من يعرقل ملف الإفراج عن الشباب ومن يفتح الباب لعودة كهنة التوريث هم الذين يضغطون على كوابح العربة .. وهم أول من يجب أن يتخفف منهم قائدها لسنا في قطار يسير على خط حديدي مرسوم، من محطة نعلمها إلى مقصد نريده، يسترشد في رحلته بإشارات أضواء، يبطئ ويتوقف ويتحرك على هداها. ركابه يجلسون في سكينة، تعزلهم أبواب موصدة ونوافذ مغلقة، عن لهيب حر، أو صقيع برد، أو رياح عواصف، أو قطرات مطر، يسلمون آذانهم إلى صوت تتابع القضبان الرتيب، ومنه يحسبون سرعة القطار، فيعرفون موعد الوصول. نحن في عربة مكتظة، تتقافز على طريق زلقة، في ضباب الليل، تحت سماء ترعد وتبرق، لا تنير دربا ولا تبدد ظلمة. السائق يعرف وجهته، ماهر في تفادي العوائق، وتجاوز مطبات الطريق. يعبر في رباطة جأش منحنيات وعرة، وما أكثرها، ليعصم العربة وركابها من اصطدام بسفح جبل، أو سقوط من حالق. لكن مهارة السائق لا تكفي، إذا كان المحرك عليلاً والوقود شحيحاً، وإذا كان الركاب منهم من يصرخ عند كل منحنى خوفاً عليه وعلى أنفسهم، فيزيدونه قلقاً على قلق، ومنهم من يشكك في مسار العربة، عساه يستدير إلى حيث يتمنون ولا ينشد هو ولا باقي الركاب، ومنهم من يتحين فرصة لانتزاع المقود، حتى لو كان الثمن اصطداما مروعا، أو ارتطاما بقاع جرف، وغالبيتهم تجلس على مقاعدها تستحث السائق على مزيد من السرعة واختصار الرحلة، وتسائله عن أجواء غير مواتية، وطريق غير معبدة وعوائق لا يد له فيها. السائق ماهر، لكن لا بأس من أن يختلس النظر بين حين وآخر إلي عدادات العربة ليطمئن إلي مؤشراتها. والسائق عارف بوجهته، لكن لا ضير من أن يطالع بين حين وآخر بوصلته حتى لا يحيد عن الطريق، ويعيد ضبطها إذا هي حادت عن المقصد، ويريها لرفاق رحلته كي تطمئن قلوبهم إلي سلامة الاتجاه. السائق يريد الوصول بالعربة وركابها، لكن بلوغ الهدف عسير دون تحلل أو تخفف ممن يضغطون علي المكابح، ودون تصد أو مجابهة لمن يرغبون في اختطاف وجهة العربة، أو يسعون لخرابها على من فيها. ■ ■ ■ .. أتحدث عن عقبات على طريق وعرة، وعن بوصلة وسلامة اتجاه..وهذا رأيي.. لا يستقيم ونحن نخوض حرباً ضروساً مع الإرهاب في سيناء وفي الوادي أن نقوض المجهود الحربي بإشارات من قبيل إقرارات توبة تستكتبها أجهزة أمن لعناصر من الصفوف الثانية والثالثة والرابعة لجماعة الإخوان في محابسهم، وكأن تلك الإقرارات صدرت عن غير غطاء "تقية"، أو كأنها ستشق صف الجماعة الإرهابية! الحق أنها فتحت باب الأمل للقواعد الإخوانية، في إعادة تنظيم صفوفها بعد خروج هذه الكوادر، والتهيؤ لهجوم مضاد نحو استعادة السلطة تدريجيا، بدءا بالمجالس المحلية، ثم النقابات، ثم انتخابات مجلس النواب بعد القادمة، أي في غضون فترة ما بين 4 إلى 5 سنوات! الخطير أنها أعطت انطباعاً لدى تنظيمات الإرهاب المسلح أن السلطة في حالة إنهاك وأنها بعد الإقرارات ستدخل إلى بوابة