هل سمعت يوماً شائعة وفاتك، جميل راتب سمعها ثلاث مرات في حياته! وصدمني وهو يقول لي: »تصوري 3 مرات أسمع خبر موتي وأكذبه بنفسي لأصدقائي ومعارفي، بصراحة أنا خايف لما أموت بجد يقولوا دي إشاعة». وضحك.. حتي أغرورقت عيناه بالدموع. لم تعد وفاة جميل راتب شائعة سيضحك منها كما اعتاد وهو ينفيها لأقاربه وأصدقائه، ثم يتأملها في مرارة حين ينفرد بنفسه بل حقيقة مؤكدة بعد أن غيبه الموت صباح الأربعاء الماضي عن 92 عاماً. كنت قد التقيته في مهرجان قرطاج 2016 وفوجئت به يجلس علي كرسي متحرك، شعرت بالأسي وأنا أمد يدي لأصافحه غير أن هذا الشعور تبدد تماماً مع حيويته التي بدت علي وجهه وهو يلتقي بأصدقائه القدامي، وسعادته الأكبر بتكريم الرئيس التونسي الباجي قايد السبسي الذي منحه وسام الاستحقاق من الدرجة الأولي، وداعبه الرئيس وهو يتحدث بإعجاب عن دوره في فيلم (الصعود الي الهاوية). كانت المفاجأة أيضاً أن يتجول جميل راتب بكرسيه المتحرك في شوارع تونس، والجمهور يلتف حوله في إعجاب، يصافحه ويقول له بنحبك برشا برشا، أي كثيراً كثيراً، ويلتقط صوراً معه، وهو يلبي رغباتهم في سعادة، كنت معه في تلك الجولة ومدير أعماله هاني التهامي يدفع بكرسه المتحرك مرة ويتوقف مرات ليمنح الفرصة للجمهور، وفي شارع الحبيب بورقيبة، كانت جولتنا، وفي أحد مطاعمه جلسنا نتحدث، وعبر لي عن حبه لتونس وأهلها، فقد لعب بطولة ثلاثة أفلام تونسية من أهم أفلامه وهي (شيش خان) 1991، (كش مات) 1994، و(صيف حلق الوادي) 1996، ويجيد راتب التحدث بلهجة تونسية حتي تحسبه مولوداً بها. هذا الأرستقراطي النبيل عمل شيالاً في فرنسا التي ينتمي إليها من ناحية الأم، وأحب فتاة فرنسية ولم يتزوجها، وتزوج أخري صارت صديقته بعد انفصالهما، ولم ينجب برغبته، وماتت حبيبته في حادث سيارة وجاءت زوجته لتواسيه، وكان دوره في مسلسل (الراية البيضا) من أقرب الشخصيات لطبيعته مؤكداً: حين أديته شعرت أني أشاهد نفسي في المرآة. وقال لي: »جئت هذه المرة لأودع تونس وأصحابي بها، فقد تكون هذه آخر مرة أشوفهم». وكانت بالفعل آخر مرة. رحم الله جميل راتب.