ماذا بعد الحج ؟ .. سؤال يتردد كل عام في مثل هذا الموعد ، ودائما وأبدا يقصد به توجيه النصح والإرشاد للحاج ، لما يجب أن يتمسك به عند عودته إلي أهله وبلده، حيث أن الهدف من العبادات في الإسلام ليس العبادة فقط، ولكن ما بعدها. وردا علي هذا السؤال يدعو علماء الأزهر الشريف الحاج بأن يكون حجه نقطة تحول في حياته ، ليفتح صفحة جديدة مع الله تعالي ، وفيها يحاسب نفسه، ويراقب الله تعالي في سلوكه وأقواله وأفعاله حتي يداوم علي العمل الصالح. وأكد العلماء أن من علامات الحج المبرور أن يستقيم المسلم بعد حجه، ويكون بعد الحج أحسن حالا من قبله ، مستشهدين بما قاله بعض السلف : " علامة بر الحج أن يزداد بعده خيرا ، ولا يعاود المعاصي بعد رجوعه وفي سطور التحقيق التالي مزيد من أراء العلماء فيما يجب علي الحاج بعد عودته. وفي سطور التحقيق التالي مزيد من أراء العلماء فيما يجب علي الحاج بعد عودته. بداية يقول الشيخ فرحات المنجي من علماء الأزهر الشريف : الحج عبادة إسلامية لها حكم ومقاصد عديدة أهمها تربية المسلم علي عبودية الله وحده ، والتزام أوامره ، واجتناب نواهيه ، واتباع سنة النبي صلي الله عليه وسلم ، وهذه الأمور لا ترتبط بموسم واحد ، بل يجب علي المسلم أن يلتزم بها طوال حياته ، ومن ثم فإن أخلاقيات الحج يجب أن يتعود عليها الحاج بعد عودته ، ويجعلها منهجا لحياة يحيا به ، ويتعامل به مع غيره ، ولهذا فإنه مطلوب من كل حاج أن يعود الي بلده وأهله ، وقد امتلأ قلبه حبا لله ولدين الله ليحيا طيباً ، ويعيش طيبا ، ويعمل طيبا " إن الله تعالي طيبٌ لا يقبل إلا طيبا " ويأكل طيبا لقوله تعالي : "يا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلاَلاً طَيِّباً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ "، ويموت طيبا لقوله تعالي تعالي: "الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُواْ الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ " . ويؤكد الشيخ المنجي أن الهدف من العبادات في الإسلام ليس العبادة فقط ، ولكن ما بعدها ، فالصلاة تنهي عن الفحشاء والمنكر ، ومن لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم يزدد من الله إلا بعدا ، والصيام شرع لغرس تقوي الله في القلوب قال جل شأنه:" َيا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَي الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ " ، والزكاة والصدقة تطهر المؤمن من البخل والشح وتطفيء غضب الله تعالي "خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ " ، والحج كذلك ، فعلامة قبول العبادة ما بعدها ، وعلامة قبول الحسنة الحسنة بعدها . نقطة تحول وينصح الشيخ المنجي الحاج العائد إلي أهله وبلده بأن يعقد النية ، ويجدد العزم ، ويحرص علي أن يكون حجه نقطة تحول في حياته ، ويحاسب نفسه ، وينظر ما آثار الحج علي قلبه وسلوكه وأقواله وأفعاله حتي يداوم علي العمل الصالح ولو كان قليلا ، فإن القليل الدائم خير من الكثير المنقطع ، كما أن أحب الأعمال إلي الله أدومها وإن قل . ويشير الشيخ المنجي إلي أن للمداومة علي الأعمال الصالحة فوائد لا تحصي ، حيث تنهي صاحبها عن الفواحش ، قال تعالي "وأقم الصلاة إن الصلاة تنهي عن الفحشاء والمنكر " ، وبها دوام اتصال القلب بالخالق " من يتوكل علي الله فهو حسبه" ، كما أنها سبب لمحبة الله للعبد " وما يزال عبدي يتقرب الي بالنوافل حتي احبه" ، وسبب النجاة من الشدائد ، كما قال الحكيم لقمان : " يا غلام احفظ الله يحفظك احفظ الله تجده امامك تعرف اليه في الرخاء يعرفك في الشدة" ، وسبب لمحو الخطايا والذنوب ،و سبب لحسن الختام ، قال تعالي " يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة" ، وسبب لتيسير الحساب فقد جاء في الأثر إن الله تجاوز عن رجل كان في