يهل علينا شهر أكتوبر، من كل عام، حاملاً معه ذكريات أغلي انتصارات حققها الجيش والشعب المصري، في تاريخهما الحديث، عندما محا، في عام 1973، آثار الهزيمة المريرة التي ألمت بنا في حرب يونيو1967، مما دعا البعض لأن يصفها، بتعبير النكسة، وهي في الحقيقة هزيمة، حتي وإن كانت موجعة. بعد يونيو67، فقدت مصر شبه جزيرة سيناء، بالكامل، وفقدت قواتها المسلحة 75% من أسلحتها وعتادها، ووصلت قوات العدو الإسرائيلي إلي الضفة الشرقية لقناة السويس، ورفعت العلم الإسرائيلي فوق الأرض المصرية. وخلال ستة أعوام، هي عمر حرب الاستنزاف، تمكن الجيش المصري من إعادة بناء ذاته؛ فاستعاد أسلحته، وأعاد تنظيم صفوف قواته، وبدأ التخطيط للحرب، لاستعادة أرضنا المغتصبة. قاسي الشعب المصري، خلال هذه الفترة، وتحمل الكثير، من أجل توفير كل مطالب القوات المسلحة، متسلحين بشعار »مصر أولا». وانتهت هذه المرحلة، الصعبة، يوم السادس من أكتوبر، من عام 1973، في تمام الساعة الثانية ظهراً، عندما عبر الجيش المصري قناة السويس، وحطم خط بارليف، أكبر الخطوط الدفاعية، علي الإطلاق، في تاريخ الحروب الحديثة، وألحق الهزيمة بالعدوالإسرائيلي، وأعاد الأرض والكرامة للعسكرية المصرية وللشعب المصري. ووافق هذا العام، مرور 45 عاماً علي انتصار حرب أكتوبر المجيدة، فإذا بالاحتفال، بهذه الذكري الغالية، يقتصر علي يومين فقط، علي جميع وسائل الإعلام، مرئية ومسموعة ومقروءة، إضافة إلي قرار رئيس مجلس الوزراء، باعتبار يوم، الأحد، السابع من أكتوبر، إجازة رسمية، للفت انتباه الشباب لذكري حرب أكتوبر. وانتهت الاحتفالات بنصر أكتوبر، يوم الاثنين، الثامن من أكتوبر، لكي تعود الحياة في مصر إلي ما كانت عليه. ومن لم تمكنه ظروفه من متابعة وسائل الإعلام، في هذين اليومين، فإنه لم يشعر بأن هناك ذكري عظيمة في تاريخ الشعب المصري، والأمة العربية بأكملها. وهنا لنا وقفة ... فأنا أري ضرورة تكاتف جميع جهات الدولة، للاحتفاء بتلك الذكري العظيمة، بما يليق بها، بدءاً من وزارة التربية والتعليم، التي يقع عليها الدور الأكبر، في تحديث مناهجها الدراسية، بما يتناسب مع التقدم التكنولوجي، لجذب الأطفال، في سن مبكرة، لبطولات الحرب، مع توضيح دور الأبطال العظماء الذين حققوا النصر، علي أن تتناسب وتيرة الأحداث مع المراحل العمرية للطلاب، وتتدرج في شرح خلفيات وأحداث حرب أكتوبر 73، ودور الشعب المصري، الذي كان لمساندته لجيشه، عظيم الأثر علي روحه المعنوية. ودور الرئيسين جمال عبد الناصر وأنور السادات، في الإعداد للحرب، واتخاذ قرارها، وتحقيق السلام واستعادة الأرض. يجب أن تتجدد المناهج الدراسية بعيداً عن الأساليب التقليدية، والتحول إلي المحاكاة التكنولوجية التي تناسب عقلية الطالب في القرن الحادي والعشرين. لتستكمل الجامعات المصرية، هذا الدور، لاحقاً، بتنظيم ندوات ثقافية، تفاعلية، خلال العام الدراسي، وليتم