قرأت في جريدة الأخبار العدد الصادر يوم الاثنين 2/5/1102 ما نشر علي لسان فقيه دستوري واصفا التعديلات الدستورية بان لمادة 88 فيها جاءت بخطيئة دستورية ، هي منح سلطة الإشراف والفرز لأعضاء من هيئات قضائية.. لأنه وضع ماهو قضائي إلي جانب غير القضائي.. فهيئة قضايا الدولة تدافع عن الحكومة في القضايا المقامة ضدها«، وهو يري أنه لايجوز أن يسند للهيئة الإشراف علي الانتخابات طالما هي تدافع عن الحكومة. والحقيقة، أن الخطيئة إنما هي في هذا الرأي، لأن الدفاع عن الدولة لا يسند إلا لسلطة أعظم قوة وحصانة من القاضي، فكيف نقنن في الدستور حسب هذا الرأي لضعف سلطة الدفاع وجعلها أقل قوة وثقة من القاضي. في حين أنه لا وجود في الواقع لشئ اسمه الدفاع عن الحكومة، لأن الحكومة ليست إلا تابعاً يعمل عند الدولة، وليست صاحبة الشخصية القانونية، ولا صاحبة الذمة المالية.. وإنما الدولة هي صاحبة كل ذلك، وأي تصرف يصدر عن الحكومة ينصرف أثره مباشرة إلي ذمة الدولة، فيكون الدفاع عنه دفاعاً عن الدولة وليس عن الحكومة، ثم أنه من المحرم شرعا، ومن غير الجائز دستورا، أن ترصد هيئة قضائية ليكون عملها حماية الحكومة ونصرتها علي مخالفة القانون الذي هو إرادة الدولة.. .. ومحاربة الفساد ليس إلا صورة من صور الدفاع عن الدولة وحماية وأموالها، وهو ينصرف إلي الدفاع الوقائي الذي يهدف إلي علاج الاعتداء فور وقوعه وإزالة أسباب المخالفة عن طريق سلطة تمثل ذات الدولة بوصفها صاحبة الدعوي وليس بوصفها شخصا ثالثا لا قاضياً ولا محكماً ولا موفقا ودونما حاجة إلي اللجوء للقضاء بشأنها.. ومن الطبيعي أن تنصرف حماية الدولة لتكون ضد كل من يعتدي علي الدولة أيا كان مركزة، حتي ولو كان هو رئيس الدولة ذاته.. ومن هنا، فإن للدفاع عن الدولة المجالات الآتية: أ الحماية ضد أعضاء نظام الحكم حال كونهم هم المعتدين لتحقيق مصلحتهم الشخصية، وكذلك إذا ما استغلوا سلطانهم واعتدوا علي حقوق وأموال الأفراد حتي ولو أسفر الاعتداء أموالاً تضاف إلي ذمة الدولة، كجباية ضريبة غير واجبة، أو منع حق واجب الأداء، وهو دفاع من باب أنصر أخاك ظالما، برده عن ظلمه. بالحماية ضد اعتداء الأفراد وأصحاب النفوذ علي الدولة، وهذه هي الصورة التي يتحدث عنها فقيهنا في جريدة الأخبار، فهو يري أن هيئة قضايا الدولة تدافع عن الحكومة في هذه القضايا، وإنني أتحدي لو استطاع أن يعرض قضية واحدة من هذه القضايا تنوب الهيئة فيها عن الحكومة، فمعظم القضايا التي تباشرها الهيئة الآن إن لم يكن كلها هي ذاتها التي كانت موجودة قبل الثورة، فلو كانت هذه القضايا تخص نظام الحكم السابق، لزالت بزواله، فبقاء هذه القضايا واستمرارها رغم زوال النظام هو خير دليل علي أن الهيئة لاتباشر الحماية القضائية إلا نيابة عن الدولة وعن المجتمع، ولايقال إن من هذه القضايا ما هو من الراجح أن تخسره الدولة، فهذا الاحتمال لايغير من طبيعة كون هذه القضايا تخص الدولة والمجتمع وليس الحكومة ولكن السبب في تداولها أمام المحاكم رغم رجحان خسراتها يرجع إلي غياب الاختصاص بالدفاع الوقائي، الذي كانت مطالب هذا الفقيه ومدرسته هي السبب المباشر في تغييبه، لأن هذا الفقيه كان ضمن مدرسة شملت عددا من فقهاء في الدستور وعدداً من كبار رجال انتهزوا تحفز نظام الحكم السابق وعدائه للاختصاصات والصلاحيات الطبيعية لسلطة الدفاع، والتي كان من شأنها أن تمنعه عن نهب أموال الشعب فزينوا له وبوصفهم أهل الذكر في المجتمع أن يحجب عن سلطة الدفاع كل الصلاحيات التي تتعارض مع صفة الوكالة عن النظام.. وكأنهم ذهبوا إلي النظام قائلين له إن السلطة التي من حقها أن تحمي أموال الشعب ضد فسادك يجب أن تحكم قبضتك عليها، وتجعلها تابع لك، فأوحت هذه المدرسة للحاكم كيف يجهض كل مطلب إصلاحي لأعضاء الهيئة، فكان يرفض الإصلاح متحججا بالنظام، ولو أنصف الشعب اليوم لطالب بمحاكمة أصحاب هذه المدرسة علي الأقل سياسيا علي خطيئة رأيهم التي مكنت المفسدين من نهب اموال الدولة، بل نحاكمهم علي سكوتهم عن المطالبة بتعزيز وتقوية وتحصين سلطة الدفاع بحيث تكون قادرة علي الحماية الحقيقية الفاعلة ضد سلطان الفسدة فقد كان هذا هو واجبهم الأول بحكم تخصصهم، وهو الواجب الذي من أجله علمتهم مصر، وأجلستهم علي كراسيهم، وبما ينادي به هذا الرأي الخطيئة من تبعية سلطة الدفاع للحاكم، وترتب عليه أن حجب نظام الحكم عن هيئة قضايا الدولة المجال الأول من مجالات الدفاع عن الدولة وهو المتمثل في الحماية ضد نظام الحكم عندما يأتي الاعتداء من أصحاب السلطة، كما حجب وسيلة الدفاع الوقائي، لأن مضمونه أن يكون من حق سلطة الدفاع أن تأمر نظام الحكم أن يبادر بإعطاء الحقوق لأصحابها فور وقوع المخالفة، كما ترتب علي ذلك أيضا منع سلطة التحرك التلقائي لإدراك وجود المخالفات لكي تتصرف فيها تلقائياً. وعندما قامت الثورة، انبعث الأمل في نفوس الأعضاء في سماع مطالبهم الإصلاحية، فقد زال النظام المعادي للإصلاح، وكان الظن أن تكون بطانات النظام قد زالت بزواله.. ولكن كانت الصدمة القاسية عندما سمعنا صوت هذا الفقيه وغيره، يبثون ذات النغمة الهدامة، ولم يجد الأعضاء من الحكومة الانتقالية من يهتم أو يفكر في وجهة نظر الهيئة. وباعتبار أن منع الفساد يكاد يكون هو الهدف الهدف الأساسي للثورة، وأن إصلاح مسار الدفاع القضائي هو السبيل الوحيد لوقف نزيف شريان ثروات الشعب