فى شوال 35ه عاد سعد بن أبى وقاص من جديد إلى مصر، بعد 14 عاما من مشاركته فى فتح مصر عام 21ه.. جاء الآن رسولا من أمير المؤمنين عثمان بن عفان، إلى أهل مصر المتذمرين منذ حج العام الماضى 34ه، على تصرفات واليهم عبدالله بن سعد بن أبى سرح.. والذين ناقشهم عثمان آنذاك وراضاهم.. لكنهم عادوا من جديد للتحريض وإثارة القلاقل، خاصة أن دعوة ابن سبأ انتشرت بين عدد منهم، تندد بتصرفات الخليفة وأقرباؤه ولاة البلاد ورجال الحكم دون غيرهم من المسلمين، كما قالوا. جاء أيضا.. بعد فشل سفارة عمار بن ياسر قبله لمصر والذى استطاع أهل مصر استمالة قلبه الطيب.. فعاد غاضبا على عثمان، ودار بينهما حوار حاد خاصة من عثمان ولم يتحقق الهدف. وصل سعد أيضا فى توقيت كان فيه والى مصر، قد خرج منذ أيام فى طريقه للمدينة للقاء الخليفة، والوقوف بجانبه وسماع أوامره.. ما شجع محمد بن أبى حذيفة أن ينقلب على الحكم، ويطرد "الوالى بالنيابة" عقبة بن عامر، خارج الفسطاط، فسافر إلى معاوية فى الشام.. وأخذ ابن حذيفة فى تحريض مقاتلى مصر.. تنفيسا لغضبه على عثمان، رغم أن عثمان هو الذى رباه وهو طفل يتيم لقرابته لأبيه وأمه، إلا أن عثمان رفض أن يوليه أى منصب فى الدولة، وأمره بالذهاب إلى مصر، يرابط فى سبيل الله. لم يلتق سعد بن أبى وقاص فى طريقه بالوالى، ولا الخارجين على عثمان ولسبب غير واضح تاريخيا تأخر ابن سعد فى الطريق، قد يكون قد اتجه فى طريقه إلى الشام، يناقش معاوية والى الشام فى الأمور، قبل أن يأخذ طريقه إلى المدينة من جديد.. أو قد يكون قد ذهب للشام أو فلسطين لقضاء أمور تخصه.. لأنه بعد ذلك بأيام عندما منعه ابن حذيفة من دخول مصر بعد مقتل عثمان اتجه إلى عسقلان فى بيت له هناك يعتكف للصلاة حتى الموت فى عام 36ه. لكن الأحداث توضح أن ابن أبى سرح قد علم بمقتل عثمان وهو فى منتصف الطريق إلى المدينة، فى حين خرج الثائرون بعده بفترة ووصلوا المدينة وحاصروا عثمان شهرا كاملا، وهو لم يصل للمدينة فعاد عند سماعه الخبر. نزل سعد بن أبى وقاص فى منطقة (بنى سعد) على أطراف الفسطاط وأقام خيمة يقيم فيها حتى ينهى مهمته، وعلم ابن حذيفة بأمره فخاف أن يشتت رأى أهل مصر، فوقف خطيبا يحرضهم على عثمان وعلى سعد، ثم يقود مائة من رجاله قاصدين فسطاط "خيمة" ابن أبى وقاص والذى كان آنذاك فى نومة قيلولة الظهيرة. سعد بن أبى وقاص هنا.. فضلاً عن كونه صحابى جليل، ومن السابقين للإسلام ، فهو أيضا من أخوال النبى، وكان الرسول يفتخر دوماً بشجاعته ويقول هذا خالى. وهو فضلا عن جهاده فى غزوات الرسول وأول من ألقى بسهم فى سبيل الله عندما اعترض سرية استطلاع لقريش فى أول عام للهجرة، هو بعد ذلك قائد معركة القادسية، ونهاوند، وهازم كسرى الفرس.. وباقى الكوفة وحاكمها وواحد من ستة من كبار الصحابة الذين مات الرسول وهو راضى عنهم، اختارهم عمر بن الخطاب بعد مقتله "23ه" ليختاروا منهم خليفة للمسلمين.. واختاروا عثمان. أغارت مجموعة بن أبى حذيفة على فسطاط الصحابى النائم، الذى وصفه النبى يوما بأنه من أهل الجنة، فسعى عبدالله بن عمر "وكان صبيا" أن يعرف أعمال هذا الرجل، فنزل عنده ضيفا لمدة 3 أيام لم ير فيها شىء أكثر من أداءه العبادات التقليدية.. فسأله مباشرة عن الأمر فقال له ببساطة: إنه يبيت ليلته لا يحمل فى قلبه حقداً على أحد. أخذت مجموعة الغارة فى سب الصحابى الجليل، بل وشجوا رأسه، ثم هدموا فسطاطه فرفض وهو المحب لكل المسلمين، أن يرفع سيف ضدهم. وغادرهم عائدا إلى المدينة التى ما أن وصلها حتى كان عثمان قد قُتل.. وأطلت الفتنة برأسها.. فبايع "علىّ" على الخلافة ثم اعتكف في قصره الذى بناه فى منطقة حمراء الأسد بالعقيق علي مسافة 7 أميال من المدينة، واحتدم الصراع على أشده على الحكم، فجاءه من يطلب منه المشاركة فى الأمر فقال قولة سديدة: "أأتونى بسيف يقول لى من هوالمسلم ومن هو الكافر وأنا أضرب به!". ولم يشارك في موقعة الجمل "36ه" ولا صفين "37ه" ولا التحكيم.. واستمر فى عزلته حتى توفاه الله عام 55 ه "في خلافة معاوية" وكان آخر من مات من العشرة المبشرين بالجنة. كان قصيرا، مدملكا، أجعد الشعر.. وكان مستجاب الدعوة. عندما جاءه مرض الموت طلب أن يأتوه بجبة من الصوف ليدفن بها، وقال لاقيت بها المشركين فى غزوة بدر.. وأدخرتها لهذا اليوم. فى جنازته من العقيق إلى منطقة إلى البقيع حيث مدافن المسلمين فى المدينة، طلبت السيدة عائشة ومعها أمهات المؤمنين أن تمر جنازة الصحابى الجليل أمام مسجد النبى ثم أمرت بدخلوه المسجد، فصلت عليه هى وأمهات المسلمين. مات سعد بن أبى وقاص في سن 82 سنة..