التفاوض، ومن ثم فالضغط عليها بالعمليات الإرهابية المنظمة والعشوائية، والتظاهرات المتفرقة، سيزيد من ليونتها وسيدفع عموم الجماهير إلى الإحباط. النصر في الحرب على الإرهاب لن يتحقق إلا بكسر إرادة العدو، وهو هنا جماعة الإخوان التي تدعو في مواقعها إلى الجهاد المسلح، فلا اتصال ولا تفاوض ولا مساومة ولو بغرض الخديعة، والطريق إلى كسر الإرادة يمر عبر تشديد القبضة الأمنية لتجفيف منابع تمويلها، والقبض على مموليها، وتفكيك الهيكل العظمي لقيادتها البديلة، وإغلاق أي نافذة بين قادتها المحبوسين وأعوانهم خارج القفص، حتى لا تقوم لها قائمة. حسم المعركة على الإرهاب، يبدأ بعدالة ناجزة، وأحكام رادعة، وقضاء غير مسرف ولا مبطئ، وتنفيذ فوري غير متردد على أولئك الذين كادوا يحرقون البلد ليحكموه على خرائبه هذا ما ننتظره من قضائنا، مثلما ننتظر من أزهرنا فتوى بعصيان جماعة الإخوان وتكفير التكفيريين. ■ ■ ■ أعرف قوة الجيش المصري، أعرف أنها فوق ما تتصورون، أتوقع انه سيزف لنا بأقرب مما نظن بشارات بانتصارات مؤثرة تختصر زمن حرب نحسبها طويلة. الرئيس قال إننا نعرف من عاونوا الإرهابيين في تفجيرات العريش التي راح ضحيتها العشرات ما بين شهيد وجريح.. قال إننا نعرفهم ونراهم ولن نتركهم. لابد إذن أن "تتمطع" مصر لتطال بذراعها العسكري الأمني أولئك الأعداء، حتى لو كانوا خارج حدودها، فالذين سفكوا دماء خير أجناد الأرض، أو عاونوا على إراقتها، لابد أن يذوقوا العذاب حيثما كانوا أضعافا مضاعفة. ■ ■ ■ اليوم يفتح باب الترشح للانتخابات البرلمانية.. ورغم اعتقادي بأهمية إنجاز الخطوة الثالثة والأخيرة في خارطة المستقبل، على الصعيدين الخارجي والاقتصادي، أجدني غير مرتاح لتوقيتها، ولا متفائل بنتائجها في ظل اتفاق الكتل والأحزاب السياسية على ألا تأتلف! ومع اجتماعات الاختلافات بين الأحزاب وتكالب القوى السياسية على كعكة غير ذات مذاق ولا شبع، لا يعقل أن تترك عناصر جماعة الإخوان لتخوض انتخابات مجلس النواب، ويقال لنا: إن الحكم لإرادة الشعب!.. فكيف لك أن تحارب بالنهار المخربين والقتلة، ثم تجلس معهم بالليل لتلعب بأوراق السياسة؟! هناك حكم قضائي وقرار حكومي باعتبار "الإخوان" جماعة إرهابية، فهل يسمح للإرهابيين بأن ينوبوا عن الأمة؟! بنفس المنطق.. كيف يترك الذين طغوا وأفسدوا واشتروا السلطة بالمال، وأهانوا الشعب وزوروا إرادته في الانتخابات، وثارت عليهم الجماهير، ليخوضوا أول انتخابات في عهد أول رئيس وطني منتخب، وكأن ثورة لم تقم؟! إن الذين يتحدثون عن ترك أمر انتخاب هؤلاء لإرادة الجماهير، إنما يتناسون أنهم تلاعبوا بقيد الناخبين في جداول دوائرهم، ويهينون إرادة الجماهير العارمة التي ثارت على إفسادهم الحياة السياسية في مصر في العقد الأول من هذا القرن، بل يسيئون إلى الرجل الذي تنبأ بزوال "النظام البليد" قبل رحيله بشهور، بسبب