تحطمت إلي الآن ست دول عربية، أو هي بسبيلها إلي الزوال، وهي العراقوسوريا واليمن والصومال والسودان وليبيا، فوق أن وجود إسرائيل في ذاته خطر علي الوجود المصري في ذاته حانت اللحظة المناسبة للدعوة إلي مبادرة جديدة، مضمونها باختصار : إنشاء حلف عسكري عربي. ونعرف بالطبع أن ثمة معاهدة دفاع عربي مشترك، جري عقدها أوائل الخمسينيات من القرن العشرين، ثم انتهت إلي الحفظ في الثلاجة، وكاد الناس ينسون وجودها أصلا، تماما كمصائر اتفاقات جامعة الدول العربية في المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية، والتي صارت فولكلورا ميتا , فالجامعة تحولت إلي قبر من رخام , وبالذات في الأربعين سنة الأخيرة، مع تفكيك التعبئة والتنمية بنهاية حرب أكتوبر 1973، وتواري الدور القيادي الحاسم لمصر في أمتها العربية، وتراجع المشروع القومي العربي، وإحلال مشاريع هيمنة أمريكية وإسرائيلية وتركية وإيرانية، وتحكمها في مصائر المنطقة، والتحطيم المتصل للكيانات العربية القطرية، التي صاغت حدودها اتفاقية » سايكس بيكو» قبل مئة سنة تقريبا، والتي قسمت الأمة جغرافيا إلي أقطار، ثم تتعرض هذه الأقطار الآن لنوبات تمزيق نهائي، وتجري تجزئة المجزأ، وتقسيم الأقطار إلي أمم صغري طائفية وإثنية، بل إلي فوضي عبث دموي بربري علي طريقة خلافة داعش وأخواتها. وفي وقت نهوض مصر الناصرية، كان العمل العسكري العربي ينطلق من قاعدته في القاهرة، وكان الدعم العسكري المصري كثيفا ومؤثرا ومباشرا لحركات التحرير مشرقا ومغربا، ثم كانت النجدة العسكرية المصرية لثورة اليمن، وصياغة إطار ميداني لقيادة عربية مشتركة، حاولت التنسيق بين جيوش دول الطوق المحيطة بكيان الاغتصاب الإسرائيلي، كانت القيادة المشتركة صورية تماما، وجري استيعاب الدرس بعد هزيمة 1967، وتبلور إطار عمل اقتصادي عسكري جديد، تقاسمت الأدوار فيه دول الجبهة ودول الدعم المالي، وكان الجيشان المصري والسوري تحت قيادة واحدة عمليا في حرب 1973، وبما أسهم في تحقيق عنصر المبادأة والمباغتة، وقاد إلي نصر السلاح الذي خذلته السياسة بعد الحرب. كان وضوح الهدف, والإجماع علي موارد الخطر، وقيادة مصرللعرب، كانت تلك هي الخلطة السحرية الضرورية للنجاح، وقد ضاعت الخلطة في عقود الإنهيار التي تلت الحرب، والتي سكتت فيها المدافع علي جبهة الصدام مع إسرائيل، وقيل أن حرب أكتوبر هي آخر الحروب، لكن عشرات الحروب اندلعت بعدها، من الحرب الأهلية اللبنانية إلي حرب غزو الكويت، وإلي حرب غزو العراق وتحطيم ليبيا التي تكاد تلحقها سوريا الآن، ولم تسلم مصر، فقد جري اقتيادها إلي المشاركة تحت قيادة الأمريكيين في حروب الخليج، وفقدت دورها في المنطقة كوتد للخيمة العربية، وجري تفكيك اقتصادها وركائزها الإنتاجية في الصناعة والسلاح، وتحطبم استقلالها الوطني، وإنهاكها بحروب النهب العام في الداخل، وإلي أن وقعت »من قعر القفة»، وانتهت إلي سيرة انحطاط وتخلف مرعب عن سباق العصر، لم تنقذها