لم أكن ليوم أتصور فيه أن اكتب نعياً لصديقاً، ولكن في الحقيقة، فهذا النعي لن يخص صديقي فقط، ولكن سيخص كل من مات في سبيل الوطن، وأيضا سيخص ضمير الوطن الذي انتحر خشية من الوقوع في محاكمة مع الواقع !. اليوم رحل صديق، في حادثة غريبة من نوعها ولكن ليست فريدة في شكلها، في كل يوم يموت ألاف الأبرياء في هذا الوطن، الذي بالفعل يرويه الشباب بدمائهم، رحل المجند "مختار" ولم يسع عقلي فقط سوي أن يبدأ باستدعاء ذكريات الطفولة، التي قد كنت اعتقد أني نسيتها ولكن اليوم باتت حقيقة مؤكد وآسفاً مؤلمة. لا أجد الكلمات المناسبة لرثاء هذا الشخص، ولكن يكفيني فخراً المدة التي قد عرفته فيها شخصياً، وحتي اليوم الذي جاءت فيه لأستمع إلي تلاوة القرآن علي روحه ، ظل يوماً صامتاً بالكلمات صاخباً بالأحداث، ونحن في خضم عزاء الجسد والنفس، ينقطع التيار الكهربي، لتنقطع معه في نفوس بعض الحاضرين صيحات الأمل ولو كانت بادرة. لن أتحدث عن صديقي فقط، فكل من مات فهو صديقي ورفيقي، طالما بدمائه رويت أرضنا العطشى، طالما يرتاح الساسة، ولا يظمئون ندماً ولا يزرفون الدموع كما نفعل نحن، فالكل مقام مقال، ومواعيد الزمن تدور على كل ما اعتقد أن الزمن طواه. اليوم أيها الساسة ومع هذه المواقف، فقد كفر الذين قد أمنوا بمصر، وليس فقط بكم، اليوم تزرف الدموع الأخيرة في توقيع مشهد النهاية لكل من خان ومن باع ومن وهم الهوان. الفقر، الجهل، الإعلام، أقوى أسلحة الدمار الشامل، التي تخرب في كل نفوس المصريين، والإعلام الصامت، هو أقوى أسلحة "الخداع" الشامل، ففقرنا ليس بأيدينا، ولكن الجهل، يأتي بحجاب العقل الذي ولولاه لما كنا قد وصلنا إلى تلك النقطة البيضاء في كل تلك المساحات السوداء. اليوم لن أتحدث عن "صاحبي" اللي مات، ولكن عن الضمير الذي قد فقد وسط متاهة الساسة، والأغبياء، اليوم نكشف الكفر من بعد كفر في طريق شعباً لم يعهد سوى الإيمان، ولكن العبرة دائماً بخواتيمها، واستعين بأقتباسة مهمة، وأقول، فإنه كما خلف كل قيصر يموت قيصراً جديد، فأقول خلف كل صديق يموت أصدقاء تناضل من جديد. وفي النهاية، كما لا تختار الزهرة لونها، يصبح البشر أيضا غير مسئولين عن اختياراتهم، إلا عندما يصبحون أحرارا، ولا يصبحون أحرارا إلا عندما يكفرون بالعبودية، والعبودية اليوم تتمثل في موت شباب الوطن !