جاء لقاء الإمام الأكبر د. أحمد الطيب شيخ الأزهر مع سفيرة الولاياتالمتحدة بمثابة رسالة ذات دلالات منتظمة، تشكل رؤية للتواصل مشروطة بالعدل، رافضة للاستلاب كي يغدو العالم أفضل جسدت الرسالة حصافة الرجل، وحسمه، واقتداره بما يمتلكه من معارف، ووعي تجلي في طرحه القراءة الصحيحة للواقع، وإدراكه لتشابكات المصالح والمصائر، وتمسكه بحق امتلاك الشعوب العربية الاسلامية ممارسة خصوصيتها، وتأكيده الامكانات المفتوحة في التبادل والتواصل في التعامل مع الآخر، ومجابهته للإملاءات، والتدخلات الأمريكيةوالغربية التي تبدد سلامة أية علاقة، وتسمم أجواء التعايش، وتمانع العلاقات الطبيعية الضابطة للمصالح المشتركة، وإدانته لاحتراف آليات الاسترصاد بصناعة العداء للإسلام، وفقاً للحسابات الامريكيةوالغربية، مسوغاً لما تستهدفه من مقاصد، صحيح ان الامام الأكبر قد طرح وقائع وقرائن وأدلة علي تلك التجاوزات ذات البعد الآحادي، لكن الصحيح كذلك انه في كل ما تناوله كان يفصح عن جوهر الفكر الاسلامي ومعلومه. أوضح د. أحمد الطيب ان المسار الفكري للإسلام انفتاحي بأصوله التأسيسية فيما يخص العلاقة مع الآخر المختلف والمتعدد وذلك حين أبدي استعداد الأزهر للتعاون المشترك مع الولاياتالمتحدة في مجالات البحث العلمي، بشرط عدم التدخل في شئون الأزهر، إذ أن مقصد التعاون إغناء وإنماء متبادلين اما الشرط العام الذي طرحه الإمام الأكبر للتعاون بين الولاياتالمتحدة والأزهر بوصفه المؤسسة الدينية التي تعبر عن ضمير الأمة العربية والإسلامية فهو شرط تبليغ يعني ضرورة الاعتراف المسبق بتعددية الحضارات، وتنوعها، الذي يضع حداً للميز، والمفاضلة، والقطيعة بينها، وينفي الفكرة التي تتأسس علي انه ليس ثمة علاقة بين الحضارات إلا علاقة القوة، وأن كلاً منها تلاحق الأخري، وفقاً لنظرية صراع الحضارات التي بشر بها صموييل هننتجون عام 3991 الذي وضع الحضارة الاسلامية علي خط تقسيم جبهات الصراع الحتمي مع الغرب، بل حث عليه، لما تمثله من تهديد للحضارة الغربية، وذلك ما يعد امتداداً لمصطلح »إسلاموفوبيا« الذي جري ترويجه عام 6791 ويعني رهاب الخوف من الإسلام، الذي وصفه شيخ الأزهر ب »الوهم الكريه«. كشف الإمام الأكبر تأثير هذه الاستيهامات المصطنعة التي تبنتها السياسات الأمريكيةوالغربية، وسوغت بها معاداتها للإسلام فشكلت سياسات كارهة، نافية للشعوب العربية والإسلامية، متجاهلة حقوقها التي توجه مصائرها صحيح ان وجود حضارات متنوعة لا يمنع من وجود قيم إنسانية عامة واحدة، مثل قيم المواطنة، والحرية، والعدالة، والكرامة، وعدم الاقصاء، التي أعلن الامام الأكبر تبني الأزهر لها ودعمها، لكن الصحيح أيضاً ان هذه السياسات الغربية تترصد بالأساس للسيطرة علي تلك المجتمعات، وتفكيكها، وإخضاعها لسلطانها، واستباحة حقوقها وثرواتها بنجاعة قوتها المطلقة أدان الإمام الأكبر السياسات الأمريكية التي تعمم مبدأ الحروب، دون الاستمساك بقيم راقية، تتبدي في الرشد المنتج للعدالة والاستحقاق للجميع، منتقداً خطأ غزو العراق، وتداعيات ويلاته وخساراته المتعددة، معرباً عن استيائه من الانحياز الامريكي التام الي الكيان الصهيوني الذي يسعي الي إزالة خارطة الوجود الكياني للشعب الفلسطيني، وإجهاض كل محاولات استرداد وطنه الوحيد المفقود، وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، معلناً إصرار الأزهر واستمرار نصرته للشعب الفلسطيني انتهج الإمام الأكبر ببصيرة نافدة منهج الكشف المباشر لنتائج التدخلات الأمريكية، التي تبدت في اقتحام خصوصيات المجتمعات العربية الإسلامية، بما يتهدد مرجعياتها القيمية لهويتها الحضارية، ومواريثها بكل امتداداتها، اختراقاً لمبدأ السيادة الثقافية بما يخفيه من مقاصد ابتلاع حقوقها المشروعة، إذ أن هذه التدخلات التي لا تعرف العدالة، أو الحياد، أو الحق، انتجت أعنف الإثارات التي وحدت ضمير العالم الإسلامي انعتاقاً من التنكر لكرامتها وحقوقها، وتوهجت انفجارات اليأس والكراهية ضد الولاياتالمتحدة، وفقدت الديمقراطية الامريكية مصداقيتها كنموذج يحتذي، لممارستها خارج حدودها ما يسمي »الفاشية الخارجية« فالديمقراطية بكل تنظيماتها وتدابيرها تستهدف تأسيس غاية أبعد وأشمل هي إرادة العدالة، بوصفها جسر الحق الذي يرتبط بممارسات تقيم الحق، وليست ممارسات تبتلع حقوق الشعوب وتتنكر لها، لحظتها لا يعود للعدالة وجه تعرف به. إن هذه القراءة في خطاب الإمام الأكبر لا تطرح نفسها بديلاً عن نص حديث الرجل، ولا تدعي أنها قد أحاطت بكل ما جاء به، ولكنها محاولة استجلاء منهج الرجل، من خلال استقراء الرسائل التي تضمنها حديثه، وكشف دلالاتها.