سدنة التوريث، وعرّابي زواج المال بالسلطة، ومزوري إرادة الناخبين. ■ ■ ■ الأمة التي تخاصم شبابها وإن جنح، تخصم من رصيد مستقبلها، ولقد سألت الرئيس عن الشباب المحبوس غير الإخواني ممن لم يسفك دماً ولم يحمل سلاحاً، فأجاب بأنه كلف وزير الداخلية بإعداد قوائم بأسمائهم للإفراج عن الأبرياء أو الذين لم يقترفوا جرائم جسيمة، حزمة واحدة. ونتيجة تباطؤ المعنيين بحصر الأسماء ووضع القوائم، لم يتم الإفراج عن هؤلاء قبل حلول ذكرى ثورة 25 يناير، كما كان يرجو الرئيس، إنما خرج جمال مبارك - بحكم قضائي- رغم أنه متهم في نظر جموع الشعب -ومنهم يقينا الرئيس السيسي- بمحاولة قلب النظام الجمهوري ووراثة حكم البلاد. ليس هذا هو اتجاه بوصلة الحكم.. أن يخرج الوريث في عيد الثورة على التوريث، ومن قبله ساعده الأيمن أحمد عز الذي يتهيأ ليعود إلي مقعده في البرلمان، ويبقي في الحبس شباب فجروا ثورة 25 يناير وإن جنح بعضهم في حماسه، أو ارتكب بعضهم خطايا في حماقة، أو يظل في السجن شباب محكوم عليهم في قضايا محاولة قلب نظام حكم الإخوان! من يعرقل ملف الإفراج عن الشباب، ومن يفتح الباب لعودة كهنة التوريث، هم الذين يضغطون على كوابح العربة، وهم في صدارة من يجب أن يتخفف منهم قائدها! ■ ■ ■ الذين يسرفون في الآمال المتوقعة من انعقاد قمة دعم وتنمية الاقتصاد المصري في مارس المقبل بشرم الشيخ، ويرفعون من سقف توقعات الجماهير على غير أساس أو فطنة مثلهم مثل الذين يهونون من إجراءات المرحلة الثانية لإصلاح دعم الكهرباء والوقود في يوليو الماضي، ويستهينون بتبعاتها الاجتماعية على غير دراية أو حكمة. لا المؤتمر الاقتصادي سيمطر "منا وسلوى" وقناطير مقنطرة من مليارات الدولارات، ولا تخفيض دعم الكهرباء والوقود في هذه الظروف سيصلح الاقتصاد وسيمر كالسكين في قالب زبد. مؤتمر شرم الشيخ الذي نتمناه ناجحاً ونسعى لأن يكون حاشداً وآمناً، هو خطوة لجذب استثمارات في مشروعات، تتلوها خطوات على طريق الإصلاح المؤسسي، والبناء على ما جرى إنجازه، وهو فرصة لتقديم صورة مصر الجديدة وعرض مشروعاتها العملاقة والكبرى والبيئة الجاذبة للاستثمار وعائداته المربحة للمستثمر الأجنبي والعربي والمصري بالطبع. أما الشريحة الثانية لإجراءات إصلاح دعم الطاقة، فإنني أستغرب من حرص مسئولين بالحكومة على الحديث عنها دون مقتضى أو لزوم، وكأنهم يقلبون الناس على الرئيس، برغم أن توقيت اتخاذها قد يرجأ، وأن الحصيلة المنتظرة منها (20 مليار جنيه) ليس من المستحيل تدبيرها من موارد أخري دون الضغط في هذه الظروف على أحوال الناس وزيادة معاناتهم، والسحب من رصيد الرجل في قلوب أبناء الطبقة المتوسطة ودون المتوسطة. ■ ■ ■ القطاع الخاص هو الذي يتحمل العبء الأكبر في الاستثمار بالبلاد، ومن ثم فإن تهيئة المناخ الملائم لتشجيع رجال الصناعة والإنتاج على التوسع في مشروعاتهم وإقامة مشروعات