تولى قيس بن سعد، ولاية مصر في أكثر أوقاتها اضطرابا فقد قتل الخليفة عثمان بن عفان منذ عام وثلاثة أشهر "فى 23 ذى الحجة 35ه" و كان أهم المشاركين فى الفتنة مقاتلون خرجوا من مصر ثم قيام محمد بن أبى حذيفة بالانقلاب على الحكم وثورة رجال عثمان بقيادة معاوية بن حديج طالبين بدم عثمان.. ورفضوا البيعة للخليفة الجديد علىّ بن أبى وقاتلوا ابن حذيفة مرتين، فى البهنسا (المنيا) و خربتا فى البحيرة واستقروا فى خربتا، مع 01 آلاف مقاتل بقيادة مسلمة بن مخلد ومعاوية بن حديج،وقتل ابن حذيفة فى رهن قتلة عثمان عند معاوية . وفى أول ربيع أول 37ه وبعد 3 أشهر من مقتل الوالى السابق دخل مسجد عمرو الصحابى قيس بن سعد علي رأس سبعة من رجاله متولياً مصر بأمر الخليفة عليّ بن أبى طالب.. ليخطب فى الناس و يقرأ عليهم ما حمله من خطاب علىّ بن أبى طالب لهم، يوصيهم بطاعة الله وطاعة الوالى الجديد.. ويأمر الوالي برعاية الله فى الرعية ويوضع ثقته فيه.. ثم قام قيس بوضع القرآن.. كتاب الله لأخذ البيعة من الحضور.. مؤكدا أنه إذا لم يفعل معهم بما جاء في كتاب الله فلا أمرة له عليهم.. وبايع قادة المسلمين المقيمين فى الفسطاط ومنهم الكثير من الصحابة، لكنه لم يأخذ بيعة مقاتلي خربتا، وأرسل لهم أنه لا يجبرهم على البيعة، لكنه سيستمر فى تقديم كل عطاياهم المقررة لهم، وقام بصرفها فعلا.. وأرسلها لأسرهم وأولادهم المقيمين فى الفسطاط، فقد كانت خربتا منطقة مرابطة على ساحل البحر المتوسط فأرسلوا له وفدا إلى الفسطاط يستطلعون أمره،و أحسن استقبالهم وأكرمهم كطبيعته الأصيلة وضاعف لهم العطاء، ثم قام بتنظيم عمل الولاية فأرسل رجاله إلى المناطق الإدارية المختلفة لكنه لم يرسل إلى خربتا حتى لا يستفزهم. أمام كل ذلك وجد رجال خربتا، أنه لا مشاكل لهم مع قيس فأرسلوا له أن أبعث رجالك لإدارة خربتا. ثم قام مسلمة بن مخلد وهو صحابى وفارس وزعيم ووالى مصر بعد ذلك بالنداء بطلب دم عثمان من على منبر مسجد خربتا.. فأرسل له قيس أنه لو خير بكل ملك مصر والشام، مقابل أن يؤذى مسلمة.. فلن يؤذيه لأن دمه عنده أغلى من كل ذلك، فأرسل له مخلد أننى لا أعارض مادمت فى الحكم. وهدأت مصر واستقرت الأمور لمدة 4 أشهر وخمسة أيام "125يوماً ً" استطاع فيها هذا القائد المحنك أن ييسكت غضب 01 آلال مقاتل يمثلون قوة لا يستهان بها لتأييد معاوية أو تقويض حكم ابن أبى طالب . لم يفهم المحيطون بأبي أبى طالب ذلك.. وفهمه معاوية.. وبذل كل جهده للتخلص من هذا الداهية!! قيس بن سعد صحابى وابن صحابى هو سعد بن عبادة، أحد أكبر زعماء الأنصار.. وأحد المبايعين تحت الشجرة وأحد 12 نقيبا اختارهم النبى لقيادة الأنصار قبل الهجرة.. وفى الهجرة كان فى استقبال النبى وحافظ على إرسال وجبة غداء يومية للرسول، و أمهات المؤمنين، فقد كان من بيت كرم .. ينصبون غداءا يوميا للفقراء، ينادى المنادى فى الأسواق وطرف المدينة و سعد بن عبادة هو حامل لواء الأنصار فى فتح مكة، لكنه عندما قال لأبى سفيان إن ذلك اليوم