أصدرت محكمة جنايات سوهاج برئاسة المستشار محمد عفيفي بياناً أثناء انعقاد جلستها، السبت 8 ديسمبر، محملةً رئيس الجمهورية مسؤولية الأحداث التي تجري في البلاد. وطالبت في البيان المحاكم بعدم التعامل مع الإعلان الدستوري واعتباره كأن لم يكن كما دعا المستشار عفيفي جموع القضاة لعودة العمل بالمحاكم لوجه الله ولصالح المتقاضين معتبراً أن رسالة القضاة قد وصلت لكن هناك آذان أصابها الصمم جهلاً وعناداً وحملت رئيس الجمهورية مسؤولية الانقسام الموجود في الشارع. وهذا نص البيان الذي تلاه رئيس المحكمة: في البداية تتوجه رئاسة الدائرة باستيضاح إلى رئاسة الجمهورية، كيف يمكن التوفيق بين إعلانكم الظاهر دائماً باحترامكم وتقديركم لقضاة مصر وبين تدخلكم في صميم العمل القضائي وأنتم رأس السلطة التنفيذية وذلك من خلال إهداركم لحجية بعض الأحكام الجنائية الصادرة منهم وتعطيل الفصل في بعض القضايا المنظورة أمامهم بتقرير انقضاءها وبتحصين بعض قراراتكم من رقابة القضاة وانتم بصفتكم طرفاً في هذه وتلك أي خصم في كليهما وعدم استنكاركم قيام بعض المنتسبين إلى جماعة الإخوان المسلمين بإحاطة دار القضاء العالي لمنع النائب العام السابق من الدخول إلى مكتبه قبل ساعات من صدور قراركم المسمى تجاوزاً بالإعلان الدستوري وكذلك إحاطة البعض منهم بمبنى المحكمة الدستورية العليا لمنع قضاتها من نظر قضايا معينة أو إصدار أحكام فيها على غير هواهم في سابقة تعد الأولى في التاريخ وفي العالم. ومع كل وقد أمرنا بالأخذ بالظاهر والله يتولى السرائر، فأنني أبادلكم كقاضي الاحترام بالاحترام طالما التزمتم حدود القانون والدستور فيما يصدر عنكم من أعمال تتعلق بمباشرة اختصاصاتكم الدستورية. وأما بالنسبة لما تم تسميته تجاوزاً بالإعلان الدستوري الصادر في 21 نوفمبر فإن رئاسة الدائرة ترفضه شكلاً وموضوعاً وتعتبره اغتصابا لسلطة إصدار الإعلانات الدستورية لسببين أولهما شكلي والآخر موضوعي. وفيما يتعلق بالسبب الشكلي فأنه باستفتاء الشعب بعد ثورة 25 يناير علي التعديلات التي تم إدخالها علي دستور 1971 وبإصدار المجلس العسكري الحاكم آنذاك كسلطة فعلية وليست إعلانات دستورية حددت مواعيد إجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية وتشكيل لجنة إعداد الدستور الدائم بانتخاب مجلسي الشعب والشورى ورئاسة الجمهورية وانتخاب لجنة إعداد الدستور وحتى بعد إلغاء مجلس الشعب وانتقال سلطة إصدار التشريعات إلى رئيس الجمهورية فإن الشرعية الثورية تكون زالت وحلت محلها الشرعية الدستورية يتولى السلطات الثلاثة التشريعية والتنفيذية والقضائية مهامها الدستورية في إدارة مصر، ولا ينال من ذلك قيام بعض المظاهرات أياً كان دافعها لأن هذه ليست عملاً ثورياً لقلب نظام الحكم وتغييره ولكنها تمثل المعارضة في النظم الديمقراطية والتي لا تترتب عليها إلغاء الشرعية الدستورية أو النيل منها. وعلى ذلك تكون تسمية ذاك العمل