جديدة هو واجب على أجهزة الدولة لزيادة الناتج المحلي وتوفير فرص عمل للشباب تمتص البطالة وتحد من معدلاتها. لكن الخط الفاصل بين هؤلاء وبين الذين استحلوا المال العام في عصر زواج الثروة بالسلطة، والذين حصلوا علي الأرض الزراعية وحولوها إلى منتجعات سياحية دون أن يسددوا حق الدولة، يجب أن يكون واضحا ومرئيا فلا يحسب هؤلاء علي أولئك، ولا أولئك على هؤلاء. أعرف أن هناك قوائم أعدت، وملفات اتخمت أوراقها، لكن إجراءات استعادة حق الشعب ما زالت تراوح مكانها. ألم يحن الوقت بعد للمساءلة وفتح الملفات؟! إن جموع الفقراء والبسطاء الذين يبلعون الزلط آملين في أن تتحسن أحوال بلادهم ومعها أحوالهم، ينتظرون حسابا على فساد، واستعادة لأموال الشعب، بعدما خاب أملهم في استجابة رجال الأعمال - عدا قلة معدودة - لصندوق "تحيا مصر"، ويتوقعون أن بعضا مما يمكن تحصيله من حق الدولة في أراضيها، إذا ذهب مباشرة في مبادرات لتمويل مشروعات لهم متناهية الصغر، أو مد مظلات الرعاية الاجتماعية، سوف يحقق طفرة في معيشتهم. هؤلاء هم الجمهور الحقيقي للرئيس السيسي، الرجل الذي ظلوا ينتظرون قدومه ليحنو عليهم - كما قال - ويرفق بهم. ■ ■ ■ يعرف الركاب في معظمهم أن قائد العربة يقظ، وماهر وأمين عليهم في رحلتهم. يعرفون أن بعد ليل المسيرة فجرا، وأن قائدهم يعلم وجهته. لكن لا مانع من أن يراجع بوصلته بين حين وآخر، ليطمئن إلى سلامة الاتجاه. من يعرقل ملف الإفراج عن الشباب ومن يفتح الباب لعودة كهنة التوريث هم الذين يضغطون على كوابح العربة .. وهم أول من يجب أن يتخفف منهم قائدها لسنا في قطار يسير على خط حديدي مرسوم، من محطة نعلمها إلى مقصد نريده، يسترشد في رحلته بإشارات أضواء، يبطئ ويتوقف ويتحرك على هداها. ركابه يجلسون في سكينة، تعزلهم أبواب موصدة ونوافذ مغلقة، عن لهيب حر، أو صقيع برد، أو رياح عواصف، أو قطرات مطر، يسلمون آذانهم إلى صوت تتابع القضبان الرتيب، ومنه يحسبون سرعة القطار، فيعرفون موعد الوصول. نحن في عربة مكتظة، تتقافز على طريق زلقة، في ضباب الليل، تحت سماء ترعد وتبرق، لا تنير دربا ولا تبدد ظلمة. السائق يعرف وجهته، ماهر في تفادي العوائق، وتجاوز مطبات الطريق. يعبر في رباطة جأش منحنيات وعرة، وما أكثرها، ليعصم العربة وركابها من اصطدام بسفح جبل، أو سقوط من حالق. لكن مهارة السائق لا تكفي، إذا كان المحرك عليلاً والوقود شحيحاً، وإذا كان الركاب منهم من يصرخ عند كل منحنى خوفاً عليه وعلى أنفسهم، فيزيدونه قلقاً على قلق، ومنهم من يشكك في مسار العربة، عساه يستدير إلى حيث يتمنون ولا ينشد هو ولا باقي الركاب، ومنهم من يتحين فرصة لانتزاع المقود، حتى لو كان الثمن اصطداما مروعا، أو ارتطاما بقاع جرف، وغالبيتهم تجلس على مقاعدها تستحث السائق على مزيد من السرعة واختصار الرحلة، وتسائله عن أجواء غير مواتية، وطريق غير معبدة