حياته يعامل الناس ، ويتجاوز عن المعسرين فقال الله تعالي " تجاوزوا عن عبدي " ويضيف الشيخ المنجي : ومن علامات الحج المبرور أن يستقيم المسلم بعد حجه ، ويكون بعد الحج أحسن حالا من قبله ، فإن ذلك من علامات قبول الطاعة ، وقال بعض السلف : علامة بر الحج أن يزداد بعده خيرا ، ولا يعاود المعاصي بعد رجوعه " ، وقال الحسن البصري: " الحج المبرور أن يرجع زاهدا في الدنيا ، راغبا في الآخرة . الحج المبرور ومن ناحية أخري تشير د. سعاد صالح الإستاذة بجامعة الأزهر إلي أن بعد انتهاء موسم الحج وعودة الحجيج إلي بلادهم ينقسمون إلي ثلاثة أقسام ، القسم الأول يبدأ حياة جديدة ، حيث عاهد الله عز وجل علي الاستقامة ، وعزم علي عدم العودة إلي ما كان عليه قبل الحج من غفلة وعصيان ، وذلك بعد أن ذاق طعم التوبة ، وفاز بالمغفرة ، وانطبق عليه قول الرسول صلي الله عليه وسلم : " من حج لله فلم يرفث ولم يفسق، رجع كيوم ولدته أمه " ، والقسم الثاني هو من كان حجه فضلا علي فضل، وزاده إيمانا علي إيمان،وهؤلاء هم خير الحجيج، والقسم الثالث من الحجيج هم الذين اتخذوا من حجهم مجرد صحوة إيمانية أعقبتها غفوة ، وعند عودتهم يعودوا لما كانوا عليه من ذنوب ومعاصي . وتخاطب د. سعاد الحاج عند عودته إلي أهله بقولها: ينبغي عليك إذا أردت أن يكون حجك مبرورا أن تلزم طاعة ربك، وذلك بالمحافظة علي الفرائض، وشغل الوقت بكل ما يقربك من الله جل وعلا من ذكر ودعاء وقراءة قرآن وغير ذلك من أبواب الخير، وأن تحفظ حدود الله ومحارمه، فتصون سمعك وبصرك ولسانك عما لا يحل لك. وتضيف : ومن الأمور التي تعين العبد علي أن يكون حجه مبروراً، أن يستشعر حكم الحج وأسراره، فهناك فرق كبير بين من يحج وهو يستحضر أنه يؤدي شعيرة من شعائر الله، وأن هذه المواقف قد وقفها قبله الأنبياء والعلماء والصالحون، فيذكر بحجه يوم يجتمع العباد للعرض علي الله، وبين من يحج علي سبيل العادة، أو للسياحة والنزهة، أو لمجرد أن يسقط الفرض عنه، أو ليقال الحاج فلان. وتؤكد د. سعاد أن التمسك بالقيم الإسلامية هي أهم المبادئ التي يجب علي الحاج المواظبة عليها بعد رجوعه إلي بلده ، فقد قال الله تعالي:" إن صلاتي ونسكي وحياتي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت"، فقد أمر الله تعالي المسلم بالتمسك بالقيم ، فضلا عن ضرورة أن يكون نافعا ومفيدا في مجتمعه ، فلا تتوقف قيمة العبد المؤمن علي أداء العبادات بل خدمة الناس ونفعهم . حال الحاج ومن جانبه يؤكد الشيخ عزت الإمام أمين عام لجنة الفتوي بالازهر أن الحج فريضة وقيمة عليا أمر الله بها ، وليست هناك أفعال محددة مطلوبة أو منبوذة للحاج بعد عودته ، لكن عليه إدارك أن عليه المواظبة علي العبادات لان فلسفة الإيمان هي المواظبة والمداومة . ويضيف : علي الحاج بعد أن وقف بعرفات وأظهر الندم علي ما فات أن يعقد النية علي أن يفتح صفحة جديدة من حياته مع الله سبحانه وتعالي ، فالمسلم الذي لبي لله في الحج مستجيبا لندائه كيف يلبي بعد ذلك لدعوة أو مبدأ أو نداء يناهض دين الله الذي لا يُقبل من أحدٍ دين سواه ؟ ، من لبي لله في الحج كيف يتحاكم بعد ذلك إلي غير شريعته أو ينقاد لغير حكمه ، أو يرضي بغير رسالته ؟ ، فعلي الحاج أن يسعي إلي مزيد من التقرب إلي الله عز وجل، كأنه حصل علي منحة إيمانية في الحج، لا يكتفي بعد العودة بما تزود به في رحلته، إنما يكافح من أجل المزيد من القرب ، وعليه أيضاً تنمية الإحساس بالتقصير بداخله علي ألا يكون ذلك سببا لليأس من القبول ، ولكنه يكون دافعا مستمرا للإجادة في كل أمور الدين والدنيا، لتجديد التوبة والتطهر رغبة في كتابة اسمه بين التوابين والمتطهرين ، ويكفي أن يراقب الحاج نفسه عند أي تفكير يراوده أو تصرف ينوي القيام به حيث يقف لوهلة ويسأل نفسه: هل هذا يليق بحاج أكرمه الله بزيارة بيته الحرام؟