إعلانا دستورياً محض تجاوز وغصب لسلطة الإعلانات الدستورية ومن ثم يكون هو والعدم سواء ويتعين على المحاكم تجاهله وعدم العمل به وإحباط أثره. وفيما يتعلق بالسبب الموضوعي فإن ذاك العمل المعترض عليه قد خالف كل المبادئ الدستورية المستقرة سواء بدساتير مصر السابقة وبدساتير الدول الأخرى والمواثيق الدولية الحاكمة لإصدار دساتير الدول من حيث ما نص عليه ذاك العمل من تحصين القرارات الصادرة من رئيس الجمهورية ضد رقابة القضاء ومن حيث أهدارة حجية بعض الأحكام الجنائية بالنص فيه علي إعادة المحاكمات ومن حيث تغولة علي السلطة القضائية، بتقريره انقضاء دعاوي منظورة أمام بعض الجهات القضائية رغم أن رئيس الجمهورية خصم أصيل فيها كمدعي علية وأخيراً من حيث إهداره للمبدأ التشريعي بأن تكون القاعدة القانونية عامة ومجردة بنصه على قاعدة بغرض تطبيقها على شخص معين سبقت محاولات لإبعاده عن منصبه القضائي وفشلت تلك المحاولات. وذلك فإن رئاسة الدائرة تهيب برئيس الجمهورية العدول عن ذلك العمل تغليباً وإعلاء للمصلحة العامة في ضوء ما أدى إليه من شق لوحدة صف المصريين وما ترتب عليه من أحداث مؤسفة تهدد أمن الوطن وتنال من وحدة أبناءه وسقوط قتلى ومصابين وخلخله للاستقرار اللازم لجذب الاستثمارات والنيل من سمعة مصر كدولة تحاول أن تسير على خطى الديمقراطية. وأخيراً فإن رئاسة الدائرة تحترم ما اتجهت إليه جموع قضاة مصر الأجلاء من خلال جمعياتهم العمومية إلى تعليق العمل بالمحاكم لحين الرجوع عن ذاك العمل المعيب إلا أنه تهيب بهم لوجه الله والوطن إعادة النظر في ذلك للأسباب التالية: أولا: أن قضاة مصر الأجلاء أصحاب المقام الرفيع يربئون بأنفسهم أن يحاكوا الآخرين من الذين يقومون بالإضراب عن أعمالهم أيا كانت مبرراتهم لأن في هذا تعطيل لمصالح الناس فما بال والأمر يتعلق بإقامة العدالة بين الناس وحصول كل صاحب حق على حقه والقضاة أصحاب ولاية وليسوا مجرد موظفين عموميين وهم معنيين بتطبيق القانون ومن ثم احترامه وعدم مخالفته. ثانياً: القضاة هم ظل الله في الأرض واستخلفهم في إقامة العدالة بين الناس فكيف لنا أن نمتنع عن إقامة العدالة وليس لهم ذنب في إصدار هذا الإعلان الدستوري المعيب بل هم المتضررون منه ولا يجوز عقابهم دون ذنب. ثالثاً: أن الرسالة من تعليق العمل بالمحاكم قد وصلت وقرعت الآذان فان كانت هذا الأذان قد أصابها الصمم وأخذت أصحابها العزة بالآثم عناداً وجهلاً فهل نستمر نحن في تعطيل مصالح الناس. وأخيراً فقد طالعت نصوص قانون السلطة القضائية وتعمقت في فقرات المادة 30 ولم أجد سنداً قانونياً لقرارات تعليق العمل القضائي بالمحاكم والقضاة نسيج من المجتمع يتفاعلون ويهتمون بقضاياه العامة ولكن يجب أن يكون ذلك في إطار القانون. وأخيرا حسبنا الله ونعم الوكيل في من تسبب في إحداث الفرقة بين أبناء الوطن حين كان عليه أمانة جمعهم يداً واحدة في سبيل بناء الوطن ودرء اشتعال الفتنة.