قال فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر، د. أحمد الطيب ،في حديثه الأسبوعي الذي يذاع ، الجمعة 13 نوفمبر، على الفضائية المصرية إن السبب في ترويج الشائعات عن الصحابة في هذه الأيام هو انقطاع الناس عن تراثهم واهمالهم له. وأضاف: إن هذه الحلقات –كما قلنا- إنما تهتم في المقام الأول بالدفاع عن أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، والتصدِّي للتهم الباطلة الكاذبة التي يروج لها دُعاة الفتنة والفرقة بين أمة المسلمين الواحدة، وقد سارعنا في الحديث عن أبي بكر الصديق –رضي الله عنه-؛ لأنه لَمْ يُغمز في وصفه بتصديق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- طوال فترة الرسالة.. ولكن خلافته تعرضت من كثير من المغرضين لمطاعن ومغامز شتى، وكان من الواجب أنها إذا ما أثيرت أن تُعاد معها أجوبتها التي فندتها وزلزلت "مصداقيتها " قديمًا وحديثًا. وأضاف فضيلته في حديثه الأسبوعي: "من المتفق عليه أن عائشة رضي الله عنها قالت أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-قال في مرضه: "مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ"، قالت عائشة رضي الله عنها:" يا رسول الله إِنَّ أَبَا بَكْرٍ رَجُلٌ أَسِيفٌ، وَإِنَّهُ مَتَى يَقُمْ مَقَامَكَ لَا يُسْمِع النَّاسَ، فَلَوْ أَمَرْتَ عُمَرَ، فقال -صلى الله عليه وسلم: مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ، فعادت عائشة تقول لحفصة قولي له: " إِنَّ أَبَا بَكْرٍ رَجُلٌ أَسِيفٌ، وَإِنَّهُ مَتَى يَقُمْ مَقَامَكَ لَا يُسْمِع النَّاسَ، فَلَوْ أَمَرْتَ عُمَرَ، فأعادت حفصة ما قالته عائشة رضي الله عنها، فضجر رسول الله صلى الله عليه وسلم من هذه المراجعة وقال: " مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ". هذا هو الحديث المتفق عليه عند أهل السنة والجماعة، وله صلة بالتهمة الباطلة التي قيلت في شأن خلافته -رضي الله عنه - وقد تنبَّه العقاد بذكائه المعتاد ولفظاته العبقرية إلى أن هذا الحديث يهدم هذه الادعاءات، ويأتي عليها من الأساس، فهذا الحديث برهان لا يمكن رده على براءة السيدة عائشة مما قيل عن ضلوعها في مؤامرة التخطيط لخلافة أبيها، فنحن نعلم أن عائشة رضي الله عنها لم يُعهد منها مخالفة لأمر النبي -صلى الله عليه وسلم- في أمر خطير كهذا قط، ولو أنها كانت تخطط لخلافة أبيها لتلقفت قوله -صلى الله عليه وسلم:" مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ" تلقف اللهفان ورفضه بين الناس وأذاعته على أنه توجيه للناس على خلافة أبيها للنبي -صلى الله عليه وسلم- وهو في مرضه الأخير، وهذا الأمر لو كانت رضي الله عنها تخطط له، هو أكبر دعاية لأبيها بين المسلمين، لكنها رضي الله عنها تردَّدت، وغامرت بمراجعة زوجها الذي كانت تحرص على رضاه وسماع كلامه، وتحرص في الوقت نفسه على ألا تزيد في إرهاقه -صلى الله عليه وسلم- وهو مريض وإلى درجة الضجر.. حين قال: "إنكن صواحب يوسف" لم تغامر بكل ذلك إلا لأنها بريئة من موضوع المؤامرة على الخلافة الذي لم يخطر لها على بال. وهذا أقوى دليل على أنها لم تفكر مجرد تفكير في هذا الأمر، فضلًا عن أن التآمر المزعوم ليس من أخلاق عائشة ولا أخلاق أبيها ولا أخلاق عمر وأبي عبيدة. وأوضح شيخ الأزهر أن أبا بكر رضي الله عنه استأذن من النبي -صلى الله عليه وسلم- بعد أن اطمأن عليه ورآه يصلي بالناس وهو جالس، فقال له أبو بكر: "إني أراك قد أصبحت بنعمة من الله وفضل، كما نُحب، واليوم يوم بنت خارجة أفآتيها؟" فأذن له النبي -صلى الله عليه وسلم- وذهب أبو بكر إلى زوجه هذه التي كان يقيم بها في ضاحية اسمها "العالية" خارج المدينةالمنورة، وشاءت الأقدار أن النبي -صلى الله عليه وسلم- تُوفِّى في هذه الليلة التي كان أبو بكر فيها بعيدًا عن المدينة، ولم يكن إلى جوار النبي -صلى الله عليه وسلم- ولا في بيته، فلو كان