تميز بالذوق الرفيع والحكمة وبلاغة الأسلوب، حتى أصبحت كلماته تراث لا يمكن الإغفال عنه، رغم رحيل الفنان التشكيلي والشاعر الكبير حسين بيكار 16 نوفمبر 2002. ولد بيكار - 2 يناير 1913 – بحي الأنفوشي بالإسكندرية، في أسرة فقيرة بمنزل يخلو من الأثاث تمامًا، وجدران دون أية ألوان، حيث كان والده رجل بسيط يعمل بأمانة مخازن السلطان عبد الحميد ووالدته سيدة بسيطة من أصل تركي. انبهر في طفولته بما كانت تقوم به والدته من أشغال الإبرة، وكيف تتحول قطعة قماش إلى لوحة فائقة الجمال من خلال التطريز والرسم. وخلال هذه الفترة، اشترى والده آلة العود حتى تتعلم أخته الموسيقى، إلا أنها لم تنجح في الأمر، على عكس "بيكار" الذي أصبح ظاهرة الحي بسبب شغفه بالموسيقى والعزف ويغنى الأغاني الخفيفة والطقاطيق الصغيرة. وكانت الموسيقى السبب في أول أجر يتقاضاه، حيث عرضت عليه إحدى الجارات أن يعلمها الموسيقى نظير ريال في الشهر، وبأول مرتب اشترى علبة ألوان زيت، ليبدأ أولى محاولاته الناجحة في رسم اللوحات وكانت منقولة من كارت بوستال لمناظر من سويسرا، وهي عبارة عن بيوت مائلة وبحيرات تنعكس عليها الزهور والأشجار. - بدايته مع الرسم: توفي والده بعد حصوله على الشهادة الابتدائية وهجرته مع والدته وأخته إلى القاهرة ليلتحق بمدرسة الفنون الجميلة العليا، ودرس الرسم على أيدي أساتذة أجانب ودرس الرسم بالزيت تحت رعاية أستاذه أحمد صبري رائد فن البورتريه، وبعد مرور الوقت أصبح بيكار مساعداَ لمعلمه في تدريس التصوير بمدرسة الفنون الجميلة، وتردد عليه في بيته بميدان الحسينية حيث قام أحمد صبري باستخدامه كموديل ورسم بورتريه له في 10 جلسات مع العود الذي اشتراه خصيصاً لذلك. وقال "بيكار" في هذا :"كنت أغني له وأغني معه، ولكن معه نقتسم سويًا أدوار محمد عثمان وعبده الحامولي ومنيرة المهدية وكامل الخلعي، وكنت موديلا وتلميذاً يتحدث إلي في كيفية بناء الصورة من الألف إلى الياء، وكيف يبدأ ومن أين ينتهي وأحياناً كان يشطب كل ما أنجزه ويهدمه ليبدأ من جديد، وهنا تعلمت منه فقه التصوير وكيف يكون فن البورتريه". - نشاطه الموسيقي: وبدأ نشاطه الموسيقي - عام 1933 – بعد تخرجه من مدرسة الفنون، بعد أن تعرف على موظف شاب وعازف قانون، وكان له زميل آخر بنفس الإدارة عازف كمان هو عبد الرحيم محمد "والد الدكتور جمال عبد الرحيم عميد الكونسيرفتوار سابقا"، وانضم إليهم الدكتور إبراهيم زكي خورشيد وكونوا فرقة موسيقية. وبدأ بيكار يظهر نشاطه في الحفلات كعازف عود ومغني أدوار ويقوم بتحفيظه الأدوار القديمة إبراهيم عثمان شقيق عزيز عثمان، وكانت بعض هذه الأعمال تذاع على محطة إذاعة محلية كانت تسمى "سابو" وكان يقف على المسرح مع كبار مطربي هذا الزمان صالح عبد الحي وزكريا أحمد وعبده السروجي. وفي خلال هذه الفترة - عمل في تأسيس متحف الشمع، وانجاز بعض الأعمال في ديكور المعرض الزراعي، ثم انتقل إلى المغرب لتدريس مدة ثلاث سنوات، ورسم أول رسومه التوضيحية هناك عندما وضع مدرس اللغة الإسبانية كتابا لتعليم اللغة للتلاميذ، وطلب من بيكار مدرس الرسم آنذاك أن يترجم الكلمات إلى صور، وحينها صمم أول غلاف من مجلة "السندباد". وعاد بيكار إلى القاهرة عام 1942، وشغل منصب مساعد أستاذه وصديقه الفنان أحمد صبري، وتولى رئاسة القسم الحر خلفا لصبري الذي انتقل لرئاسة قسم التصوير، وسرعان ما تولى بيكار رئاسة هذا القسم بعد إحالة صبري للتقاعد. وعن عمله في الأخبار : ألح عليه الشقيقين علي أمين ومصطفى أمين للتفرغ للرسم الصحفي الذي كان يمارسه في الأخبار منذ عام 1944، وكان يمتلك أسلوبًا بسيطًا وواضحًا في هذا المجال، وكان رائداً له بدلاً من النقل من الصحف الأوروبية. كان أول فنان رسم غلاف كتاب، بعد ما كان يسيطر على هذا المجال عمال الحفر، حتى أن كتاب "الأيام" للراحل طه حسين - أول كتاب يقوم برسمه بعد عودته من رحلة المغرب، ويحمل الغلاف كلمة الأيام بخط يد بيكار، لتتعدى بعد ذلك الكتب التي رسمها حتى رحيله الألف كتاب. وتميز خلال رحلته الطويلة مع أخبار اليوم بنوع جديد من الأدب وهو "أدب الرحلات"، فكان يكتب ويصور بريشته كل غريب. ومن ضمن إسهاماته أنه كان صاحب مدرسة للفن الصحفي وصحافة الأطفال، إضافة لكونه رسام ومصور وشاعر وفيلسوف.