منه سوي ثورة خلع مبارك فخلع حكم الإخوان. ومصر تستعيد أسماءها الحسني اليوم، وتستعيد يقظتها إلي دور غابت عنه طويلا، وهو ليس دورا استعراضيا، ولا عملا تكميليا تملك مصر أن تستغني عنه، فالدور المصري عربيا هو صلب وجود مصر في ذاتها، ومصرية مصر هي ذاتها عروبة مصر، وهذا هو قانون مصر في دورات صعودها، ومن »مجدو» تحتمس إلي »قادش» رمسيس، ومن »عين جالوت» قطز إلي »حطين» صلاح الدين، ومن معارك محمد علي إلي حروب جمال عبد الناصر، وإلي ضربات المعلم عبدالفتاح السيسي، والذي يستعيد الدور المصري بدأب وثقة وذكاء، وبإدراك عميق لتغير الظروف، ويربط نهوض مصر في الداخل بدورها في المنطقة من حولها، ويدهس مناطق نزع السلاح في سيناء، ويتخلص تدريجيا من روابط التبعية المذلة للأمريكيين، ويمد جسور الصلات العسكرية والصناعية والاقتصادية مع روسيا الجديدة، ويقيم علاقة تكامل وثيق بين فوائض القوة العسكرية المصرية وفوائض القوة المالية الخليجية. نعم، استعادة دور مصر هو الشرط الجوهري لبناء حلف عسكري عربي، تتزايد دواعي الحاجة إليه باستمرار المخاطر القديمة، وبتجدد مخاطر أعظم , تفكك دول المنطقة بداء الإيدز الإرهابي، وتقيم حول مصر دائرة من نار، فقد تحطمت إلي الآن ست دول عربية، أو هي بسبيلها إلي الزوال، وهي العراقوسوريا واليمن والصومال والسودان وليبيا، فوق أن وجود إسرائيل في ذاته خطر علي الوجود المصري في ذاته، بالحرب أو بدونها , ولم يعد ممكنا مواجهة المخاطر كلها بالأساليب التقليدية الركيكة، ومن نوع قرارات الجامعة العربية الكاريكاتورية، أو انتظار موقف مجلس الأمن الدولي، أو مسايرة تعليمات واشنطن التي تدعم إسرائيل، وتتلاعب بأوراق الإخوان وجماعات الإرهاب الخائنة للإسلام، وتدعونا للاحتراق مجددا في أتون حروب حلف الأطلنطي، بينما المصيبة مصيبتنا، والتفكيك يجتاح دولنا، وهو ما يدعونا للإلحاح علي إنشاء حلف عسكري عربي، تبادر مصر إليه، وتنهض بعبء قيادته. نقطة البدء ظاهرة كما نتصور في إنشاء الحلف الجديد، فثمة مناورات عسكرية مصرية سعودية تجري منذ سنوات، ثم أضاف إليها السيسي مناورات مشتركة مع دولة الإمارات، وأعقبها بمناورات مشتركة مع مملكة البحرين، ثم كانت الجزائر بجيشها القوي أول دولة عربية يزورها السيسي بعد تنصيبه رئيسا، ونتصور أن هذه كلها إشارات مضيئة لما يمكن عمله، والبدء بنواة الدول العربية المكونة للحلف، وتوحيد نظمها العسكرية، وعقائدها القتالية، وأنماط تسليحها، وتوثيق الخبرات المشتركة، وتبادل التسهيلات ونقاط الارتكاز ومخازن السلاح، وتطوير وسائل نقل القوات إلي مسارح الخطر، وعلي أن يكون الحلف مفتوحا للدول العربية الراغبة في الإنضمام إليه، ودون إخلال أو تعارض مع التزامات الأطراف المعنية في جامعة الدول العربية، ومع إنشاء هيئة عربية كبري لتصنيع السلاح المتطور، ومشروع نووي سلمي، ووكالة فضاء لإطلاق الأقمار الصناعية. تبدو القصة كلها حلما، لكنه ممكن التحقيق، والآن وليس