فرغت من آخر رشفة فى فنجان القهوة، ومددت يدى بالفنجان أضعه على مائدة قريبة، ومدت يدها إلى الفنجان تمسكه، ولم تكد تقول شيئا، حتى كنت أسرع من لسانها، قلت لها وأنا أضم يدى على صدرى رجاء وتوسلا : بالله دعيه..لا أريد أن أتطلع إلى المستقبل..يكفينى الذى سمعته منك مرة منذ أسبوعين! وكنت قد سمعت منها قبل أسبوعين عجبا !! مدت يدها الصغيرة الرقيقة، أمسكت فنجان قهوة، كنت قد فرغت منه، ثم راحت من تحت أهدابها الطويلة الممشوقة تتأمل الرسوم والنقوش الغامضة من بقايا ما فيه، ثم قالت وكأن صوتها ينطق عن القدر الذى مازال محجبا فى الغيب : - هناك أزمة أنت تتصور أنها مرت بسلام، إنها لم تمر، إنها تتجمع الآن...هناك مشاكل كثيرة...هناك أخطار تقترب..يااااااه وسكتت وقلت أستعجلها، وأعترف أن الاستخفاف كان يشيع فى نبرات صوتى : - يااااه..ماذا ؟ هل ستتعقد الأمور إلى هذا الحد ؟ قالت بجد: - ستتعقد الأمور أكثر مما تتصور بكثير ! وقلت بنفس الاستخاف: - ثم ماذا سيحدث، هل ستطير الدنيا؟ قالت بنفس الجد : - لا..لن تطير الدنيا..بل أن الموقف سيتحسن..سيتحسن جدا..ويعود أحسن مما كان! ورفعت أهدابها الطويلة الممشوقة عن رسوم الفنجان ونقوشه الغامضة. ورأت فى عينى نظرة.. نظرة الذى لم يأخذ ماسمع جدا ومطت شفتيها وهزت كتفيها وقالت فى ثقة غريبة:- لا يبدو عليك أنك تصدق ما أقول..لا يهم..لقد قلت لك ما رأيت على كل حال! ولم تكد تمضى أبع وعشرون ساعة على تلك النظرة للمستقبل حتى كان الاعتداء الاسرائيلى على الحدود المصرية..بداية لمؤامرة واسعة النطاق، اتجهت إلى حرب سافرة تشنها بريطانيا وفرنسا واسرائيل..الثلاث معا ضد مصر وتذكرت قارئة الفنجان وتذكرنها عدة مرات طوال الأزمة حتى التقيت بها اليوم! ولقد أسرعت أبعد فنجانى الفارغ عنها. لا أريد مقدما أن أتطلع إلى المستقبل، أفضل أن أواجه المستقبل حين يجئ، قطعة قطعة، مع حوادث الساعات والأيام لا أريد أن أقفز فوق حواجز الزمان، لقد وقع لى حادث مشابه لذلك الحادث مرة من قبل. وقع لى فى المدينة القديمة فى دلهى عاصمة الهند كنت أسير فى الشارع يوما، ثم أقبل فقير هندى يقول : - صاحب..هل تريد أن ترى المستقبل فى كفك ؟ وهززت رأسى نفيا..وواصلت طريقى، ولكن الفقير الهندى سار ورائى، ورأيت أن أتخلص من إلحاحه فقلت:حسنا..هذه كفى وهذه خمس روبيات..وقل ماعندك! قال وهو يحملق فى عينى: يظهر أنك لا تتوقع أن تسمع من شيئا له أهمية..أنت تأخذ الأمر مزاحا، ولا يبدو عليك الاعتقاد فيما تعمل ! قلت له فى نفاد صبر: هل تريد أن تعطينى درسا فى الإيمان بالكف؟ قال فى إصرار مدهش : أجل..اسمع أيها الصاحب هل قابلتنى قبل الآن قلت له : أبدا قال:ومع ذلك فأنا أعرف اسمك..وأعرف اليوم الذى ولدت فيه وفوجئت بالفقير الهندى يتطلع إلى كفى ثم يذكر اسمى وتاريخ اليوم الذى ولدت فيه ونظر إلى الفقير الهندى وفى عينيه نظرة منتصرة : صاحب..ماذا تريد أن تعرف بعد ذلك؟ قلت فى رهبة : لا شئ وقفزت إلى عربة من عربات الريكشو وقلت للسائق الهندى العارى :بسرعة من هنا! وألقيت نظرة على الفقير الهندى قارئ الكف..وكان لا يزال واقفا فى مكانه لم يتحرك..ينظر لى وفى عينيه نفس النظرة المنتصرة.. وكان سائق الريكشو..الهندى العارى..يجرى على الأرض الملتهبة فى دلهى..