عبد الناصر كان قارئا جيدا الشعب..حقق له أحلامه بدون مظاهرات إجتماعية عبد الناصر لم يكن يشعل الثورات..لكنها إذا قامت فى أى بلد عربى فهو يساندها إجراءات عبد الناصر الإصلاحية أغضبت بعض الفئات..لكن استفاد منها غالبية الشعب صور السيسى وعبد الناصر رفعا معا عندما كشف السيسى عن البعد الإجتماعى لديه نادرا ما يجود علينا الزمن بشخصيات إنسانية تعيش فى قلوب الناس بالرغم من مرور سنوات طويلة على رحيلها ونحن اليوم نعيش ذكرى رحيل إحدى هذه الشخصيات وهو الزعيم جمال عبد الناصر..نختلف أو نتفق معه إلا أنه يمثل حلم العدالة الإجتماعية لشرائح كبيرة من المصريين وهو أيضا يمثل حلم العروبة والقومية العربية التى نحن (مصريون وعرب) فى أمس الحاجة إلى إحياءها اليوم..ويرى أستاذ التاريخ الحديث د.عاصم الدسوقى أن عبد الناصر تحول من رئيس إلى زعيم عندما أعاد مفهوم الدولة الكفيلة فقد كان قارئا لمشكلات الشعب واستطاع حلها بدون أن تخرج المظاهرات الإجتماعية التى تطالبه بذلك..ويؤكد د.عاصم أن التجمع الشعبى الوحيد الذى خرج من ربوع محافظات مصر فى عهد عبد الناصر كان مظاهرة حب في 9 و10 يونيو تطالبه بالعدول عن قرار التنحى عقب نكسة 1967 ..لكن ما هى ملامح شخصية جمال عبد الناصر التى حققت له الزعامة على مدى أكثر من 40 سنة بعد وفاته هذا ما سيجيب عنه د.عاصم الدسوقى فى حواره ل (الأخبار): كيف تحول جمال عبد الناصر من رئيس الى زعيم؟ o بداية..الزعيم فى اللغة العربية هو الكفيل الذى يرعى مصالح القبيلة أو الناس وعبد الناصر استحق لقب "زعيم" عندما كانت قراراته كلها من أجل غالبية الشعب المصرى ومن هنا أحبته الناس فقد أعاد دور الدولة الكفيلة التى كان محمد على قد أسسها فمثلا عندما أقام التعليم المدنى وليس التعليم الدينى الذى كان قائما فى المساجد والكنائس،وعندما جعل المتخرج فى المدرسة يعمل فى وظيفة حكومية،وعندما كان يشترط على البعثات أن شروط الطالب المتقدم إليها أن يكون نبيها،وبناء الجيش وتطوير الإقتصاد فى مجال الزراعة والصناعة ونقل أسرار الصناعات من الخارج وتطبيقها فى مصر..كل هذه الإجراءات قام بها محمد على لصالح الناس بدون أى مطلب جماهيرى..وهذا ما فعله عبد الناصر وكأنه يقرأ ما فى نفس الجماهير فهو ابن الطبقة الوسطى من شريحة أبناء الموظفين..نشأ فى حى شعبى وهو حى الجمالية وبالتالى كان قريبا من مشكلات الناس..ثم قرر الإلتحاق بالكلية الحربية لأنها تدافع عن الوطن من عدو خارجى وعدو داخلى متأسيا فى ذلك بالزعيم أحمد عرابى الأميرالاى فى الجيش المصرى الذى وقف ضد الخديوى توفيق من أجل كرامة المصريين وتمصير البلد لأن الوظائف العليا كانت فى يد الأتراك والشركس وهذا أيضا ما فعله جمال عبد الناصر. كيف ساهمت شخصية جمال عبد الناصر فى حصوله على لقب الزعيم ؟ o عبد الناصر ابن طبقة يدرك مشكلاتها وكان دائما يشعر بحاجة المصريين إلى الأمن والأمان وهو فى نفس الوقت قارئ جيد للتاريخ عموما وتاريخ مصر بشكل خاص وذلك بشهادة جورج فوشيه الكاتب الفرنسى أراد أن يكتب كتابا عن عبد الناصر فجاء إلى مصر والتقى بزملائه وأصدقائه لكن أهم ما فكر فيه فوشيه هو الذهاب الى الكلية الحربية والإطلاع على ملف الإستعارات ليتعرف على الكتب التى كان يستعيرها جمال عبد الناصر فوجدها فى الإستراتيجيات السياسية وخاصة علم الإقتصاد السياسى،كما كانت أيضا عن الشخصيات التاريخية سواء فى التاريخ الحديث أو فى التاريخ الفرعونى..تلك القراءات كونت عند عبد الناصر مفاتيح فهم طبيعة المجتمع وإدراك الى ما انتهى اليه،وما هى المشكلات التى تواجهه على المستوى السياسى خارجيا وداخليا وعلى مستوى الإقتصاد الإجتماعى الداخلى. الإصلاح الزراعى وما هى أهم القرارات الرئاسية التى وضعته على طريق الزعامة؟ o أول القرارات وأهمها كان قانون الإصلاح الزراعى..