وعوائق لا يد له فيها. السائق ماهر، لكن لا بأس من أن يختلس النظر بين حين وآخر إلي عدادات العربة ليطمئن إلي مؤشراتها. والسائق عارف بوجهته، لكن لا ضير من أن يطالع بين حين وآخر بوصلته حتى لا يحيد عن الطريق، ويعيد ضبطها إذا هي حادت عن المقصد، ويريها لرفاق رحلته كي تطمئن قلوبهم إلي سلامة الاتجاه. السائق يريد الوصول بالعربة وركابها، لكن بلوغ الهدف عسير دون تحلل أو تخفف ممن يضغطون علي المكابح، ودون تصد أو مجابهة لمن يرغبون في اختطاف وجهة العربة، أو يسعون لخرابها على من فيها. ■ ■ ■ .. أتحدث عن عقبات على طريق وعرة، وعن بوصلة وسلامة اتجاه..وهذا رأيي.. لا يستقيم ونحن نخوض حرباً ضروساً مع الإرهاب في سيناء وفي الوادي أن نقوض المجهود الحربي بإشارات من قبيل إقرارات توبة تستكتبها أجهزة أمن لعناصر من الصفوف الثانية والثالثة والرابعة لجماعة الإخوان في محابسهم، وكأن تلك الإقرارات صدرت عن غير غطاء "تقية"، أو كأنها ستشق صف الجماعة الإرهابية! الحق أنها فتحت باب الأمل للقواعد الإخوانية، في إعادة تنظيم صفوفها بعد خروج هذه الكوادر، والتهيؤ لهجوم مضاد نحو استعادة السلطة تدريجيا، بدءا بالمجالس المحلية، ثم النقابات، ثم انتخابات مجلس النواب بعد القادمة، أي في غضون فترة ما بين 4 إلى 5 سنوات! الخطير أنها أعطت انطباعاً لدى تنظيمات الإرهاب المسلح أن السلطة في حالة إنهاك وأنها بعد الإقرارات ستدخل إلى بوابة التفاوض، ومن ثم فالضغط عليها بالعمليات الإرهابية المنظمة والعشوائية، والتظاهرات المتفرقة، سيزيد من ليونتها وسيدفع عموم الجماهير إلى الإحباط. النصر في الحرب على الإرهاب لن يتحقق إلا بكسر إرادة العدو، وهو هنا جماعة الإخوان التي تدعو في مواقعها إلى الجهاد المسلح، فلا اتصال ولا تفاوض ولا مساومة ولو بغرض الخديعة، والطريق إلى كسر الإرادة يمر عبر تشديد القبضة الأمنية لتجفيف منابع تمويلها، والقبض على مموليها، وتفكيك الهيكل العظمي لقيادتها البديلة، وإغلاق أي نافذة بين قادتها المحبوسين وأعوانهم خارج القفص، حتى لا تقوم لها قائمة. حسم المعركة على الإرهاب، يبدأ بعدالة ناجزة، وأحكام رادعة، وقضاء غير مسرف ولا مبطئ، وتنفيذ فوري غير متردد على أولئك الذين كادوا يحرقون البلد ليحكموه على خرائبه هذا ما ننتظره من قضائنا، مثلما ننتظر من أزهرنا فتوى بعصيان جماعة الإخوان وتكفير التكفيريين. ■ ■ ■ أعرف قوة الجيش المصري، أعرف أنها فوق ما تتصورون، أتوقع انه سيزف لنا بأقرب مما نظن بشارات بانتصارات مؤثرة تختصر زمن حرب نحسبها طويلة. الرئيس قال إننا نعرف من عاونوا الإرهابيين في تفجيرات العريش التي راح ضحيتها العشرات ما بين شهيد وجريح.. قال إننا نعرفهم ونراهم ولن نتركهم. لابد إذن أن "تتمطع" مصر لتطال بذراعها العسكري الأمني أولئك الأعداء، حتى لو كانوا خارج حدودها، فالذين سفكوا دماء خير أجناد الأرض، أو