مذلة لقريش، قال النبى إن ذلك يوم المرحمة.. وأخذ منه الراية ليعطيها لابنه قيس في تصرف غاية فى الذكاء.. بأن لام الأب، لكنه لم يحرمه من الشرف الذى وصل لابنه، وسعد هو الذى رشحه الأنصار للخلافة، فى سقيفة بنى سعد.. كما كان قيس بمثابة رجل الشرطة للنبى فى حياته. ويروى أنه كان لا يسترد القروض من أحد، فقد قصده أحدهم فى مبلغ 30 ألف درهم لشراء منزل لأولاده، لكن البائع غالى فى السعر فعاد الرجل يرد له المبلغ فقال له: أنا لا نعود فى شيء أعطيناه. وقيس .. من دهاة العرب.. وتم تصنيفه مع معاوية وابن العاص والمغيرة بن شعبة، لكنه قال سمعت رسول الله يقول المكر فى النار.. فامتنعت لكنه فعل فى مصر.. أكثر أنواع المكر إيجابية، فهو يكيد للمتمردين بالكرم والصلة، وعمل معاوية على استمالتة قيس لكنه رفض فاطلق حوله الاشاعات فارسل الامام على له لمحاربة رجال خربتا.. فرد عليه قيس: انهم أسود العرب وسادتهم وصحابة مشهود لهم كما أنهم فى حال سلام وهدوء.. وأوضح أنه لا يوجد ما يكيدهم به معاوية بأكثر مما يفعل معهم، ثم أنهى بعزة الصادقين، إن كنت تتهمنى فأعزلنى! فأرسل له على خطابا رقيقا محترما، لكنه يحقق هدف معاوية، أنى قد احتجت لقربك فقرر الخروج من مصر والذهاب إلى الإمام علىّ فى الكوفة. خرج قيس من مصر فى 5 من رجب 37ه، لكنه لم ينس ككل الأكرمين أن يقول نصيحته للوالى الجديد الشاب محمد بن أبى بكر بأن يستمر فى نفس السياسة ويحافظ على أقدار الرجال وآراءهم وأرزاقهم، والذى للأسف لم يسمع النصيحة وأصر على أخذ البيعة من أهل خربتا، فثاروا عليه وعندما لم يجد له يداً على أكثر من 13 ألف مقاتل، قبل شروطهم بالخروج من مصر والانضمام إلى معاوية، ليعودوا له بعد عدة أشهر وعلي رأسهم عمرو بن العاص ليهزموه فى معركة عسكرية "المنساه" بل ويقتل الوالى الشاب ويحرق على أساس أنه قائد الهجوم على بيت عثمان الذى انتهى بقتله، وتقاد نيران جديدة فى الفتنة تنتهى بمقتل الإمام علىّ عام 04 هجرية وتنازل الحسن عام 41ه وتولى معاوية الخلافة عام 41ه.. وأمنه معاوية على نفسه ورجاله فترك الكوفة وعاد الى فى المدينة.. وكان منذ خروجه ومدة حياته فى المدينة يذبح كل يوم جملاً يطعم الناس. وثقل عليه المرض في أواخر أيامه ولاحظ قلة زائريه فعرف أنهم يستحون منه لكثرة ما له عليهم من ديون، فأطلق منادى فى المدينة.. من له دين لقيس.. فهو له.. وعفى عن دين كل الناس.. فتزاحموا على منزله حتى حطموا سلالمه. ومات رحمه الله عام 66ه فى خضم الصراع ما بين عبدالله بن الزبير الذى أعلن نفسه خليفة للمسلمين فى الحجاز، وبين عبدالملك بن مروان الذى أعلن نفسه خليفة فى الشام. يتذكر فى مرضه داره فى مصر قائلا: لقد بنيتها بأموال المسلمين فهى لهم، لتصبح منذ ذلك التاريخ دار الإمارة و اشتهرت باسم دار الفلفل عندما استأجرها أسامة بن زيد التنوخى والى خراج مصر فى عهد الوليد بن عبدالملك "86 96 ه" ليضع فيها فلفل أسود بقيمة 20 ألف دينار يرسلها بعد ذلك باسم الخليفة هدية إلى ملك الروم.