يريد الإخوان من الأزهر في كل المراحل السابقة ما أراده حسن البنا؛ ارتباطا بالمؤسسة الدينية الرسمية التي يحترمها المصريون يمنح المشروع الدعوى للجماعة صفة الاعتدال والمشروعية، ولكن هل يتوقف طموح الإخوان عند هذا الحد؟، الواقع الجديد الذي فرضته ثورة 25 يناير ووجود الإخوان فى السلطة دفع العلاقة بين الجماعة والأزهر نحو منحنى جديد قائم تظهر فيه رغبة الدكتور محمد مرسى ككل الرؤساء السابقين فى السيطرة على الأزهر لما له من سلطة روحية على كثير من المواطنين، كما تظهر فيه رغبة الجماعة فى حسم كل معارك النفوذ مع القوى الأخرى ببسط السيطرة على الأزهر بصفته مؤسسة قوية من مؤسسات الدولة، ومحاولات السيطرة الإخوانية بدأت منذ عهد حسن البنا وحرصه على وجود عدد كبير من شباب الجماعة داخل الأروقة الأزهرية، يعتمد على خطط طويلة الأمد بدأت منذ عهد حسن البنا الذي سعى من خلال الخطابات والرسائل لشيوخ الأزهر وإقامة الاحتفالات لمن يحصلون على منصب شيخ الأزهر إلى خلق علاقة قوية مع المؤسسة الدينية الرسمية فى مصر، طمعا فى أن يلصق بالإخوان صفة الدعوة الوسطية والخطاب الديني المستنير الذي يتميز به الأزهر الشريف ويمنحه دعوته التي كانت فى بدايته مشروعية السير فى ظلال المؤسسة الدينية التي يحترمها الجميع، ولذلك كان طبيعيا جدا أن يقول حسن البنا فى ذات مرة ساعيا نحو الربط بين الأزهر والإخوان: »إن الأزهر معقل الدعوة وموئل الإسلام، وأنه اعتبر دعوة الإخوان دعوته وغايتها غايته، وإن صفوف الإخوان امتلأت بعلماء الأزهر، وشبابه الناهض، وكان لعلماء الأزهر الشريف وطلابه أثر كبير فى تأييد الدعوة ونشرها«، وكان طبيعيا أن يسارع البنا وجماعته بالاحتفال بولاية الشيخ المراغى لمشيخة الأزهر الشريف «1935 - 1945» وإلقاء قصائد المدح والترحيب بشيخ الأزهر ليحصل البنا على مراده فى عام 45 ويقف على منبر الأزهر خطيبا، وبناء على المسار الذي رسمه حسن البنا لعلاقة الإخوان بالجامع الأزهر لن تجد فى تاريخ العلاقة بين الجماعة والأزهر شواهد على احتكاك كبير رغم ما بينهما من تباين ينبع أساساً من ابتعاد الأزهر عن «الإسلام السياسي» كمنهج، وميله التاريخي إلى لعب دور ديني مواز للسلطة السياسية، لا منافس لها أو بديل عنها وعلى نهج البنا سارت العلاقة بين مكتب الإرشاد والمشيخة، سعى إخواني للحفاظ على المحبة يتخللها إبداء ملاحظات وتصريحات نقدية عن وضع الأزهر وتأثره بالسلطة فى زمن مبارك، حتى جاءت ثورة 25 يناير لتفتح الأبواب أمام الإخوان لاستكمال مسيرة البنا بنفس الطريقة، حيث بادر محمد بديع المرشد العام للجماعة فى مايو 2011 مع وفد من الجماعة بزيارة مشيخ الأزهر والتقى بالإمام الأكبر شيخ الجامع الأزهر الدكتور أحمد الطيب، فى لقاء حرص المرشد على أن يخرج منه ليقول: «نحن والأزهر يد واحدة». وهى الرغبة التي نجح الإخوان فى تحقيقها طوال الفترة الماضية عبر وجود عدد من أعضاء الجماعة كأعضاء هيئات تدريسية داخل جامعة الأزهر وتكوين العديد من الأسر الطلابية التي عملت على تقديم الخدمات للطلاب المغتربين لزيادة نفوذ الجماعة داخل الجماعة، فظهرت فى أواخر ثمانينيات أسرة طلابية اسمها «جيل النصر المنشود»، التي تم تأسيسها عام 1993 بعضوية تزيد على 2000 طالب إخواني، ثم تعددت الأسر والنشاطات الإخوانية داخل الجامعة وظهرت أسرة التيار الإسلامي، بجوار العديد من أساتذة الجامعة على رأسهم عبد الرحمن عبد البر عضو مكتب الإرشاد بجماعة الإخوان وأستاذ الحديث بالجامعة، بالإضافة إلى وجود الدكتور محمد عمارة وعلى لبن والسيد عسكر ضمن الهيئات الأزهرية المختلفة الإخوان اتخذوا طرقا أخرى للانتشار داخل الجامع الأزهر كان من أهمها قيام الجماعة، وحاول السلفيون مشاركتها فى ذلك