عاونوا على إراقتها، لابد أن يذوقوا العذاب حيثما كانوا أضعافا مضاعفة. ■ ■ ■ اليوم يفتح باب الترشح للانتخابات البرلمانية.. ورغم اعتقادي بأهمية إنجاز الخطوة الثالثة والأخيرة في خارطة المستقبل، على الصعيدين الخارجي والاقتصادي، أجدني غير مرتاح لتوقيتها، ولا متفائل بنتائجها في ظل اتفاق الكتل والأحزاب السياسية على ألا تأتلف! ومع اجتماعات الاختلافات بين الأحزاب وتكالب القوى السياسية على كعكة غير ذات مذاق ولا شبع، لا يعقل أن تترك عناصر جماعة الإخوان لتخوض انتخابات مجلس النواب، ويقال لنا: إن الحكم لإرادة الشعب!.. فكيف لك أن تحارب بالنهار المخربين والقتلة، ثم تجلس معهم بالليل لتلعب بأوراق السياسة؟! هناك حكم قضائي وقرار حكومي باعتبار "الإخوان" جماعة إرهابية، فهل يسمح للإرهابيين بأن ينوبوا عن الأمة؟! بنفس المنطق.. كيف يترك الذين طغوا وأفسدوا واشتروا السلطة بالمال، وأهانوا الشعب وزوروا إرادته في الانتخابات، وثارت عليهم الجماهير، ليخوضوا أول انتخابات في عهد أول رئيس وطني منتخب، وكأن ثورة لم تقم؟! إن الذين يتحدثون عن ترك أمر انتخاب هؤلاء لإرادة الجماهير، إنما يتناسون أنهم تلاعبوا بقيد الناخبين في جداول دوائرهم، ويهينون إرادة الجماهير العارمة التي ثارت على إفسادهم الحياة السياسية في مصر في العقد الأول من هذا القرن، بل يسيئون إلى الرجل الذي تنبأ بزوال "النظام البليد" قبل رحيله بشهور، بسبب سدنة التوريث، وعرّابي زواج المال بالسلطة، ومزوري إرادة الناخبين. ■ ■ ■ الأمة التي تخاصم شبابها وإن جنح، تخصم من رصيد مستقبلها، ولقد سألت الرئيس عن الشباب المحبوس غير الإخواني ممن لم يسفك دماً ولم يحمل سلاحاً، فأجاب بأنه كلف وزير الداخلية بإعداد قوائم بأسمائهم للإفراج عن الأبرياء أو الذين لم يقترفوا جرائم جسيمة، حزمة واحدة. ونتيجة تباطؤ المعنيين بحصر الأسماء ووضع القوائم، لم يتم الإفراج عن هؤلاء قبل حلول ذكرى ثورة 25 يناير، كما كان يرجو الرئيس، إنما خرج جمال مبارك - بحكم قضائي- رغم أنه متهم في نظر جموع الشعب -ومنهم يقينا الرئيس السيسي- بمحاولة قلب النظام الجمهوري ووراثة حكم البلاد. ليس هذا هو اتجاه بوصلة الحكم.. أن يخرج الوريث في عيد الثورة على التوريث، ومن قبله ساعده الأيمن أحمد عز الذي يتهيأ ليعود إلي مقعده في البرلمان، ويبقي في الحبس شباب فجروا ثورة 25 يناير وإن جنح بعضهم في حماسه، أو ارتكب بعضهم خطايا في حماقة، أو يظل في السجن شباب محكوم عليهم في قضايا محاولة قلب نظام حكم الإخوان! من يعرقل ملف الإفراج عن الشباب، ومن يفتح الباب لعودة كهنة التوريث، هم الذين يضغطون على كوابح العربة، وهم في صدارة من يجب أن يتخفف منهم قائدها! ■ ■ ■ الذين يسرفون في الآمال المتوقعة من انعقاد قمة دعم وتنمية الاقتصاد المصري في مارس المقبل بشرم الشيخ، ويرفعون من سقف توقعات الجماهير على غير