الثورة قامت فى 23 يوليو 1952 وفى 9 سبتمبر 1952 صدر قانون الإصلاح الزراعى لإعادة تغيير الترتيب الطبقى فى المجتمع وجرد طبقة كبار ملاك الأراضى الزراعية من سلاح قوتها..وهذا ليس معناه ان هذا القرار كان تفكير اللحظة بل لقد تم عرضه على مجلس قيادة الثورة ثم تم طرحه فى الصحافة وانتهى القرار إلى تحديد الحد الأقصى للملكية الزراعية للفرد وهى 200 فدان وللأسرة 300 فدان،وان تكون الحرية للمالك فى تحديد ال 200 فدان من مجمل ما يمتلكه من أرض أما الباقى فيتم توزيعه على المزارعين الذين يعملون فى نفس الأرض بحد أدنى 5 فدادين لكل عامل أو أجير وهذا لم يتم عنوة أو بدون مقابل فالفلاح كان يدفع قيمة الإيجار كقسط من الملكية إلى الحكومة التى تسلمها للمالك الأصلى..وأن هذا الإيجار تحدد مع الإصلاح الزراعى ليكون 7 أمثال الضريبة التى كانت فى ذلك الوقت 21 جنيها هذا فضلا عن منع طرد أى مستأجر من الأرض طالما يدفع الإيجار وكان لمدة 3 سنوات وليس سنويا فمع دورة المحاصيل ممكن محصول يعوض محصول آخر..هذه كلها كانت ضوابط لإستقرار طبقة الفلاحين المستأجرين عديمى الملكية وعمال التراحيل..قرار من هذا النوع لم يكن بناءا على مظاهرة أو وقفة إحتجاجية كما نرى اليوم لكنه كان نابعا من إحساس عبد الناصر بالفلاحين ومعاناتهم. هل كان لهذا القرار شق سياسى؟ o بالفعل فاللعبة السياسية كانت فى سلب طبقة كبار ملاك الأراضى الزراعية من سلاح قوتها وهى الأرض فهى كانت عزوة للمالك سواء كان وزيرا أو عمدة أو شيئ من هذا القبيل وكان يرشح نفسه فى مجلس النواب أو مجلس الشيوخ وكان على أبناء دائرته أن ينتخبوه وإلا سينالهم العقاب فى حالة سقوطه فى الإنتخابات وأغنياء الريف كانوا يسيطرون على السياسة بسبب القوة المادية وحتى تتغير الأوضاع كان لابد من تجريدهم من تلك القوة المادية. تلى قرار الإصلاح الزراعى وفى نفس الشهر صدور قرار تخفيض إيجارات المساكن التى بنيت منذ 1939إلى 15 % بمعنى أن الحكومة تدخلت فى تخفيض الإيجار بشكل مباشر أو تكوين لجنة لدراسة العين المؤجرة. الفصل التعسفى وفى شهر نوفمبر من نفس العام أيضا صدر قرار بمنع الفصل التعسفى للعمال حيث كانوا يعملون بعقود وليس لهم أى تأمينات أو ضمانات ولا حتى من حقهم الحصول على أجازة فيومية العامل كانت مربوطة بعمله..صدور هذه القرارات الثلاث فى شهرين أكدت زعامة عبد الناصر وأنه (كفيل) لأنها كانت تمس طبقة عريضة من الشعب المصرى وهم الفلاحين والعمال والموظفين..وبالطبع مثل هذه القرارات أغضبت ملاك الأراضى وأصحاب البيوت لكن لا يمكن أن يوجد الحاكم الذى يرضى الناس كافة لكن العبرة بشعبية القرار ولنا فى سيدنا عمر بن الخطاب أسوة حسنة فالمعروف عنه أنه أحكم من عدل ولكنه مات مقتولا غيلة وغدرا ولكن هذا لا ينفى عنه صفة العدل..كذلك إجراءات عبد الناصر كانت إجراءات عادلة فى المجمل العام..أغضبت فئات بدون شك لكن المهم كم عدد المستفدين منها؟ وعلى المستوى الإقليمى كيف تحققت الزعامة لعبد الناصر؟ o هذا جزء آخر من ملامح شخصية عبد الناصر فهذا الرجل إشترك فى حرب فلسطين عام 1948- وذلك عكس السادات لأنه آنذاك كان خارج الجيش – وقد جاء فى مذكراته أثناء حصاره فى الفالوجة والتى نشرت بخط يده أنه كان قلقا على الأسرة والأهل وعندما صدرت الأوامر بالإنسحاب إستاء جدا لأنه كان يرى الفلسطنيين فى حمايته رغم الحصار وأبدى سعادة غامرة عندما صدرت الأوامر بإلغاء الحصار..فى هذا الحصار تولدت بداخل عبد الناصر الروح العربية وأن فلسطين جزء من الأمة العربية وبالتالى عندما أصبح فى الحكم حددت فى فلسفة الثورة الدوائر الثلاثة التى تبين إتجاهات مصر فكانت الدائرة العربية ثم الدائرة الإفريقية ثم الدائرة الإسلامية..وهذا يعد ترتيبا منطقيا تماما لأن الدول العربية بالنسبة لنا المحيط العربى وأمن مصر من أمن هذا المحيط العربى وأمن المحيط العربى من أمن مصر ولا يمكن الفصل بينهما..