غدا. تحطمت إلي الآن ست دول عربية، أو هي بسبيلها إلي الزوال، وهي العراقوسوريا واليمن والصومال والسودان وليبيا، فوق أن وجود إسرائيل في ذاته خطر علي الوجود المصري في ذاته حانت اللحظة المناسبة للدعوة إلي مبادرة جديدة، مضمونها باختصار : إنشاء حلف عسكري عربي. ونعرف بالطبع أن ثمة معاهدة دفاع عربي مشترك، جري عقدها أوائل الخمسينيات من القرن العشرين، ثم انتهت إلي الحفظ في الثلاجة، وكاد الناس ينسون وجودها أصلا، تماما كمصائر اتفاقات جامعة الدول العربية في المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية، والتي صارت فولكلورا ميتا , فالجامعة تحولت إلي قبر من رخام , وبالذات في الأربعين سنة الأخيرة، مع تفكيك التعبئة والتنمية بنهاية حرب أكتوبر 1973، وتواري الدور القيادي الحاسم لمصر في أمتها العربية، وتراجع المشروع القومي العربي، وإحلال مشاريع هيمنة أمريكية وإسرائيلية وتركية وإيرانية، وتحكمها في مصائر المنطقة، والتحطيم المتصل للكيانات العربية القطرية، التي صاغت حدودها اتفاقية » سايكس بيكو» قبل مئة سنة تقريبا، والتي قسمت الأمة جغرافيا إلي أقطار، ثم تتعرض هذه الأقطار الآن لنوبات تمزيق نهائي، وتجري تجزئة المجزأ، وتقسيم الأقطار إلي أمم صغري طائفية وإثنية، بل إلي فوضي عبث دموي بربري علي طريقة خلافة داعش وأخواتها. وفي وقت نهوض مصر الناصرية، كان العمل العسكري العربي ينطلق من قاعدته في القاهرة، وكان الدعم العسكري المصري كثيفا ومؤثرا ومباشرا لحركات التحرير مشرقا ومغربا، ثم كانت النجدة العسكرية المصرية لثورة اليمن، وصياغة إطار ميداني لقيادة عربية مشتركة، حاولت التنسيق بين جيوش دول الطوق المحيطة بكيان الاغتصاب الإسرائيلي، كانت القيادة المشتركة صورية تماما، وجري استيعاب الدرس بعد هزيمة 1967، وتبلور إطار عمل اقتصادي عسكري جديد، تقاسمت الأدوار فيه دول الجبهة ودول الدعم المالي، وكان الجيشان المصري والسوري تحت قيادة واحدة عمليا في حرب 1973، وبما أسهم في تحقيق عنصر المبادأة والمباغتة، وقاد إلي نصر السلاح الذي خذلته السياسة بعد الحرب. كان وضوح الهدف, والإجماع علي موارد الخطر، وقيادة مصرللعرب، كانت تلك هي الخلطة السحرية الضرورية للنجاح، وقد ضاعت الخلطة في عقود الإنهيار التي تلت الحرب، والتي سكتت فيها المدافع علي جبهة الصدام مع إسرائيل، وقيل أن حرب أكتوبر هي آخر الحروب، لكن عشرات الحروب اندلعت بعدها، من الحرب الأهلية اللبنانية إلي حرب غزو الكويت، وإلي حرب غزو العراق وتحطيم ليبيا التي تكاد تلحقها سوريا الآن، ولم تسلم مصر، فقد جري اقتيادها إلي المشاركة تحت قيادة الأمريكيين في حروب الخليج، وفقدت دورها في المنطقة كوتد للخيمة العربية، وجري تفكيك اقتصادها وركائزها الإنتاجية في الصناعة والسلاح، وتحطبم استقلالها الوطني، وإنهاكها بحروب النهب العام في الداخل، وإلي أن وقعت »من قعر القفة»، وانتهت إلي سيرة انحطاط وتخلف مرعب عن سباق العصر، لم تنقذها