، وكذلك قام بتغطية الحرب الكورية في مطلع خمسينيات القرن العشرين. استطاع "هيكل" تكوين شبكة من العلاقات الوثيقة مع صناع الأحداث في العالم، وكان للعلاقة الوثيقة التي ربطت بين الزعيم الراحل جمال عبد الناصر وبين الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل أثر كبير في فتح المجال أمام هيكل لبناء صداقات مع معظم قادة العالم. ويمكن عبر قراءة الكتب الثرية ل »الأستاذ» التعرف على لمحات من تلك العلاقات الوطيدة، ففي سلسلة كتبه «حرب الثلاثين عاما» يقدم هيكل كواليس صناعة السياسة في العالم، ويروى جوانب من لقاءاته مع قادة الاتحاد السوفيتي مثل نيكيتا خروتشوف وليونيد بريجينيف ويورى أندروبوف وقسطنطين تشيرنينكو بحكم العلاقات الوطيدة التي جمعت بين مصر والاتحاد السوفيتى السابق في سنوات حكم الرئيس جمال عبد الناصر، واستطاع هيكل بناء علاقات وثيقة مع عدد من هؤلاء القادة وصلت إلى حد استضافة هؤلاء الزعماء لهيكل فى بيوتهم، وتعرفه على عائلاتهم. وروى «الأستاذ» في أكثر من مناسبة حرصه طوال سنوات عمله على زيارة عدد من العواصم العالمية بصورة سنوية مثل لندن وباريس وواشنطن ونيويورك وموسكو للاستماع إلى قادة وصناع القرار في العالم في تلك المدن الكبرى، التي تمثل مركز صناعة الأحداث في العالم. وجمعت هيكل علاقات وطيدة مع العديد من القادة والزعماء العرب، وخلال مشواره الصحفي أجرى مئات المقابلات الصحفية والسياسية مع أبرز الملوك والقادة العرب، مثل الملك الحسن الثاني العاهل المغربي، والملك الحسين بن عبد الله ملك الأردن، والرئيس السوري الراحل حافظ الأسد، وغيرهم الكثير من قادة المنطقة العربية الذين كانوا يحرصون على استقبال هيكل بصورة دورية للاستماع إليه والتعرف على رؤيته للأوضاع في المنطقة والعالم. وكتب «الأستاذ» الكثير من المقالات في كتبه وفى مجلة «الكتب وجهات نظر» حول تلك العلاقات التي جمعته بقادة العالم، وكان الأستاذ محمد حسنين هيكل من أوائل الصحفيين العرب الذين تابعوا عن قرب الأوضاع في إيران، وأدرك أهميتها بالنسبة للمنطقة العربية، فقام بتغطية ثورة محمد مصدق رئيس الوزراء الإيراني الذي قرر تأميم النفط الإيراني، وفتح بقراره هذا صفحة جديدة من تاريخ المنطقة. وتدخلت بريطانيا والولايات المتحدة لتدبير انقلاب ضده، كما اهتم بمتابعة «الثورة الإيرانية» فى سبعينيات القرن الماضي، وأدرك أهمية تطوراتها على مستقبل المنطقة كلها، وانفرد بسلسلة حوارات مع قاداتها، كانت محور اهتمام العالم كله. ورغم أن السياسة كانت الشاغل الأول لهيكل طوال تاريخه، إلا أنه بحسه الصحفي أدرك ضرورة تنويع شبكة علاقاته، فامتدت صداقاته إلى أهم الصحفيين والكتاب والمفكرين في العالم. ولعل كتابه «زيارة جديدة للتاريخ» يعد واحدا من أهم وأمتع أعماله، ويروى فيه مجموعة من كواليس لقاءاته مع أهم رموز العالم ففي هذا الكتاب يعود هيكل إلى لقاءات أجراها مع سبع شخصيات أثروا في التاريخ. وهم: الملك خوان كارلوس ملك إسبانيا، والرئيس السوفييتي السابق أندروبوف، والفيلد مارشال مونتجمرى قائد معركة العلمين التي غيرت مسار الحرب العالمية الثانية، والعالم الفذ أينشتين صاحب نظرية النسبية الذي استضاف هيكل في منزله الخاص وحكى له أسرار رفضه تولى رئاسة إسرائيل، ورئيس وزراء الهند الأسبق جواهر لال نهرو والذى عايش هيكل لحظات حياته الأخيرة، وشاه إيران محمد رضا بهلوي، إضافة إلى رجل الأعمال الأمريكى الشهير دافيد روكفلر.