ضجيج بلا طحن أقرب تشبيه للحملات الانتخابية التي ينظمها راغبو الترشح لرئاسة الجمهورية. أشخاص من هنا وهناك يتحركون فيحدثون ضجيجا بلا معني. تركيزهم وعينهم علي وسائل الإعلام وما تنشره الصحف عن جولاتهم الساذجة التي هي أشبه بممارسة المراهقة السياسية. يتحرك المرشحون حركات لا تنقلهم من أماكنهم التي يقفون فيها ولا تدفع بهم خطوة للإمام. كلهم بلا استثناء يجتهدون في لفت الانتباه بدون حرص علي توصيل الأفكار وتعميق الفهم وطرح برامج حقيقية تقوم علي أسانيد وأسس يمكن تنفيذها علي أرض الواقع. يلفت الانتباه - وأنا متابع للانتخابات بكل مستوياتها وأنواعها منذ أكثر من ربع قرن -أن المواطنين لا يستطيعون التفرقة بين مرشح وآخر إلا من خلال نسبة وحجم ظهوره في وسائل الإعلام , فهم لا يعرفون إن كان هذا المرشح يمينيا أو يساريا أو وسطا معتدلا. المرشحون أنفسهم لا يتقدمون خطوة في سبيل توضيح هويتهم. فمن يميل منهم للتيار المتأسلم لا ينطق كلمة عن رأيه وتوجهه بشأن تطبيق حدود الشريعة الإسلامية أو حرية السياحة أو ممارسة الآخرين معتقداتهم. يخشون جميعا أن تحسب عليهم الكلمات ويكتفون فحسب بالحديث عن العموميات فمنهم من يقول إنه مع كل ما يفيد البلد والناس!! ومنهم من يقول: الذي يشرب الخمر يشربها في منزله، ومنهم من يرفض السياحة العارية ويطلب حظرها علي المصريين. بشكل عام أنا لا أرفض أي رأي مهما كان لكني كمواطن ينتخب رئيس الجمهورية يهمني أن أعرف رأي كل مرشح في القضايا الأساسية التي تهم المجتمع . وحتي الآن لم أعرف مثلا هل هناك ارتباط عضوي بتنظيم الحملات الانتخابية وبين مداعبة المواطنين وتناول الفطير المشلتت معهم أو تناول الملوخية كما يفعل بعض المرشحين الذين يحرصون علي أن تنشر وسائل الإعلام عن هذه الوجبات؟.هل تناولي الفطير يعني أن ذلك يعبر عن بند معين في برنامجي الانتخابي؟ هل عدم تناولي الفطير يعني رأيا معينا أعبر عنه بتناولي هذه الوجبة ؟ يجوب المرشحون المحافظات فلا تجد صدي سياسيا حقيقيا لجولاتهم. كلها زيارات ودية ومقابلات لا تثمر موقفا سياسيا أو رأيا واضحا فتجد مرشحا يصرخ قائلا: أنا مع الغلابة !! ولا تفهم ماذا يعني ذلك فطبيعي أن أي مرشح لن يجرؤ علي التصريح بأنه مع الأثرياء! ومرشح آخر يعلن أنه تشاور مع المشير في قرار خوضه الانتخابات بينما يري البعض أنه كان يجب أن يقول إنه بصريح العبارة استأذن! هو حر يستأذن أو ينصرف ولكن هل يعني ذلك أن قرارك »مش من دماغك«؟ والطريف أنك تجد كل مرشح يغازل الكل حسب الموقف فإذا كان يخاطب ملتحين فهو من بيت مؤمن وملتزم وعمره ما شرب المنكر! وإذا كان يخاطب الليبراليين أو شباب الكوفيات فهو مع الحرية بكل أنواعها اقتصادية وسياسية وحتي جنسية! المرشحون جميعا بلا استثناء ينفقون ببذخ فجولاتهم تكلف الكثير ولكننا لا نعرف مصادر الإنفاق لأنه لا توجد شفافية وكل شئ مباح في زمن الثورة فمن الذي سيسأل عن مصادر الإنفاق رغم أن بعض المصادر قد تكون من الخارج وبعضها يثير التساؤلات حوله , فمن أين لموظف عام مهما كانت المدة التي أمضاها في الوظيفة أن ينفق علي حملة رئاسية؟ المراهقة السياسية هي سيد الموقف ومازلنا نحبو في مجال السياسة ولا عيب في ذلك إذا أدركنا الحقيقة وتعاملنا علي هذا الأساس أما أن يخدعنا البعض ويحاول إقناعنا بأن الطريق إلي القصر الجمهوري يجب أن يمر بوجبات الفطير المشلتت فهذا في النهاية ما سيؤدي بنا إلي البحث عن أقرب مكان للنوم بعد تلك الوجبة الدسمة.