منه سوي ثورة خلع مبارك فخلع حكم الإخوان. ومصر تستعيد أسماءها الحسني اليوم، وتستعيد يقظتها إلي دور غابت عنه طويلا، وهو ليس دورا استعراضيا، ولا عملا تكميليا تملك مصر أن تستغني عنه، فالدور المصري عربيا هو صلب وجود مصر في ذاتها، ومصرية مصر هي ذاتها عروبة مصر، وهذا هو قانون مصر في دورات صعودها، ومن »مجدو» تحتمس إلي »قادش» رمسيس، ومن »عين جالوت» قطز إلي »حطين» صلاح الدين، ومن معارك محمد علي إلي حروب جمال عبد الناصر، وإلي ضربات المعلم عبدالفتاح السيسي، والذي يستعيد الدور المصري بدأب وثقة وذكاء، وبإدراك عميق لتغير الظروف، ويربط نهوض مصر في الداخل بدورها في المنطقة من حولها، ويدهس مناطق نزع السلاح في سيناء، ويتخلص تدريجيا من روابط التبعية المذلة للأمريكيين، ويمد جسور الصلات العسكرية والصناعية والاقتصادية مع روسيا الجديدة، ويقيم علاقة تكامل وثيق بين فوائض القوة العسكرية المصرية وفوائض القوة المالية الخليجية. نعم، استعادة دور مصر هو الشرط الجوهري لبناء حلف عسكري عربي، تتزايد دواعي الحاجة إليه باستمرار المخاطر القديمة، وبتجدد مخاطر أعظم , تفكك دول المنطقة بداء الإيدز الإرهابي، وتقيم حول مصر دائرة من نار، فقد تحطمت إلي الآن ست دول عربية، أو هي بسبيلها إلي الزوال، وهي العراقوسوريا واليمن والصومال والسودان وليبيا، فوق أن وجود إسرائيل في ذاته خطر علي الوجود المصري في ذاته، بالحرب أو بدونها , ولم يعد ممكنا مواجهة المخاطر كلها بالأساليب التقليدية الركيكة، ومن نوع قرارات الجامعة العربية الكاريكاتورية، أو انتظار موقف مجلس الأمن الدولي، أو مسايرة تعليمات واشنطن التي تدعم إسرائيل، وتتلاعب بأوراق الإخوان وجماعات الإرهاب الخائنة للإسلام، وتدعونا للاحتراق مجددا في أتون حروب حلف الأطلنطي، بينما المصيبة مصيبتنا، والتفكيك يجتاح دولنا، وهو ما يدعونا للإلحاح علي إنشاء حلف عسكري عربي، تبادر مصر إليه، وتنهض بعبء قيادته. نقطة البدء ظاهرة كما نتصور في إنشاء الحلف الجديد، فثمة مناورات عسكرية مصرية سعودية تجري منذ سنوات، ثم أضاف إليها السيسي مناورات مشتركة مع دولة الإمارات، وأعقبها بمناورات مشتركة مع مملكة البحرين، ثم كانت الجزائر بجيشها القوي أول دولة عربية يزورها السيسي بعد تنصيبه رئيسا، ونتصور أن هذه كلها إشارات مضيئة لما يمكن عمله، والبدء بنواة الدول العربية المكونة للحلف، وتوحيد نظمها العسكرية، وعقائدها القتالية، وأنماط تسليحها، وتوثيق الخبرات المشتركة، وتبادل التسهيلات ونقاط الارتكاز ومخازن السلاح، وتطوير وسائل نقل القوات إلي مسارح الخطر، وعلي أن يكون الحلف مفتوحا للدول العربية الراغبة في الإنضمام إليه، ودون إخلال أو تعارض مع التزامات الأطراف المعنية في جامعة الدول العربية، ومع إنشاء هيئة عربية كبري لتصنيع السلاح المتطور، ومشروع نووي سلمي، ووكالة فضاء لإطلاق الأقمار الصناعية. تبدو القصة كلها حلما، لكنه ممكن التحقيق، والآن وليس غدا.