أما الدائرة الإسلامية فهى دائرة أبعد لأنها غير أممية..وعبد الناصر إتبع فى سياسته هذه الدوائر الثلاثة وظهرت فى تنظيم مؤتمر إسلامى أو الإتحاد الإفريقى وعندما فكر فى برنامج للوحدة العربية تكون البداية مع سوريا. وبالنسبة لعلاقات مصر بالعالم الخارجى فى 1955 حضر مجموعة الحياد الإيجابى الذى عقدت فى باندونج بأندونسيا وكان أول خروج له من مصر حيث إلتقى بزعماء العالم الثالث قبل أن تتحرر بلادهم من الإحتلال الأحنبى..فى ذلك الوقت كان العالم قد دخل الحرب الباردة فإتخذوا جميعا قرارا فى هذا المؤتمر بالحياد أى لا علاقة لهم بالشرق أو الغرب وحتى لا يكون حيادهم سلبى كسويسرا أضافوا كلمة "إيجابى"بمعنى الوقوف مع الشعوب التى تريد التحرر من سيطرة الإستعمار أو النظام الرأسمالى العالمى..وبالتالى عبد الناصر لم يكن يشعل الثورة ولكنها إذا قامت فى أى بلد عربى فهو يساندها. وما ردك على من يرى أن عبد الناصر أنهك الجيش المصرى فى حروب مع الدول المجاورة كاليمن مثلا؟ o هذا تفكير قاصر لأنه لا يرى الصورة كاملة ولا يقيس القرار بالظروف الموضوعية..لنأخذ مثالا بثورة 23 يوليو 1952 حيث أن الإستراتيجية الأمريكية تجاه الثورة فى أى بلد وحتى يومنا هذا تقوم على فكرة ثلاثية بمعنى عندما قامت الثورة الشعب المصرى أيدها والملك تنازل ولم يكن هناك أى مشكلة مثل ثورة مضادة أو ناس يتظاهرون فى مواجهة الثورة لكى تضخمها أمريكا وتعظمها وتستند عليها فى عدم شرعية الثورة وبالتالى إعترفت أمريكا بالثورة..أما الخطوة الثانية وهى العمل على إحتواء الثورة لكى تكون فى صف أمريكا وذلك في زمن الحرب الباردة لكن عملية الإحتواء لم تنجح مع عبد الناصر. أول بروفة على أى شكل كانت محاولة الإحتواء؟ o على شكل الدخول فى التحالفات وكان أول بروفة الحلف الذى أصبح اسمه حلف بغداد وكان اسمه فى البداية حلف منظمة الدفاع عن الشرق الأوسط والذى جاء جون فوستر دالس وزير الخارجية الأمريكى فى مايو 1953 ليقدمه لعبد الناصر كعملية تسويق الغرض منه حصار الإتحاد السوفييتى من الجنوب وأثناء عرض فوستر للمشروع على عبد الناصر سأله عبد الناصر:الدفاع عن الشرق الأوسط ضد من؟فقال فوستر:ضد الشيوعية فرد عبد الناصر بأنه لا خطر من الشيوعية على الشرق الأوسط وإذا كان هناك خطرا فهو من إسرائيل..عبد الناصر كان هنا حريصا زيادة عن اللازم ولم يكن لديه الدهاء والمكر السياسى ليدرك أن كلمة مثل هذه تقلب الدنيا عليه وهنا هم عرفوا كيف يفكر عبد الناصر وبالتالى خرج عبد الناصر من الإحتواء ودخلت بغداد وسمى الحلف بحلف بغداد ثم تركيا.. فشن عبد الناصر حربا شعواء ضد الحلف وعلى كل من يفكر فى الالإنضمام إليه فجاء إيدن رئيس وزراء بريطانيا الى عبد الناصر وحاول إقناعه إنه مادام لا يريد الدخول إلى الحلف فليترك الآخرين فكان رده أنه لو دخل فى حلف يضم تركيا التى تعترف بإسرائيل فكأن مصر تعترف بإسرائيل. أما الخطوة الثالثة فكانت الحصار الإقتصادى وهذا أيضا لم ينفع مع عبد الناصر لأنه كان له ظهيرين:ظهير شعبى متمثل فى التنمية الداخلية حتى يستغنى عن السوق الخارجية،والظهير السوفييتى الذى إستفاد به من الحرب الباردة لأنه عندما طلب من الأمريكان وصندوق النقد أو البنك الدولى قرضا لتمويل السد العالى ورفضوا لجأ إلى السوفييت وعندما طلب من أمريكا سلاحا إشترطت أن يكون هذا فى إطار بعثة عسكرية وهو عاصر البعثة العسكرية البريطانية أثناء وجوده كطالب فى الكلية الحربية وتحكمهم فى السلاح والتدريب فلجأ عبد الناصر إلى السوفييت مرة أخرى..وبالتالى فشل الحصار الإقتصادى ولم تجد أمريكا حلا سوى ضربة عسكرية فكانت نكسة 1967. ما تحليلك لرئيس مهزوم يخرج على الناس بقرار التنحى فتخرج الناس فى الشوارع لكى تطالبه بالعدول عن قراراه؟ o خطاب التنحى فى حد ذاته كان إدراكا من عبد الناصر أنه إذا كانت هناك مسئولية فهو المسئول بإعتباره رئيسا للجمهورية كما كان مدركا للحرب الخارجية عليه لذلك عندما تنحى أوّكل رئاسة الجمهورية إلى زكريا محى الدين المعروف عنه ميوله الرأسمالية وبذلك سيحل الموقف مع أمريكا لأنه إذا جاء زكريا محى الدين رئيسا لمصر فكل سياسات عبد الناصر من التنمية والحياد الإيجابى وغيرها من السياسات ستتفكك لصالح السياسة الأمريكية وهذه دلالة على أن عبد الناصر كان على دراية بقدرات كل من حوله وهذا ما أعلنه بعد ذلك..وأذكر يوم التنحى أننى كنت من سكان المعادى وبمجرد أن سمعت الخطاب نزلت إلى الشارع ووجدت كثيرين غيرى وذهبنا إلى محطة القطار القادم من حلوان فكان ممتلئا عن آخره ولم يكن أحد ينزل منه فتوجهت مع الناس إلى الطريق فكان الزحام شديدا وكانت سيارات نصف النقل تنقل الناس. المظاهرة الوحيدة هل خروج الناس آنذاك كان حبا فى عبد الناصر فقط أم لتخوفهم من المستقبل؟ o الإثنان معا..الناس تحب عبد الناصر وكانت خائفة من رحيله لأنها لا تعرف ما الذى سيحدث بعد ذلك وهذا ما قيل يوم جنازته "رايح فين وسايبنا لمين يا عبد الناصر"..وأذكر أننى قابلت الفنانة الراحلة نعيمة وصفى يوم الجنازة فى ميدان التحرير وكانت الناس تبكى فكانت تقول لهم "فكروا فى اللى جاى" الخوف لم يكن من موت عبد الناصر انما الخوف كان مما سيأتى بعده فهل سيكون أمينا على سياسات عبد الناصر أم لا؟ ولذلك عندما خرج الناس يوم التنحى توجه عدد كبير منهم إلى مجلس الأمة وكان أنور السادات رئيس المجلس آنذاك ورفعوا شعار"أنور..أنور..يا سادات..إحنا إخترنا جمال بالذات" والجميع كان إتخذ قراره بالتواجد فى الشوارع حتى يعود عبد الناصر عن قراره..شخصية عبد الناصر وسياساته وقراراته وطريقة إرتجاله فى خطاباته جعلت الناس لا ترتضى بديلا عنه فهم عرفوه جيدا منذ 1952 حتى 1967 كان يلبى كل مطالبهم بدون وقفات إحتجاجية أو مظاهرات..المظاهرة الوحيدة التى حدثت فى عهده كانت فى عام 1968 وقام بها شباب الجامعات إحتجاجا على الأحكام التى صدرت ضد الطيارين العسكريين فى أحداث نكسة 1967 لأن الأحكام كانت مخففة فاستوعب غبد الناصر الموقف وقال الشعب يريد وأنا معه وطلب إعادة المحاكمة ونبه على شعراوى جمعة وزير الداخلية فى ذلك الوقت ألا تطلق رصاصة واحدة على أى متظاهر وعندما أعيدت المحاكمة انتهت المظاهرات التى لم تكن مظاهرة إجتماعية وبالتالى من هنا كان إيمان الناس بشخصية عبد الناصر لأنها كانت مدركة بأنه لا يخون. ما تفسيرك للشباب الذين رفعوا صور عبد الناصر فى ثورتى 25 يناير و30 يونيو وبعد أكثر من 40 سنة على وفاته؟ o هذا يرجع إلى تربية الأسرة والتربية على القراءة لكن اللافت للنظر أنهم كانوا يرفعون صور السيسى وعبد الناصر وهذا حدث بعد أن كشف عبد الفتاح السيسى عن البعد الإجتماعى لديه فعندما كان وزيرا للدفاع دفع ديون الغارمات المسجونات فضلا عن خطابه الخشن للأمريكان عندما قال لآن باترسون: أنت مجرد سفيرة لبلدك وليس لك إتصال إلا بوزارة الخارجية وكان ذلك تعقيبا على إتصالها برجال مكتب الإرشاد.. هذا الخطاب صدر من وزير دفاع وليس من وزير الخارجية أو رئيس الحكومة أوحتى رئيس الدولة! هل هذا معناه أن الرئيس عبد الفتاح السيسى يسير على خطى الزعيم الراحل جمال عبد الناصر؟ o نعم، يظهر هذا بوضوح فى البعد الإجتماعى والآن هو يعيد توازنات الحرب الباردة لأن إتصاله بروسيا معناه أنه يريد عمل توازن مع الضغط الغربى. إذن هذا يؤهله لكى يرث الزعامة من عبد الناصر؟ o بالتأكيد إذا استمر فى تبني البعد الإجتماعى وحقق مصالح الشعب بدون وقفات أو مظاهرات لكن الأمر سيحتاج وقتا مع ميراث من منتصف السبعينييات حيث ضغط رأس مال جشع وغشيم على الحكم والذى تحول إلى الإحتكار بالرغم من أن الرأسمالية تقوم على المنافسة وليس الإحتكار. عبد الناصر كان قارئا جيدا الشعب..