عقدها، مثلاً، في المتاحف العسكرية وبانوراما 6 أكتوبر، وذلك بالتعاون مع وزارة الشباب والرياضة، ليتم تعميم تلك الندوات في مراكز الشباب، مصحوبة بمسابقات فنية، حول حرب أكتوبر، في مختلف الفنون سواء القصة أوالشعر أوالرسم أوالنحت، تنظمها وزارة الثقافة المصرية من خلال مراكزها المختلفة، بدءاً من دار الأوبرا المصرية، والمسارح والمراكز والقصور الثقافية، بمختلف محافظات الجمهورية، بهدف خلق جيل جديد من المبدعين. فضلاً عن إصدار العديد من الكتب والدراسات من خلال دار الكتب المصرية، منارة الثقافة والتنوير، مع ترجمة كل ما كتب عن هذه الحرب في دول العالم، خشية تزوير التاريخ، وتغييب العقل، وتأسيس واقع مخالف، مع التركيز علي الإصدارات الإسرائيلية، التي تطرقت لما وجه لدولتهم من انتقادات بعد هذه الحرب. يجب أن تمتد الأدوار إلي وزارة الأوقاف، والأزهر الشريف، والكنيسة الأرثوذكسية، لتوعية الشباب في كل المجالس الدينية، بما حدث في السادس من أكتوبر، وجهاد المصريين، مسلمين ومسيحيين، للحفاظ علي الدولة المصرية. وهناك دور تقوم به مؤسسات المجتمع المدني، من خلال عقد اللقاءات مع قادة حرب أكتوبر وأبطالها، حتي وإن كان تنظيمها يقتصر علي مجموعات صغيرة، إلا أنه لا يجب إهمال ذلك النشاط. وعلي مستوي المحافظات، يجب أن يكون هناك دور لكل محافظة، بالتعاون مع إدارة الشئون المعنوية للقوات المسلحة، لتقديم احتفال راق، لا يقتصر علي وضع أكاليل الزهور علي النصب التذكاري في المحافظة، بل تشارك فرق المحافظة والمدارس في هذه الاحتفالات. ويتم فيها التنسيق مع وزارة السياحة، ليتم إدراج تلك الاحتفالات علي الخريطة السياحية لكل محافظة. وبالطبع هناك دور تقوم به القوات المسلحة، من خلال إدارة الشئون المعنوية، التي تعمل بكل جهدها علي تنظيم العديد من الاحتفالات والندوات، في كافة أرجاء مصر، وإصدارها للأفلام والأغاني المصاحبة لحرب أكتوبر 73، ويمتد دورها لإمداد المصريين المغتربين، بمواد مناسبة لتضمينها في احتفالاتهم في مختلف بلدان العالم، مع الملحقين العسكريين، إذ يعتبر السادس من أكتوبر هوعيد القوات المسلحة المصرية في خارج البلاد. ما يعنيني هنا ليس الاحتفال في ذاته، قدر ما يعنيني أثره ومبتغاه، فالهدف هو إيجاد حالة قومية، بعيدة عن النمط التقليدي للاحتفالات، بما يضمن انجذاب الشباب إليها ... فأنا أخشي، ما أخشاه، أن تتحول ذكري انتصار حرب أكتوبر 73، إلي مجرد يوم في الأجندة السنوية للإجازات الرسمية للدولة، خاصة بعد أن يرحل جميع أبطال وقادة حرب أكتوبر، الذين صنعوا تلك الملحمة العظيمة ... تماماً مثلما حدث مع احتفالات عيد النصر في عام 56، التي اقتصرت ذكراها اليوم علي كونها إجازة، للمدارس فقط! إن انتصارنا في هذه الحرب الحديثة، يجب أن يظل نبراساً يهدي الأجيال الصاعدة من شباب مصر، لمصدر عزتهم وكرامتهم، وفخرهم بما حققه جيش مصر وشعبها العظيم.