بدا رجلا طيبا، صاحب شعبية عالية محبا لوطنه و شعبه و كل من يراه كان يظنه رجل دولة من الطراز الأول و لكن..لعل بريق السلطة و نفوذها قد غيرا من تلك الصفات كثيرا، فتحولت الطيبة إلى ديكتاتورية و تحولت الشعبية الجارفة إلى سخط و ثورة وصلا إلى تكوين محكمة شعبية و الحكم بالإعدام. إنه "نيكولاي تشاوشيسكو" رئيس رومانيا الأسبق و الذي جلس على كرسي الحكم عام 1967 حتى عام 1989. ولد تشاوشيسكو عام 1918 في إحدى البلدات الصغيرة الرومانية لأسرة فقيرة عدد أبنائها يتخطى ال10، كان أبوه يمتلك أرضا زراعية صغيرة و بعض الأغنام إلا أن فقره حال دون استكمال ابنه لتعليمه، فترك "تشاوشيسكو" المدرسة في الخامسة عشر من عمره و سافر إلى العاصمة بوخارست ليعمل اسكافيا " جزمجي" في إحدى المتاجر. آمن تشاوشيسكو بالفكر الشيوعي بعد انصرافه نحو قراءة كتب لينين و ماركس ، على الرغم من حداثة عمره انضم تشاوشيسكو لحزب العمال الروماني و كان له نشاطا واضحا، اعتقل عدة مرات بتهمة محاولات قلب نظام الحكم. وداخل أسوار السجن تعرف "تشاوشيسكو" على أمين عام حزب العمال الروماني الذي سانده و وقف بجانبه و بعد استيلاء الشيوعيين على الحكم في البلاد أصبح عضوا في اللجنة الأساسية للحزب ثم أمينا عاما. في عام 1939 تعرف على فتاه تدعي "الينا" ، كانت مؤمنة إيمانا كاملا بأفكار الشيوعية و لوحظ توافق أفكارها و اتجاهاتها مع "تشاوشيسكو" فتزوجا و ساندته في حياته السياسية و الحزبية. في عام 1967 انتخب رئيسا لجمهورية رومانيا الذي غير اسمها من الجمهورية الشعبية إلى الجمهورية الاشتراكية ،و كانت توجهاته السياسية واضحة إذ كان يرغب في بناء كيان مستقل لرومانيا بعيدا عن الاتحاد السوفيتي. و ازدهرت في عهده الزراعة و الصناعة لدرجة جعلت رومانيا تنتج إنتاجا هائلا من النفط ، حقق اكتفاء ذاتيا في العديد من الصناعات. لكن انجازاته الاقتصادية المؤقتة كان مقابلها تأسيس دولة بوليسية تعمدت تكميم الأفواه و زج المعارضين في السجون، و قصف أقلام الصحافة و الإعلام. ففي ثمانينيات القرن الماضي تغيرت تماما معالم رومانيا إذ عمد تشاوشيسكو على هدم كافة المباني القديمة بما فيها الكنائس و المباني الشاهقة لبناء مباني شاهقة تشبها بأكبر مدن العالم. لعل ذلك لإصابته بجنون العظمة فأضحى يطلق على نفسه ألقاب عدة ك"القائد الملهم" و "القائد العظيم" و "العبقرية الذي يعرف كل شيء" و "دانوب الفكر".ٍ أحاط نفسه بمجموعة من المنافقين الذين كان كل همهم الاستفادة من ورائه من خلال إطلاق مجموعة من الألقاب عليه و مدح عصره و وصفه ب"عصر رومانيا الذهبي". وبدأ اقتصاد رومانيا في الانهيار نتيجة تدهور السياسة الداخلية و انصراف الرئيس عن الاهتمام بشئون الدولة، في الوقت ذاته امتلك تشاوشيسكو حوالي خمسة قصور تكلفت بناءها مليارات الدولارات ، كذلك كان يمتلك 9 طائرات فاخرة و 3 قطارات مجهزة كتجهيز القصور كان يستخدمها في تحركاته الداخلية. كان تشاوسيسكو يعيش حياه البذخ و الإسراف في الوقت الذي انتشر فيه الجوع و الفقر في كافة أنحاء البلاد.ٍ أدخل رومانيا في عزلة دولية نتيجة سوق علاقاته بدول العالم. وإزاء تدهور أوضاع البلاد أعلنت جموع الشعب الروماني الخروج في مظاهرات ضخمة رغبة في التغيير نحو الأفضل ، كان طلبة الجامعات هم أول من خرج في تلك المظاهرات التي اعتبرها تشاوشيسكو تحديا له فعزم على التصدي لها بكل قوة و عنف، فأمر قواته بقتل المعارضين فسقط المئات منهم . أثارت تلك التصرفات غضب الشعب فخرجت الجماهير في الشوارع في ديسمبر 1989 ثائرة متجهة إلى قصر الرئاسة إلا أن تصدي الأمن لهم بعنف أسقط المئات ما بين قتيل و جريح. في الوقت ذاته خرجت بعض الجموع المؤيدة و المناصرة لتشاوشيسكو و اصطدمت مع المحتجين فوقعت اشتباكات عديدة سقط فيها العديد من القتلى، اقترح رجال الأمن على تشاوشيسكو الخروج من شرفة القصر لمخاطبة الجماهير الغاضبة للتهدئه إلا أنهم رفضوا حديثه و طالبوه بترك منصبه و أخذوا يقذفونه بالحجارة. طالبته قواته بالهروب على متن طائرة هليكوبتر تفاديا للاحتكاك بالجماهير الثائرةٍ، إلا أنه لدى ركوبه الطائرة أمرت بعض العناصر من الجيش التي انضمت إلى الشعب ، قائد الطائرة بالنزول. نصبت محكمة ميدانية شعبية في 25 ديسمبر 1989بقيادة ضباط الجيش الثائرين الذين أصدروا حكمهم في ساعتين فقط بإعدام الديكتاتور الروماني و زوجته معا رميا بالرصاص. ونقلت عملية الإعدام مباشرة على شاشات التليفزيون ، و نفذ العملية أحد أفراد جهازه الأمني الذي أفرغ فيه 100 رصاصة و عندما سأل عن إطلاق هذا الكم الهائل من الرصاص رد: "أردت أن أتأكد أن هذا الديكتاتور لن يعود لحكم رومانيا مرة أخرى".