أساس أو فطنة مثلهم مثل الذين يهونون من إجراءات المرحلة الثانية لإصلاح دعم الكهرباء والوقود في يوليو الماضي، ويستهينون بتبعاتها الاجتماعية على غير دراية أو حكمة. لا المؤتمر الاقتصادي سيمطر "منا وسلوى" وقناطير مقنطرة من مليارات الدولارات، ولا تخفيض دعم الكهرباء والوقود في هذه الظروف سيصلح الاقتصاد وسيمر كالسكين في قالب زبد. مؤتمر شرم الشيخ الذي نتمناه ناجحاً ونسعى لأن يكون حاشداً وآمناً، هو خطوة لجذب استثمارات في مشروعات، تتلوها خطوات على طريق الإصلاح المؤسسي، والبناء على ما جرى إنجازه، وهو فرصة لتقديم صورة مصر الجديدة وعرض مشروعاتها العملاقة والكبرى والبيئة الجاذبة للاستثمار وعائداته المربحة للمستثمر الأجنبي والعربي والمصري بالطبع. أما الشريحة الثانية لإجراءات إصلاح دعم الطاقة، فإنني أستغرب من حرص مسئولين بالحكومة على الحديث عنها دون مقتضى أو لزوم، وكأنهم يقلبون الناس على الرئيس، برغم أن توقيت اتخاذها قد يرجأ، وأن الحصيلة المنتظرة منها (20 مليار جنيه) ليس من المستحيل تدبيرها من موارد أخري دون الضغط في هذه الظروف على أحوال الناس وزيادة معاناتهم، والسحب من رصيد الرجل في قلوب أبناء الطبقة المتوسطة ودون المتوسطة. ■ ■ ■ القطاع الخاص هو الذي يتحمل العبء الأكبر في الاستثمار بالبلاد، ومن ثم فإن تهيئة المناخ الملائم لتشجيع رجال الصناعة والإنتاج على التوسع في مشروعاتهم وإقامة مشروعات جديدة هو واجب على أجهزة الدولة لزيادة الناتج المحلي وتوفير فرص عمل للشباب تمتص البطالة وتحد من معدلاتها. لكن الخط الفاصل بين هؤلاء وبين الذين استحلوا المال العام في عصر زواج الثروة بالسلطة، والذين حصلوا علي الأرض الزراعية وحولوها إلى منتجعات سياحية دون أن يسددوا حق الدولة، يجب أن يكون واضحا ومرئيا فلا يحسب هؤلاء علي أولئك، ولا أولئك على هؤلاء. أعرف أن هناك قوائم أعدت، وملفات اتخمت أوراقها، لكن إجراءات استعادة حق الشعب ما زالت تراوح مكانها. ألم يحن الوقت بعد للمساءلة وفتح الملفات؟! إن جموع الفقراء والبسطاء الذين يبلعون الزلط آملين في أن تتحسن أحوال بلادهم ومعها أحوالهم، ينتظرون حسابا على فساد، واستعادة لأموال الشعب، بعدما خاب أملهم في استجابة رجال الأعمال - عدا قلة معدودة - لصندوق "تحيا مصر"، ويتوقعون أن بعضا مما يمكن تحصيله من حق الدولة في أراضيها، إذا ذهب مباشرة في مبادرات لتمويل مشروعات لهم متناهية الصغر، أو مد مظلات الرعاية الاجتماعية، سوف يحقق طفرة في معيشتهم. هؤلاء هم الجمهور الحقيقي للرئيس السيسي، الرجل الذي ظلوا ينتظرون قدومه ليحنو عليهم - كما قال - ويرفق بهم. ■ ■ ■ يعرف الركاب في معظمهم أن قائد العربة يقظ، وماهر وأمين عليهم في رحلتهم. يعرفون أن بعد ليل المسيرة فجرا، وأن قائدهم يعلم وجهته. لكن لا مانع من أن يراجع بوصلته بين حين وآخر، ليطمئن إلى سلامة الاتجاه.