حقق له أحلامه بدون مظاهرات إجتماعية عبد الناصر لم يكن يشعل الثورات..لكنها إذا قامت فى أى بلد عربى فهو يساندها إجراءات عبد الناصر الإصلاحية أغضبت بعض الفئات..لكن استفاد منها غالبية الشعب صور السيسى وعبد الناصر رفعا معا عندما كشف السيسى عن البعد الإجتماعى لديه نادرا ما يجود علينا الزمن بشخصيات إنسانية تعيش فى قلوب الناس بالرغم من مرور سنوات طويلة على رحيلها ونحن اليوم نعيش ذكرى رحيل إحدى هذه الشخصيات وهو الزعيم جمال عبد الناصر..نختلف أو نتفق معه إلا أنه يمثل حلم العدالة الإجتماعية لشرائح كبيرة من المصريين وهو أيضا يمثل حلم العروبة والقومية العربية التى نحن (مصريون وعرب) فى أمس الحاجة إلى إحياءها اليوم..ويرى أستاذ التاريخ الحديث د.عاصم الدسوقى أن عبد الناصر تحول من رئيس إلى زعيم عندما أعاد مفهوم الدولة الكفيلة فقد كان قارئا لمشكلات الشعب واستطاع حلها بدون أن تخرج المظاهرات الإجتماعية التى تطالبه بذلك..ويؤكد د.عاصم أن التجمع الشعبى الوحيد الذى خرج من ربوع محافظات مصر فى عهد عبد الناصر كان مظاهرة حب في 9 و10 يونيو تطالبه بالعدول عن قرار التنحى عقب نكسة 1967 ..لكن ما هى ملامح شخصية جمال عبد الناصر التى حققت له الزعامة على مدى أكثر من 40 سنة بعد وفاته هذا ما سيجيب عنه د.عاصم الدسوقى فى حواره ل (الأخبار): كيف تحول جمال عبد الناصر من رئيس الى زعيم؟ o بداية..الزعيم فى اللغة العربية هو الكفيل الذى يرعى مصالح القبيلة أو الناس وعبد الناصر استحق لقب "زعيم" عندما كانت قراراته كلها من أجل غالبية الشعب المصرى ومن هنا أحبته الناس فقد أعاد دور الدولة الكفيلة التى كان محمد على قد أسسها فمثلا عندما أقام التعليم المدنى وليس التعليم الدينى الذى كان قائما فى المساجد والكنائس،وعندما جعل المتخرج فى المدرسة يعمل فى وظيفة حكومية،وعندما كان يشترط على البعثات أن شروط الطالب المتقدم إليها أن يكون نبيها،وبناء الجيش وتطوير الإقتصاد فى مجال الزراعة والصناعة ونقل أسرار الصناعات من الخارج وتطبيقها فى مصر..كل هذه الإجراءات قام بها محمد على لصالح الناس بدون أى مطلب جماهيرى..وهذا ما فعله عبد الناصر وكأنه يقرأ ما فى نفس الجماهير فهو ابن الطبقة الوسطى من شريحة أبناء الموظفين..نشأ فى حى شعبى وهو حى الجمالية وبالتالى كان قريبا من مشكلات الناس..ثم قرر الإلتحاق بالكلية الحربية لأنها تدافع عن الوطن من عدو خارجى وعدو داخلى متأسيا فى ذلك بالزعيم أحمد عرابى الأميرالاى فى الجيش المصرى الذى وقف ضد الخديوى توفيق من أجل كرامة المصريين وتمصير البلد لأن الوظائف العليا كانت فى يد الأتراك والشركس وهذا أيضا ما فعله جمال عبد الناصر. كيف ساهمت شخصية جمال عبد الناصر فى حصوله على لقب الزعيم ؟ o عبد الناصر ابن طبقة يدرك مشكلاتها وكان دائما يشعر بحاجة المصريين إلى الأمن والأمان وهو فى نفس الوقت قارئ جيد للتاريخ عموما وتاريخ مصر بشكل خاص وذلك بشهادة جورج فوشيه الكاتب الفرنسى أراد أن يكتب كتابا عن عبد الناصر فجاء إلى مصر والتقى بزملائه وأصدقائه لكن أهم ما فكر فيه فوشيه هو الذهاب الى الكلية الحربية والإطلاع على ملف الإستعارات ليتعرف على الكتب التى كان يستعيرها جمال عبد الناصر فوجدها فى الإستراتيجيات السياسية وخاصة علم الإقتصاد السياسى،كما كانت أيضا عن الشخصيات التاريخية سواء فى التاريخ الحديث أو فى التاريخ الفرعونى..تلك القراءات كونت عند عبد الناصر مفاتيح فهم طبيعة المجتمع وإدراك الى ما انتهى اليه،وما هى المشكلات التى تواجهه على المستوى السياسى خارجيا وداخليا وعلى مستوى الإقتصاد الإجتماعى الداخلى. الإصلاح الزراعى وما هى أهم القرارات الرئاسية التى وضعته على طريق الزعامة؟ o أول القرارات وأهمها كان قانون الإصلاح الزراعى..