عندما كان محبو الأديب الكبير الراحل إدوار الخراط ملتفين حول جثمانه داخل تابوت بكنيسة قصر الدوبارة، كان بطلا روايته رامة وميخائيل يسيران فى وسط ميدان التحرير،و يبحثان عن معان جديدة فى مفاهيم الموت والحب والصدق. هكذا أمضت رحلة إدوار الخراط الأدبية التى حاول فيها أن يبحث عن شكل جديد للنص الأدبى الحديث من خلال مصطلحات قد أسسها مثل مفهوم ((الحساسية الجديدة))، وهذا ما أوضحه أدوار حيث يقول: كسر الترتيب السردى الإطرادى، فك العقدة التقليدية‘ الغوص إلى الداخل لا التعلق بالظاهر، تحطيم سلسلة الزمن السائر فى خط مستقيم، تراكب أفعال المضارع والماضى والمحتمل معاً، وتهديد بنية اللغة المكرسة، ورميها خارج متاحف القواميس، توسيع دلالة الواقع لكى يعود إليها الحلم والأسطورة والشعر. كذلك مفهوم "التيار الأسطورى المعاصر" هذا ما ذكره فى كتابه النقدى "القصة والحداثة": هو تيار يلجأ إلى الخرافة والخيال والحكاية الشعبية فى نفس الوقت الذى يشير إلى موضوعات تجرى فى مجرى الحياة اليومية بمشاهدها وأشخاصها، سواء كان ذلك فى موقف تاريخى ومعاصر. يقول الأديب الكبير جار النبى الحلو: ادوار الخراط كان قامة ثقافية فكرية وابداعية كبيرة منذ صدور الحيطان العالية يشير الى شكل من أشكال الكتابة الجديدة وسرد مختلف وأحد المؤسسين للحداثة المصرية، قدم ادوار عدداً من الوجوة الجديدة المنتمية إلى أجيال المختلفة وان كنت من الكتاب الذى قدمهم من خلال كتابه المهم عنوانه " القصة المصرية فى فترة السبعنيات" الذى صدر فى مطبوعات القاهرة وأختار نخبة من الكتاب الذين يكتبون القصة بشكل جديد وأصبحوا الأن أدباء بارزين الأن مثل إبراهيم عبد المجيد ومحمد المخزنجى ومحمود الوردانى ويوسف أبو ريه وعبده جبير وسحر توفيق وغيرهم. أما الأديب منتصر القفاش فيقول: إدوار الخراط المجدد في نصوصه الإبداعية، والناقد الباحث عن علامات التجديد في نصوص الكتاب الآخرين. تلازم الجانبان على مدار رحلة ادوار الكتابية. فلم يكن من الكتاب الذين اكتفوا بالعكوف على نصوصه الإبداعية بل حرص دائما على متابعة التغيرات التي تحدث في الإبداع العربي وبلورتها في مصطلحات تميزها مثل " الحساسية الجديدة، القصة القصيدة، عبر النوعية "، فلم يكتف إدوار بالتصنيف السهل الرائج المعتمد على الأجيال بل سار في الطريق الأصعب، وحاول من خلال تلك المصطلحات الكشف عن تيارات الكتابة العربية، وإظهار ما يتميز به كل تيار بما يضمه من مبدعين من أجيال مختلفة، هناك ما يجمعهم ويفرقهم في الوقت نفسه، ويتضح هذا في كتابه " عبر النوعية " على سبيل المثال. وهذا الملمح النقدي متناغم مع رحلة نصوصه الإبداعية، فتلك النصوص كانت دائمة الترحال في إمكانيات النوع الأدبي يتمازج فيها السرد مع الشعر، وتعيد النظر في الحدود التي تفصل بين الأنواع الأدبية وتبتعد عن الطرق الشائعة الراسخة في بناء القصة والرواية، وتتعامل مع الواقع بمستوياته المتعددة " الوقائع، الحلم، الأسطورة... "دون أن تختزله أو تراهن على بعد واحد منه. ويتطلب هذا قارئا راغبا في المشاركة في هذا الترحال الدائم، ولا ينتظر ما يعرفه ويطمئن إليه بل متفتحا على الأسئلة وعلى الخوض في مناطق غير معتادة. كتب الأديب أحمد زغلول الشيطى قصة قيرة عن إدوار الخراط عنوانه "45 شارع أحمد حشمت" التى نشرت ضمن قصص مجموعة "ضوء شفاف ينتشر بخفة"، ويقول الشيطى أن هذا النص كتبه وقرأه أثناء الأحتفال بعيد ميلاد الخراط الخامس والسبعين بمكتبة القاهرة، لقد راجع النص مؤخرا بعد وفاة إدوار فبدا النص يكشف عن ذائقته فى مرحلة معينة من حياته. لم يشغل الشيطى غياب معظم تلاميذ ادوار الخراط عن جنازته، أنما إنشغل فى سؤال كيف ترك الرجل كهذا كتب ما كتب، قدم من قدم ملأ الساحة بكتابات وأفكار مع ذلك فوجئ الكثيرون برحيله لأنه ظنوا أنه رحل منذ زمن بعيد. لإدوار الخراط دور لا يمكن أغفاله فى ساحة الأدب المصرى المعاصر، هو واحد من المجموعة التى أسست مجلة جاليرى 68 هى المجلة التى تركت بصمة هائلة فى تاريخ السرد المصرى وأظن أن أدبه سوف يعاد قراءته مجددا مثل "رامة والتنين" و"يقين العطش" و"ترابها الزعفران" و"الزمن الأخر" و"طريق النسر" و"محطة السكة الحديد". محمد سرساوى