الجاسوسية..ذلك البحر الواسع المليء بالقصص المثيرة التي تخطف الألباب.فهو عالم لا ضمير فيه و لا رحمة و لا يحكمه سوى قانون المصلحة و الفائدة مهما كان المقابل،فهو يجعل صاحبه كالفأر في المصيدة لا يستطيع الخروج منها و لا يفيده الندم في شيء. و مهما كان الضحية شخصا ذكيا فلن يفيده ذكاؤه.. فهناك من يعكف على دراسة كافة انواع البشر و طرق معاملتهم و يعرف جيدا كيف و متى يقع بفريسته. و لكن وحده الضمير و وحدها الوطنية هي الكفيلة بإنقاذ الضحية قبل وقوعه في براثن الخيانة التي ستقلبه من ضحية إلى شخص خسيس باع أغلى ما يملك. و يعتقد البعض أن الجاسوسية مستحدثة بينما تاريخها الطويل بدأ منذ عهد الفراعنة ،فأول جاسوس فرعوني كان "تحتمس الثالث" ملك مصر و لكنه لم يخن وطنه، فهو مؤسس أول جهاز مخابرات عرفه العالم فقد تيقن أن السياسة وحدها لا تفتح الأبواب المغلقة كما أن الجواسيس يسهلون سقوط الأعداء و يعجلون بهزيمتهم. حين أراد الملك الدفع بجنوده للدخول إلى إحدى المدن لم يكن يعرف السبيل فهداه تفكيره إلى الدفع بعدد من جنوده و هم داخل أكياس دقيق للدخول إلى إحدى المدن التي كان يريد حصارها و رفض أهلها الاستسلام ، و تمكن الجنود المتنكرين من دخول المدينة و تسليمها . و منذ ذلك الوقت و أصبح التخابر يتبع سياسة ممنهجة تسير عليها دول العالم كل زمن بوسائله و سبله. وفي هذا الاطار نذكر جميعا "هي دى مصر يا عبلة"..جملة شهيرة سمعناها في أحد الأفلام التي قامت ببطولتها الفنانة "مديحة كامل" و لم يعرف الناس وقتها أن الفنانة الراحلة كانت تجسد شخصية واقعية،إنها شخصية الجاسوسة الحسناء "هبة عبد الرحمن سليم " ابنة الذوات التي تلقت تعليمها في المدارس الفرنسية و ترعرعت في أحد أحياء القاهرة الراقية ، لم يكن يشغلها سوى حضور الحفلات و الذهاب إلى النادى و ملاقاة "الشلة" و سماع أغاني "الفيس بريسلي" في نفس الوقت الذى كان المصريون يعانون مرارة النكسة و يتجرعون كأس هزيمة 1967. و حين حصلت على شهادة الثانوية العامة استكملت دراستها الجامعية بفرنسا حيث الحرية و الانفتاح الذى طالما حلمت به و في الجامعة تعرفت على فتاه يهودية من بولندا و ذات يوم دعتها إلى منزلها حيث التقت بمجموعة شباب يهود و استطاعوا اقناعها أن إسرائيل دولة محبة للسلام و لا تريد الحرب و وصفوا لها تقدمها و أن الاسرائيليين ليسوا وحوشا بل شعبا يدافع عن قضيته و انجذبت "هبة" لحديثهم و اعربت عن اقتناعها الكامل خصوصا و أن واحدا منهم ضابط بالموساد اقنعها أن اسرائيل قوة لا تهزم . لم تأخذ مهمة تجنيد "هبة" وقتا طويلا ففي وقت قصير أصبحت مجندة رسميا للموساد. و في أول أجازة لها سافرت إلى مصرفي نفس الوقت كان يلاحقها غراميا ضابطا بالقوات المسلحة يدعى "فاروق الفقي" كان يود الزواج منها و أمام رغبتها في الاستفادة منه وافقت على خطبته و استطاعت تجنيده هو الاخر في وقت قصير. كانت تعرف منه مواقع الصواريخ و الوثائق و الخرائط العسكرية و ترسلها إلى باريس. و لاحظت المخابرات المصرية أن مواقع الصواريخ تدمر أول بأول من قبل الطيران الاسرائيلي مما اثار انتباههم و من خلال البحث علموا بخيانة الضابط العاشق فتم القبض عليه متلبسا و بحوزته معدات الكتابة السرية و جهاز استقبال لاسلكي و راديو و كتاب فك الشفرة و لكن المخابرات وضعت خطة تقضي باستمرار اتصالاته مع "هبة" حتى لا تستطيع الفرار عندما تعلم بأمر القبض عليه و استمرت اتصالاتهما شهرين و بعدها تم ارسال برقية لها تفيد بأن والدها مريض و يريد رؤيتها في ليبيا حيث يعمل هناك و تم تنفيذ الخطة ووقعت الجاسوسة الحسناء في قبضة المخابرات المصرية و تم ترحيلها إلى مصر. تم تنفيذ حكم الاعدام على الضابط الخائن رميا بالرصاص وفقا للقوانين العسكرية و أعدمت "هبة" شنقا داخل أحد السجون المصرية. و انتهت بذلك قصة الجاسوسة التي بكتها "جولدا مائير" و قالت أنها قدمت لإسرائيل ما لم يقدمه قادتها ، و كالب وزير الخارجية الامريكى "هنري كيسنجر" بتخفيف الحكم عليها إلا ان "السادات" عندما علم بزيارته تيقن أنها السبب و حتى لا تكون قضيتها عقبة في طريق السلام أمر بإعدامها فورا قبل وصول "كيسنجر" و ابلغه بذلك عند سؤاله عنها.