عندما نكبر نتذكر وصايا أمهاتنا، وغضب أبائنا، ونعرف أنها كانت علامات محبة مبكرة. عندما نكبر، نجد أنفسنا نقدم لأولانا نفس النصائح، من منطلق الحب والخوف عليهم، وهم يستنكرون. عندما نكبر تتسع دائرة تجاربنا ومعارفنا، ونتأكد من صدق تلك الوصايا التي غالبا لا نقوي عليها، وندرك كم كانوا يقدمون لنا تجاربهم بكل الحب لتخفيف أوجاع الحياة، وتقليل الخيبات في حياتنا. عندما نكبر نعرف أن التجربة هي المعلم الحقيقي، وكل منا له تجربته وظروفه التي لا تخضع لأطر بعينها. عندما نكبر نعرف أن وصايا أهالينا لم تكن سياطا علي ظهورنا بقدر ما كانت مخاوفهم علينا. هكذا أخذنا الروائي المحب عادل عصمت في روايته البديعة » الوصايا» التي يقدمها الجد»سليم» إلي حفيده الذي كان يراه »الولد الساقط» ؛ ليمنحه وصاياه العشر النابعة من واقع تجربته في الحياة، حبا لحفيده الذي كان عمره حينذاك ثمانية عشر عاما، الذي لم يع في هذه السن قيمة وصايا »الجد»، ثم أدركها فيما بعد، وهو علي مشارف الخمسين، أجمل ما في الرواية أن هذه الوصايا العشر جاءت علي متن حكاية عائلة سليم وأولاده وأحفادة في قصة شديدة الواقعية لكثير من الأسر المصرية في الريف، تثير بداخلك كل التجارب من الحب والحلم والرغبات والخيبات والموت والحياة والفرح والاحزان والفقد والافتقاد، كأنك تعيش مع أفراد هذه العائلة تراهم وتسمعهم وتتشابك معهم، السرد بسيط، يحمل الكثير من فلسفة الحياه دون التورط في كلمة » افعل أو لا تفعل» إنه سرد حكائي، يعزف فيه عادل عصمت أناشيد الحياة، بين الحب وجمح الرغبة والسيطرة في شخص الجد صاحب البصيرة والحكمة، الذي أراد أن يرثها الحفيد منه، وككل الوصايا لا أحد يستطيع تنفيذها حرفيا مهما بلغت من قوة واقناع فالحياة وتقلباتها، لا تأتي بما تشتهي السفن، وتسير أحداث الوصايا العشر عبر الحكاية وهي بالترتيب الزمني للرواية » خلاصك في مشقتك، إياك والعمي،المتعة عابرةٌ كالحياة، كن يقظًا وقت الفرح،الثروة مثل الدابة عليك أن تسوقها، احذر أن تقتل أخاك، الأحزان سموم القلب، تحمّل الألم،المحبّة دواء أيام الباطل،أعظم الفضائل في التخلّي» هكذا نجد وصايا الجد سليم لحفيده » الساقط» وصايا مقبولة دون غضاضة أو فرض أوامر عليه، ولكن ليست الحياة تسير بالوصايا لنجد أنفسنا في نهاية الرواية كلنا كالسديم الذي بدأ به الجد سؤاله قبل سرد الوصايا حينما قال: هل تعرف ما هو السديم؟ ولا يجيب الحفيد، ويجيب الجد: السديم هو الضباب الخفيف، سحابة من التراب أو الغاز، وفي علم الفلك نجوم بعيدة تظهر كأنها سحابة خفيفة، أو بقع ضعيفة النور، وفي »المختار» السديم هو التعب والحزن، ورجل سادم، رجل نادم. هكذا نحن في رحلة الحياة بين الميلاد والموت.