الثورة قامت فى 23 يوليو 1952 وفى 9 سبتمبر 1952 صدر قانون الإصلاح الزراعى لإعادة تغيير الترتيب الطبقى فى المجتمع وجرد طبقة كبار ملاك الأراضى الزراعية من سلاح قوتها..وهذا ليس معناه ان هذا القرار كان تفكير اللحظة بل لقد تم عرضه على مجلس قيادة الثورة ثم تم طرحه فى الصحافة وانتهى القرار إلى تحديد الحد الأقصى للملكية الزراعية للفرد وهى 200 فدان وللأسرة 300 فدان،وان تكون الحرية للمالك فى تحديد ال 200 فدان من مجمل ما يمتلكه من أرض أما الباقى فيتم توزيعه على المزارعين الذين يعملون فى نفس الأرض بحد أدنى 5 فدادين لكل عامل أو أجير وهذا لم يتم عنوة أو بدون مقابل فالفلاح كان يدفع قيمة الإيجار كقسط من الملكية إلى الحكومة التى تسلمها للمالك الأصلى..وأن هذا الإيجار تحدد مع الإصلاح الزراعى ليكون 7 أمثال الضريبة التى كانت فى ذلك الوقت 21 جنيها هذا فضلا عن منع طرد أى مستأجر من الأرض طالما يدفع الإيجار وكان لمدة 3 سنوات وليس سنويا فمع دورة المحاصيل ممكن محصول يعوض محصول آخر..هذه كلها كانت ضوابط لإستقرار طبقة الفلاحين المستأجرين عديمى الملكية وعمال التراحيل..قرار من هذا النوع لم يكن بناءا على مظاهرة أو وقفة إحتجاجية كما نرى اليوم لكنه كان نابعا من إحساس عبد الناصر بالفلاحين ومعاناتهم. هل كان لهذا القرار شق سياسى؟ o بالفعل فاللعبة السياسية كانت فى سلب طبقة كبار ملاك الأراضى الزراعية من سلاح قوتها وهى الأرض فهى كانت عزوة للمالك سواء كان وزيرا أو عمدة أو شيئ من هذا القبيل وكان يرشح نفسه فى مجلس النواب أو مجلس الشيوخ وكان على أبناء دائرته أن ينتخبوه وإلا سينالهم العقاب فى حالة سقوطه فى الإنتخابات وأغنياء الريف كانوا يسيطرون على السياسة بسبب القوة المادية وحتى تتغير الأوضاع كان لابد من تجريدهم من تلك القوة المادية. تلى قرار الإصلاح الزراعى وفى نفس الشهر صدور قرار تخفيض إيجارات المساكن التى بنيت منذ 1939إلى 15 % بمعنى أن الحكومة تدخلت فى تخفيض الإيجار بشكل مباشر أو تكوين لجنة لدراسة العين المؤجرة. الفصل التعسفى وفى شهر نوفمبر من نفس العام أيضا صدر قرار بمنع الفصل التعسفى للعمال حيث كانوا يعملون بعقود وليس لهم أى تأمينات أو ضمانات ولا حتى من حقهم الحصول على أجازة فيومية العامل كانت مربوطة بعمله..صدور هذه القرارات الثلاث فى شهرين أكدت زعامة عبد الناصر وأنه (كفيل) لأنها كانت تمس طبقة عريضة من الشعب المصرى وهم الفلاحين والعمال والموظفين..وبالطبع مثل هذه القرارات أغضبت ملاك الأراضى وأصحاب البيوت لكن لا يمكن أن يوجد الحاكم الذى يرضى الناس كافة لكن العبرة بشعبية القرار ولنا فى سيدنا عمر بن الخطاب أسوة حسنة فالمعروف عنه أنه أحكم من عدل ولكنه مات مقتولا غيلة وغدرا ولكن هذا لا ينفى عنه صفة العدل..كذلك إجراءات عبد الناصر كانت إجراءات عادلة فى المجمل العام..أغضبت فئات بدون شك لكن المهم كم عدد المستفدين منها؟ وعلى المستوى الإقليمى كيف تحققت الزعامة لعبد الناصر؟ o هذا جزء آخر من ملامح شخصية عبد الناصر فهذا الرجل إشترك فى حرب فلسطين عام 1948- وذلك عكس السادات لأنه آنذاك كان خارج الجيش – وقد جاء فى مذكراته أثناء حصاره فى الفالوجة والتى نشرت بخط يده أنه كان قلقا على الأسرة والأهل وعندما صدرت الأوامر بالإنسحاب إستاء جدا لأنه كان يرى الفلسطنيين فى حمايته رغم الحصار وأبدى سعادة غامرة عندما صدرت الأوامر بإلغاء الحصار..فى هذا الحصار تولدت بداخل عبد الناصر الروح العربية وأن فلسطين جزء من الأمة العربية وبالتالى عندما أصبح فى الحكم حددت فى فلسفة الثورة الدوائر الثلاثة التى تبين إتجاهات مصر فكانت الدائرة العربية ثم الدائرة الإفريقية ثم الدائرة الإسلامية..وهذا يعد ترتيبا منطقيا تماما لأن الدول العربية بالنسبة لنا المحيط العربى وأمن مصر من أمن هذا المحيط العربى وأمن المحيط العربى من أمن مصر ولا يمكن الفصل بينهما..