التواضع فضيلة كريمة لا يتحلي بها إلا الإنسان الواثق من نفسه، والقريب من ربه، فكلما اقترب إلي الله بالأعمال الصالحة، وأدي العبادات بتقوي وإخلاص، استسلم لحكمه وقدره، ولم يعترض علي مشيئته وقضائه، وهذا في حد ذاته نوع من الخشوع للخالق »عز وجل«، وهذا تواضع رائع بأن تعرف قدرك المحدود نحو رب العالمين، مهما كنت غنياً أو عالماً أو صاحب جاه أو سلطان.. فلماذا تتكبر وأنت ضيف علي هذه الدنيا سنوات محدودة؟.. كم سنة ستعيش مهما طال عمرك؟.. تسعون سنة علي أفضل تقدير؟. وكم عدد السنوات التي انقضت من العمر؟.. وماذا تبقي؟.. وما هو المصير المقدر والمحتوم بعد هذه السنوات التي ستعيشها؟. أليس مصيرنا جميعاً التراب ودخول القبر، ثم ينصرف عنا الأهل والأحباب والاصدقاء وبعد ذلك يحاسبنا الله بما اقترفت ايدينا من خير أو شر؟ يا إلهي سبحانك.. إذا كانت رحلة الحياة بهذا القدر، وقصيرة جداً مهما طالت.. فلماذا يتعالي بعض الناس ويتكبر علي غيرهم؟.. أهو نقص إيمان؟.. أم سوء تربية؟.. أم فقدان الثقة بالنفس؟! جرب مرة أن تكون من المتواضعين واسأل عن مريض.. أو سدد نفقات محتاج.. أوتناول »ساندويتش« مع آخر أصغر منك سناً أو أقل مكانة.. جرب أن تساعد كفيفا أو ضعيفا أو عجوزا علي عبور الطريق، ثم اترك الأحاسيس والمشاعر النبيلة تعبر عما في أعماقك من سعادة ليكافئك الله فوراً عن تواضعك بقدر ما سعدت آخرين واسعدتهم. ومع ذلك إذا حاولت إدخال البهجة علي غيرك وتواضعت معه، فلا تنس أعتزازك بنفسك، فهدفك الرئيسي والأساسي هو التقرب إلي الله، وليس الرياء أو ادعاء بطولة زائفة أو طلب شهرة أو صيت، لأنك تساعد آخرين كانوا في حاجة إليك.. لا، لابد أن تطلب الرضا والقبول من الله قبل الناس، فمن تواضع لله رفعه، ومن تكبر علي الله والناس وضعه. والإنسان الأصيل كلما زاده الله مالاً أو جاهاً ازداد تواضعاً، وأقترب من بسطاء الناس أكثر، والعكس صحيح، »الخسيس« إذا أصبح ثرياً أو تولي منصباً تكبر علي خلق الله وازداد غروراً لأن معدنه أصلاً »وضيع«! رفيع القوم من يتواضع،. وسافلهم من يتكبر ويتعالي ويتطاول علي غيره.. مسكين إنه من تعساء الدنيا والآخرة!