فيرونيكا قررت أن تموت، والبحر كان هادئا في عز البرد، وأنا أردت أن أعرف لماذا تريد فيرونيكا الموت ولماذا البحر هادئ هكذا؟!! في الواقع أنني قضيت إجازة قصيرة وسريعة في احدي قري الساحل الشمالي المهجورة، قرية صغيرة لا يعرفها سوي سكانها الذين لا يتعدون عشرين فيلا صغيرة ومائتي شاليه أصغر.. هي كل ما تحمله هذه القرية بين حدودها شبه المتناهية الصغر مقارنة بقري الساحل الفاخرة المعروفة التي يتباهي بها روادها أمام عشاق المظاهر والتطلعات الطبقية، أما قريتنا الباهتة علي الخريطة فأنني أعشقها وأفضل هدوءها وبعدها عن عيون الفضوليين بكل ألوانهم، وحكاية فيرونيكا التي قررت الموت هي بطلة رواية " الكاتب البرازيلي العبقري صاحب نوبل بولو كويلو والتي قررت أنا أن أعرف لماذا قررت هذه البطلة التي تمتلك كل شيء ممكن أن تتمناه أية فتاة في الدنيا من شباب وجمال وأصدقاء ووظيفة مرموقة وأسرة محبة أن تموت بجرعة زائدة من الأقراص المنومة، ولكنها لم تمت؟!! وتدخل مستشفي للأمراض العقلية بسبب إقدامها علي الانتحار لكن بعد أن تترك هذه الأقراص تلفا شديدا في عضلة قلبها، ويصبح لديها أيام معدودة ليتوقف قلبها وتنتهي حياتها كما أخبرها الأطباء داخل المستشفي، وتواجه البطلة طوال الرواية انتظار الموت الذي لا يجئ كما تمنته لان هناك حقيقة غائبة عن ذهنها أن لا أحد يستطيع أن يقرر الموت ولا أحد يستطيع أن يقرر أن يولد،وإنما الإنسان يمكن له أن يأخذ قراراته في المسافة الزمنية بين الميلاد والموت الذي يقره الله وحده. عشت مع فيرونيكا أياماً وليالي بلا نوم لقد شغلتني الرواية وأثارت بداخلي العديد من التساؤلات الفلسفية، تارة أقتنع بمنطقها وتارة أخري أرفض طريقة تفكيرها وسلبيتها، ولكن المتعة الأكيدة كانت بين سطور وعبقرية المؤلف من رؤيته للحياة وفلسفته وثقافته وفكره المتجدد في مواجهة الحياة وتعريفه للجنون الذي يري فيه الحرية الكاملة للتصرفات والسلوكيات فالمجنون يستطيع أن يقول ما يحب وان يفعل ما يحب دون أن ينتقده احد، وإذا كانت فيرونيكا انتحرت لان أيامها تشبه بعضها فأنها أدركت قيمة حياتها عندما أخبرها الطبيب بأن قلبها يمكن أن يتوقف في أي لحظة .. وبعد أن تقرر فيرونيكا الموت ..تقرر الحياة!