يحمل مصريا هرب من التطلع إلى المستقبل!! أخبار اليوم 17 نوفمبر1956 فرغت من آخر رشفة فى فنجان القهوة، ومددت يدى بالفنجان أضعه على مائدة قريبة، ومدت يدها إلى الفنجان تمسكه، ولم تكد تقول شيئا، حتى كنت أسرع من لسانها، قلت لها وأنا أضم يدى على صدرى رجاء وتوسلا : بالله دعيه..لا أريد أن أتطلع إلى المستقبل..يكفينى الذى سمعته منك مرة منذ أسبوعين! وكنت قد سمعت منها قبل أسبوعين عجبا !! مدت يدها الصغيرة الرقيقة، أمسكت فنجان قهوة، كنت قد فرغت منه، ثم راحت من تحت أهدابها الطويلة الممشوقة تتأمل الرسوم والنقوش الغامضة من بقايا ما فيه، ثم قالت وكأن صوتها ينطق عن القدر الذى مازال محجبا فى الغيب : - هناك أزمة أنت تتصور أنها مرت بسلام، إنها لم تمر، إنها تتجمع الآن...هناك مشاكل كثيرة...هناك أخطار تقترب..يااااااه وسكتت وقلت أستعجلها، وأعترف أن الاستخفاف كان يشيع فى نبرات صوتى : - يااااه..ماذا ؟ هل ستتعقد الأمور إلى هذا الحد ؟ قالت بجد: - ستتعقد الأمور أكثر مما تتصور بكثير ! وقلت بنفس الاستخاف: - ثم ماذا سيحدث، هل ستطير الدنيا؟ قالت بنفس الجد : - لا..لن تطير الدنيا..بل أن الموقف سيتحسن..سيتحسن جدا..ويعود أحسن مما كان! ورفعت أهدابها الطويلة الممشوقة عن رسوم الفنجان ونقوشه الغامضة. ورأت فى عينى نظرة.. نظرة الذى لم يأخذ ماسمع جدا ومطت شفتيها وهزت كتفيها وقالت فى ثقة غريبة:- لا يبدو عليك أنك تصدق ما أقول..لا يهم..لقد قلت لك ما رأيت على كل حال! ولم تكد تمضى أبع وعشرون ساعة على تلك النظرة للمستقبل حتى كان الاعتداء الاسرائيلى على الحدود المصرية..بداية لمؤامرة واسعة النطاق، اتجهت إلى حرب سافرة تشنها بريطانيا وفرنسا واسرائيل..الثلاث معا ضد مصر وتذكرت قارئة الفنجان وتذكرنها عدة مرات طوال الأزمة حتى التقيت بها اليوم! ولقد أسرعت أبعد فنجانى الفارغ عنها. لا أريد مقدما أن أتطلع إلى المستقبل، أفضل أن أواجه المستقبل حين يجئ، قطعة قطعة، مع حوادث الساعات والأيام لا أريد أن أقفز فوق حواجز الزمان، لقد وقع لى حادث مشابه لذلك الحادث مرة من قبل. وقع لى فى المدينة القديمة فى دلهى عاصمة الهند كنت أسير فى الشارع يوما، ثم أقبل فقير هندى يقول : - صاحب..هل تريد أن ترى المستقبل فى كفك ؟ وهززت رأسى نفيا..وواصلت طريقى، ولكن الفقير الهندى سار ورائى، ورأيت أن أتخلص من إلحاحه فقلت:حسنا..هذه كفى وهذه خمس روبيات..وقل ماعندك! قال وهو يحملق فى عينى: يظهر أنك لا تتوقع أن تسمع من شيئا له أهمية..أنت تأخذ الأمر مزاحا، ولا يبدو عليك الاعتقاد فيما تعمل ! قلت له فى نفاد صبر: هل تريد أن تعطينى درسا فى الإيمان بالكف؟ قال فى إصرار مدهش : أجل..اسمع أيها الصاحب هل قابلتنى قبل الآن قلت له : أبدا قال:ومع ذلك فأنا أعرف اسمك..وأعرف اليوم الذى ولدت فيه وفوجئت بالفقير الهندى يتطلع إلى كفى ثم يذكر اسمى وتاريخ اليوم الذى ولدت فيه ونظر إلى الفقير الهندى وفى عينيه نظرة منتصرة : صاحب..ماذا تريد أن تعرف بعد ذلك؟ قلت فى رهبة : لا شئ وقفزت إلى عربة من عربات الريكشو وقلت للسائق الهندى العارى :بسرعة من هنا! وألقيت نظرة على الفقير الهندى قارئ الكف..وكان لا يزال واقفا فى مكانه لم يتحرك..ينظر لى وفى عينيه نفس النظرة المنتصرة.. وكان سائق الريكشو..الهندى العارى..يجرى على الأرض الملتهبة فى دلهى..يحمل مصريا هرب من التطلع إلى المستقبل!! أخبار اليوم 17 نوفمبر1956