باستقطاب عدد من الشباب الأوائل للعمل بمراكز بحثية مقربة تابعة للإخوان بهدف ضمان ولاء أو انضمام هؤلاء الشباب للجماعة وتوسيع قاعدة انتشار الجماعة داخل هيئة تدريس جامعة الأزهر، كما كشف الداعية السلفي أسامة القوصى عن محاولات أخرى لاختراق الإخوان للأزهر قائلا إنها بدأت منذ فترة طويلة عن طريق نقابة مستقلة للدعاة وهى النقابة التي وصفها عدد من شيوخ الأزهر بأنها طريق الجماعة للسيطرة على قطاع الدعوة فى مصر والسيطرة على المؤسسة الدينية، ومن المتوقع أن تشهد الفترة القادمة تطورا فى محاولات السيطرة الإخوانية على الأزهر تتخذ شكلا قانونيا وتشريعيا فى ظل سيطرة الجماعة على مقاليد مجلس الشورى وفى ظل وجود الرئيس محمد مرسى على كرسي الحكم، ويمكنك أن تفهم ذلك من خلال إصرار الجماعة على منح الأزهر دورا كبيرا داخل الدستور كسلطة جديدة مراقبة لكل السلطات، وهو الأمر الذي تبدو معه رغبة الإخوان فى السيطرة المستقبلية على المؤسسة مطلبا واقعيا السلفيون أيضا يبحثون عن سيطرة كاملة على الأزهر الشريف رغبة فى استكمال خطة الحركة الوهابية فى اختراق الأزهر والقضاء على دعوته وحسم الخلاف الفقهي والعقدي بينهما، ورغبة فى الحصول على أرض جديدة تمنحهم مكاسب سياسية إضافية بعد أن زادت التطلعات السلفية السياسية فى الفترة ما بعد ثورة 25 يناير، والرغبة السلفية فى السيطرة على الأزهر واضحة فى سرعتها وخططها عن رغبات الإخوان، وليس أدل على ذلك من الفيديو الشهير الذي ظهر فيه ياسر برهامى وهو يتحدث عن خطة الخداع التي وضعها السلفيون فى التأسيسية من أجل عزل شيخ الأزهر وتولية أحد شيوخ التيار السلفي مكانه، والواقع يقول إن التواجد السلفي داخل الأزهر جامعا وجامعة ربما يكون أكثر من الإخوان ولكنه تواجد مشتت وغير منظم، ولكنه فيما يبدو يسبب قلقا أكثر للإمام الأكبر أحمد الطيب الذي قال فى منتصف عام 2011 أن عقيدة الأزهر الشريف هي عقيدة الأشعري والماتريدى وفقه الأئمة الأربعة وتصوف الإمام الجنيد، وأن السلفيين الجدد هم خوارج العصر، محذرا من وجود مخطط لاختطاف الفكر والمنهج الأزهري الوسطى المعتدل الذي حافظ الأزهر عليه لأكثر من ألف عام. وانتقد الطيب هجوم السلفيين على الأضرحة ومقامات الأولياء، مؤكدا أن هذه العمل يخالف صحيح الإسلام وأن الأزهر سيبقى أشعري المذهب ومحافظا على الفكر الصوفي الصحيح الذي انتمى إليه عشرات من شيوخ الأزهر على مدى تاريخه أما بعد الثورة فقد ازدادت الجرعة الإسلامية بعد انهيار الضغط الأمني ووجود الحزب الوطني، ما جعلها فرصة لصعود الإسلام السياسي بجناحيه: الإخوان المسلمين، والدعوة السلفية داخل الجامعة تكفى نظرة على صفحة أسرة «جيل النصر المنشود» القريبة من جماعة الإخوان المسلمين حتى تتضح معالم الاستقطاب، إذ تصدرت صفحتها فى الفترة الماضية دعوة للتصويت بنعم فى الاستفتاء على الدستور تأييدا للشريعة. ويتشابه اسم الأسرة الطلابية نفسه مع عنوان كتاب للشيخ يوسف القرضاوى، أما إحدى أكبر الأسر الطلابية الأخرى على مستوى الجامعة فهي أسرة «نبض الأزهر» التي تأسست عقب الثورة، وتميل ناحية التيار السلفي، ولا تخفى هدفها فى عبارة واضحة: أسرة تهتم بالأنشطة الطلابية فى ضوء الشريعة الإسلامي على المقهى فى منطقة البورصة الشهيرة ، عن جانب آخر واجهه حين وفد من قريته إلى الجامعة، إذ تم ترشيحه للسكن فى بنايات استأجرها منتمون إلى جماعة الإخوان المسلمين لاستقبال طلاب الجماعة وغيرهم، وهو ما يسمح لغير المنتمين أن يقتربوا من فكر الإخوان المسلمين يضم نادي الفكر التقدمي حوالي 20 شابا وفتاة يميلون ناحية اليسار السياسي، يجمعهم بشباب الحركات والأحزاب السياسية الأخرى حالة من التمرد على مزج الإسلام بالسياسة داخل جامعة ذات هوية إسلامية ».