أبو بكر رجلا متآمرا وأراد الخلافة لما ترك بيت النبوة في هذه الظروف، وانتظر إشارة من النبي -صلى الله عليه وسلم- أو وصية بالخلافة من بعده، وهذا يفند مسألة تآمره رضي الله عنه - فعدم وجوده وعدم حرصه على البقاء إلى جوار ابنته وزوجها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يدل دلالة قاطعة على عدم طمعه في شيء؛ لأن المتآمر دائما ما يتحين الفرص للوصول إلى بُغيته . وتابع فضيلة الإمام الأكبر: "أما القول بأن عمر – رضي الله عنه- كان أحد المتآمرين في موضوع الخلافة وصرفها عن عليّ إلى أبي بكر رضي الله عنهما، فهذه فرية مغرقة في التفاهة والتهافت، ومصادمة للواقع والتاريخ، يتبين ذلك من رصد سيرته رضي الله عنه حين تُوفِّى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وكيف تلقى خبر وفاته؟ هل تلقاه تلقي المتآمر على الخلافة، المترقب لوفاة النبي -صلى الله عليه وسلم- والمدبِّر لأمرها بليل كما يقولون؟ التاريخ يقول: إن عمر حين سمع نبأ وفاة النبي -صلى الله عليه وسلم- فَقَد وعيه مِن هَول النبأ، وأقسم أن يقتل من يقول: إن محمدًا قد مات: "من يقول إن محمدًا قد مات ضربته بسيفي هذا" لم يتحمل الموقف ولم يستوعبه رغم صلابته وقوته وجرأته المعهودة، ولم يرده إلى صوابه إلَّا أبو بكر حين تلا قوله تعالى:﴿ وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ ﴾، وقال: " وَاللَّهِ مَا هُوَ إِلا أَنْ سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ يَتْلُوهَا حَتَّى وَقَعْتُ إِلَى الأَرْضِ ، مَا تَحْمِلُنِي رِجْلايَ، وعرفت أن رسول الله قد مات"، هل هذه حال رجل مترصد لوفاة النبي -صلى الله عليه وسلم- ليبدأ الخطط والمؤامرات على الخلافة؟ لو أنه كان يفكر في أمر الخلافة، فلماذا أصابه الذهول من الوفاة، ولماذا لم يؤكدها ويسارع بتجهيز الجسد الطاهر ليتفرغ لهذه المؤامرة؟!! وأشار فضيلته إلى أن الذين يقولون: إن أباعبيدة -رضي الله عنه- كان ثالث ثلاثة في هذه المؤامرة يستندون إلى أنه كان مع أبي بكر وعمر في سقيفة بني ساعدة، ونحن نعلم من التاريخ أن الأنصار اجتمعوا في سقيفة بني ساعدة لاختيار خليفة منهم، وأن أبا بكر وعمر بلغهما ذلك فسارعا إلى هناك، وفي الطريق لقيهما أبو عبيدة فذهب الثلاثة مجتمعين، ولم يكن بينهم اتفاق، بل لم يفكر أي منهم في أمر الخلافة إلَّا بعد سماع نبأ اجتماع الأنصار في السقيفة لاختيار خليفة، لافتًا إلى أن هذا التآمر المزعوم لا يصدقه عاقل، فكيف يعقل أن يجتمع صفوة أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليتآمروا على وراثته وهو حي؟ وكيف أمنوا أنْ ينزل قرآن يفضح أمرهم ويُسمِّي للخلافة شخصًا آخر؟! ومن أدراهم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قبل أن يفارق الدنيا يوصي بأحد غير هؤلاء الثلاثة؟ وأكد فضيلة الإمام الأكبر أن مسألة اتهام عائشة وأبيها وعمر وأبي عبيدة – رضي الله عنهم- بالتآمر أكذوبة، ولا يصح أن تبعث من الكتب القديمة غير الموثوقة لتذاع الآن ويصدق المستغفلون هذه الفرية التي قُتِلَتْ بحثًا ورَدًّا من علماء الكلام عند أهل السنة حتى من المؤرخين، لكن المشكلة تكمن في أن الناس انقطعت عن تراثها، وأن هذه الشبهة الكاذبة التي يروج لها الآن عبر النشرات والكتب وفضائيات الفتنة والطائفية دون أن تصدر معها الردود تقصير واضح يجب أن نتدراكه،وهذا ما نحاول القيام به في هذه الحلقات، مشددا على أنه لا يستطيع أحد أن يثبت تحت أي لافتة أن أبا بكر وعمر وأباعبيدة وعائشة -رضي الله عنهم- تآمروا في مسألة خلافة النبي –صلى الله عليه وسلم-؛ لأنه – صلى الله عليه وسلم- تُوفِّي ولم يكن أحد من الصحابة يعلم مَن الخليفة بعد وفاته – صلى الله عليه وسلم. يذكر أن حديث فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر الشريف يذاع على الفضائية المصرية عقب نشرة أخبار الساعة الثانية ظهراً من كل يوم جمعة.