أما الدائرة الإسلامية فهى دائرة أبعد لأنها غير أممية..وعبد الناصر إتبع فى سياسته هذه الدوائر الثلاثة وظهرت فى تنظيم مؤتمر إسلامى أو الإتحاد الإفريقى وعندما فكر فى برنامج للوحدة العربية تكون البداية مع سوريا. وبالنسبة لعلاقات مصر بالعالم الخارجى فى 1955 حضر مجموعة الحياد الإيجابى الذى عقدت فى باندونج بأندونسيا وكان أول خروج له من مصر حيث إلتقى بزعماء العالم الثالث قبل أن تتحرر بلادهم من الإحتلال الأحنبى..فى ذلك الوقت كان العالم قد دخل الحرب الباردة فإتخذوا جميعا قرارا فى هذا المؤتمر بالحياد أى لا علاقة لهم بالشرق أو الغرب وحتى لا يكون حيادهم سلبى كسويسرا أضافوا كلمة "إيجابى"بمعنى الوقوف مع الشعوب التى تريد التحرر من سيطرة الإستعمار أو النظام الرأسمالى العالمى..وبالتالى عبد الناصر لم يكن يشعل الثورة ولكنها إذا قامت فى أى بلد عربى فهو يساندها. وما ردك على من يرى أن عبد الناصر أنهك الجيش المصرى فى حروب مع الدول المجاورة كاليمن مثلا؟ o هذا تفكير قاصر لأنه لا يرى الصورة كاملة ولا يقيس القرار بالظروف الموضوعية..لنأخذ مثالا بثورة 23 يوليو 1952 حيث أن الإستراتيجية الأمريكية تجاه الثورة فى أى بلد وحتى يومنا هذا تقوم على فكرة ثلاثية بمعنى عندما قامت الثورة الشعب المصرى أيدها والملك تنازل ولم يكن هناك أى مشكلة مثل ثورة مضادة أو ناس يتظاهرون فى مواجهة الثورة لكى تضخمها أمريكا وتعظمها وتستند عليها فى عدم شرعية الثورة وبالتالى إعترفت أمريكا بالثورة..أما الخطوة الثانية وهى العمل على إحتواء الثورة لكى تكون فى صف أمريكا وذلك في زمن الحرب الباردة لكن عملية الإحتواء لم تنجح مع عبد الناصر. أول بروفة على أى شكل كانت محاولة الإحتواء؟ o على شكل الدخول فى التحالفات وكان أول بروفة الحلف الذى أصبح اسمه حلف بغداد وكان اسمه فى البداية حلف منظمة الدفاع عن الشرق الأوسط والذى جاء جون فوستر دالس وزير الخارجية الأمريكى فى مايو 1953 ليقدمه لعبد الناصر كعملية تسويق الغرض منه حصار الإتحاد السوفييتى من الجنوب وأثناء عرض فوستر للمشروع على عبد الناصر سأله عبد الناصر:الدفاع عن الشرق الأوسط ضد من؟فقال فوستر:ضد الشيوعية فرد عبد الناصر بأنه لا خطر من الشيوعية على الشرق الأوسط وإذا كان هناك خطرا فهو من إسرائيل..عبد الناصر كان هنا حريصا زيادة عن اللازم ولم يكن لديه الدهاء والمكر السياسى ليدرك أن كلمة مثل هذه تقلب الدنيا عليه وهنا هم عرفوا كيف يفكر عبد الناصر وبالتالى خرج عبد الناصر من الإحتواء ودخلت بغداد وسمى الحلف بحلف بغداد ثم تركيا.. فشن عبد الناصر حربا شعواء ضد الحلف وعلى كل من يفكر فى الالإنضمام إليه فجاء إيدن رئيس وزراء بريطانيا الى عبد الناصر وحاول إقناعه إنه مادام لا يريد الدخول إلى الحلف فليترك الآخرين فكان رده أنه لو دخل فى حلف يضم تركيا التى تعترف بإسرائيل فكأن مصر تعترف بإسرائيل. أما الخطوة الثالثة فكانت الحصار الإقتصادى وهذا أيضا لم ينفع مع عبد الناصر لأنه كان له ظهيرين:ظهير شعبى متمثل فى التنمية الداخلية حتى يستغنى عن السوق الخارجية،والظهير السوفييتى الذى إستفاد به من الحرب الباردة لأنه عندما طلب من الأمريكان وصندوق النقد أو البنك الدولى قرضا لتمويل السد العالى ورفضوا لجأ إلى السوفييت وعندما طلب من أمريكا سلاحا إشترطت أن يكون هذا فى إطار بعثة عسكرية وهو عاصر البعثة العسكرية البريطانية أثناء وجوده كطالب فى الكلية الحربية وتحكمهم فى السلاح والتدريب فلجأ عبد الناصر إلى السوفييت مرة أخرى..وبالتالى فشل الحصار الإقتصادى ولم تجد أمريكا حلا سوى ضربة عسكرية فكانت نكسة 1967. ما تحليلك لرئيس مهزوم يخرج على الناس بقرار التنحى فتخرج الناس فى الشوارع لكى تطالبه بالعدول عن قراراه؟ o خطاب التنحى فى حد ذاته كان إدراكا من عبد الناصر أنه إذا كانت هناك مسئولية فهو المسئول بإعتباره رئيسا للجمهورية كما كان مدركا للحرب الخارجية عليه لذلك عندما تنحى أوّكل رئاسة الجمهورية إلى زكريا محى الدين المعروف عنه ميوله الرأسمالية وبذلك سيحل الموقف مع أمريكا لأنه إذا جاء زكريا محى الدين رئيسا لمصر فكل سياسات عبد الناصر من التنمية والحياد الإيجابى وغيرها من السياسات ستتفكك لصالح السياسة الأمريكية وهذه دلالة على أن عبد الناصر كان على دراية بقدرات كل من حوله وهذا ما أعلنه بعد ذلك..وأذكر يوم التنحى أننى كنت من سكان المعادى وبمجرد أن سمعت الخطاب نزلت إلى الشارع ووجدت كثيرين غيرى وذهبنا إلى محطة القطار القادم من حلوان فكان ممتلئا عن آخره ولم يكن أحد ينزل منه فتوجهت مع الناس إلى الطريق فكان الزحام شديدا وكانت سيارات نصف النقل تنقل الناس. المظاهرة الوحيدة هل خروج الناس آنذاك كان حبا فى عبد الناصر فقط أم لتخوفهم من المستقبل؟ o الإثنان معا..الناس تحب عبد الناصر وكانت خائفة من رحيله لأنها لا تعرف ما الذى سيحدث بعد ذلك وهذا ما قيل يوم جنازته "رايح فين وسايبنا لمين يا عبد الناصر"..وأذكر أننى قابلت الفنانة الراحلة نعيمة وصفى يوم الجنازة فى ميدان التحرير وكانت الناس تبكى فكانت تقول لهم "فكروا فى اللى جاى" الخوف لم يكن من موت عبد الناصر انما الخوف كان مما سيأتى بعده فهل سيكون أمينا على سياسات عبد الناصر أم لا؟ ولذلك عندما خرج الناس يوم التنحى توجه عدد كبير منهم إلى مجلس الأمة وكان أنور السادات رئيس المجلس آنذاك ورفعوا شعار"أنور..أنور..يا سادات..إحنا إخترنا جمال بالذات" والجميع كان إتخذ قراره بالتواجد فى الشوارع حتى يعود عبد الناصر عن قراره..شخصية عبد الناصر وسياساته وقراراته وطريقة إرتجاله فى خطاباته جعلت الناس لا ترتضى بديلا عنه فهم عرفوه جيدا منذ 1952 حتى 1967 كان يلبى كل مطالبهم بدون وقفات إحتجاجية أو مظاهرات..المظاهرة الوحيدة التى حدثت فى عهده كانت فى عام 1968 وقام بها شباب الجامعات إحتجاجا على الأحكام التى صدرت ضد الطيارين العسكريين فى أحداث نكسة 1967 لأن الأحكام كانت مخففة فاستوعب غبد الناصر الموقف وقال الشعب يريد وأنا معه وطلب إعادة المحاكمة ونبه على شعراوى جمعة وزير الداخلية فى ذلك الوقت ألا تطلق رصاصة واحدة على أى متظاهر وعندما أعيدت المحاكمة انتهت المظاهرات التى لم تكن مظاهرة إجتماعية وبالتالى من هنا كان إيمان الناس بشخصية عبد الناصر لأنها كانت مدركة بأنه لا يخون. ما تفسيرك للشباب الذين رفعوا صور عبد الناصر فى ثورتى 25 يناير و30 يونيو وبعد أكثر من 40 سنة على وفاته؟ o هذا يرجع إلى تربية الأسرة والتربية على القراءة لكن اللافت للنظر أنهم كانوا يرفعون صور السيسى وعبد الناصر وهذا حدث بعد أن كشف عبد الفتاح السيسى عن البعد الإجتماعى لديه فعندما كان وزيرا للدفاع دفع ديون الغارمات المسجونات فضلا عن خطابه الخشن للأمريكان عندما قال لآن باترسون: أنت مجرد سفيرة لبلدك وليس لك إتصال إلا بوزارة الخارجية وكان ذلك تعقيبا على إتصالها برجال مكتب الإرشاد.. هذا الخطاب صدر من وزير دفاع وليس من وزير الخارجية أو رئيس الحكومة أوحتى رئيس الدولة! هل هذا معناه أن الرئيس عبد الفتاح السيسى يسير على خطى الزعيم الراحل جمال عبد الناصر؟ o نعم، يظهر هذا بوضوح فى البعد الإجتماعى والآن هو يعيد توازنات الحرب الباردة لأن إتصاله بروسيا معناه أنه يريد عمل توازن مع الضغط الغربى. إذن هذا يؤهله لكى يرث الزعامة من عبد الناصر؟ o بالتأكيد إذا استمر فى تبني البعد الإجتماعى وحقق مصالح الشعب بدون وقفات أو مظاهرات لكن الأمر سيحتاج وقتا مع ميراث من منتصف السبعينييات حيث ضغط رأس مال جشع وغشيم على الحكم والذى تحول إلى الإحتكار بالرغم من أن الرأسمالية تقوم على المنافسة وليس الإحتكار.