قرأت كتاب الدبلوماسي المصري الكبير أحمد أبو الغيط بدقة وتمعن وروح مقارنة، مؤيدة احيانا، مختلفة احيانا اخري، كتاب مهم، صادق، حافل بتفاصيل تتعلق بحرب أكتوبر، وعملية السلام التي شارك فيها المؤلف، ورغم ان الحديث عن الماضي الا انه يضيء الحاضر، نحن امام رجل دولة مثالي التكوين، ما دفعه الي العمل العام شعوره القوي بالانتماء الي هذه الدولة، تدرج في مناصب السلك الدبلوماسي، له رؤيته الخاصة لكنه يقدم مصلحة الدولة ويضعها فوق اي اعتبار، من خلال الكتاب نطلع علي آليات عمل الدولة المصرية، اقدم دولة في العالم، عرفته عن قرب لفترات قصيرة واطلعت علي ثقافته الواسعة وتعلقه بالوطن من خلال معرفة دقيقة بتاريخه وتكوينه، وحتي نفهم الطبقات الخفية في هذا الكتاب الخاص بمرحلة مصيرية من تاريخ مصر، لابد ان نتعرف علي نشأته، وُلد أحمد أبو الغيط لاب عسكري من اولئك الذين بنوا سلاح الطيران المصري، اللواء علي أبو الغيط، وقد سمعت اسمه كثيرا في بداية عملي كمراسل للأخبار في الجبهة، وصل الي رتبة اللواء واليه ينتمي قادة سلاح الجو من عدة اجيال، الا انه لم يكن طيارا وطنيا ومعلما كبيرا فقط، لكنه كان قارئا ممتازا، من هنا وجد ابنه أحمد مكتبة عامرة، قرأ منها كتب التاريخ والمؤلفات الاساسية في الاستراتيجية خاصة كتاب كلاوزفيتر «فن الحرب» الذي تأثر به واستوعبه مبكرا، قرأ عن الحضارة الفرعونية كثيرا وشغف بالتاريخ الانساني، ما بين النهرين والصين والهند، واسهم هذا الاطلاع الغزير في تكوين شخصيته واضفي عليه قدرا كبيرا من الثقة والتواضع، كان تحصيله الثقافي اثراء روحه وتعلقه بالوطن وليس للاستعراض وقد اتسم اداؤه كدبلوماسي بالهدوء المبني علي تأمل وعمق تقدير موقف، لعلنا نذكر تصريحه الذي أثار عاصفة ضده عندما قال ان من سيقرب من حدود مصر مع غزة ستكسر رجله، هوجم وقتئذ، ثم اثبتت الايام ان العصابة الاخوانية التي تحكم غزة تشكل خطرا علي مصر، ليس ذلك فقط بل اجهضت القضية الفلسطينية التي حارب من اجلها المصريون لعدة اجيال، كانت امنيته ان يكون ضابطا مثل والده، ولم يستطع، اتجه الي العمل الدبلوماسي ونلاحظ تقديره الموضوعي الانساني لمن عمل معهم، اسماعيل فهمي وعصمت عبدالمجيد وعمرو موسي وبطرس غالي وتلك العلاقة النادرة الثرية التي ربطته بأحمد ماهر السيد، احد كبار الدبلوماسية المصرية، شاء قدرهما ان يبدآ عملهما الدبلوماسي مع شخصية عظيمة، رجل دولة مخضرم هو حافظ اسماعيل المستشار القومي للرئيس السادات، وكان طرفا رئيسيا في عمليتي الحرب والسلام، كنت اقرأ تفاصيل رصدها أحمد أبو الغيط من زاوية عمله في مكتب حافظ اسماعيل، واقارن بين ما اقرأه وما عشته علي الارض، فماذا وجدت؟ »شاهد علي الحرب والسلام« تأليف أحمد أبو الغيط، 024 صفحة، صادر عن دار نهضة مصر